ترك برس
ضمن فعاليات "المنتدى الدولي من أجل إسلام ديمقراطي" أقيمت يوم أمس الثلاثاء 28 تموز/ يوليو 2015 في قاعة منبر "وعد" في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا ندوة بعنوان "العنف في الممارسة السياسية"، وذلك من خلال أربعة محاور وفقًا للآتي.
افتتح النّدوة المدير العام للمنتدى الأستاذ "نبيل قسّيس" بكلمة تعريفية نوّه خلالها إلى أنّ اختيار المُنتدى أن يكون البحث في ظاهرة العُنف محطّ اهتمام غير عادي كان نظرًا لما يُجسده من مخاطر يطال أذاها الجميع، وذلك "إيمانًا منّا ببراءة الأديان السماوية جميعها من نزعات القهر والظلم والتّسلط والإرهاب، وكذلك إيمانًا منّا بأحقيّة ريادة الفكر والثقافة لأي مشروع تحرّري".
وتابع قسّيس قائلًا: "إلّا أننا في الوقت ذاته، لا ندّعي أننا نمتلك الحلول الفكرية الناجزة، ولا الإجابات التي لا يطالها الخطأ، بل ندرك تمامًا أن المعالجة الفكرية والثقافية لتلك الظاهرة هي بحاجة إلى جهود جميع الفعاليات الاجتماعية والدينية والفكرية والسياسية، وحسبنا في هذه الندوة أن نبدأ بإثارة الأسئلة وتحريض العقول ومقاربة الأفكار، أملًا في بناء نهج ثقافي يوازي إنسانية الإنسان ويسهم في صون كرامته وجوهره".
تناول الباحث محمد الربيعو في المحور الأول بعنوان "الجهاد في زمن الليكزس" قضايا التطرف الإسلامي من منظور سوسيولوجي حينًا وأنثروبولوجي حينًا آخر، مؤكدًا خطأ النظرة الغربية وطريقة تشخيصها لظاهرة التطرف الإسلامي.
أشار الربيعو إلى أنّ الغرب ما زال يُشخّص القضايا الإشكالية في العالم الإسلامي من منظور استشراقي لا يأخذ بعين الاعتبار القيمة الرمزية للإسلام ولا الحالة الحقيقية للتدين عند عامة المسلمين، ورأى أنّ صورة المسلم في الذهن الغربي ما زالت هي ذاتها الصورة المستمدّة من المخيال التراثي التاريخي وليس من الواقع الحالي للمسلمين.
وفي ذات السياق، أشار الباحث إلى أن قضية التطرف ليس منبعها العالم الإسلامي فحسب، بل إن الغرب ذاته يعاني منها، بدليل وجود العديد من الوافدين الغربيين الذين يعملون في صفوف الجماعات الإسلامية المتشددة، حسب تعبيره، مضيفًا أنّ جوهر المشكلة هو أن الغرب يتنصل من مشكلة هو ذاته يسهم في إيجادها.
تناول الباحث "محمد برو" في المحور الثاني تنظيم الدولة "داعش في استطلاعات الرأي (رؤية مغايرة للإعلام)"، حيث أوضح أنّ مفارقات عديدة قد تفاجئ المتابع العادي لشأن التطرف؛ فحين يتجاوز عدد مؤيدي داعش في الوطن العربي ثمانية ملايين شخص هذا يستوجب المزيد من البحث في أسباب ارتفاع حاضنة التطرف.
ورأى برو أن احتضان التطرف السنّي لا يجسد بالضرورة صوابية موقف أو اتجاه النهج الظلامي بدر ما يجسد نزوع المواطن العربي إلى صفوف التطرف السنّي في مواجهة التطرف الشيعي من جهة، كما يُجسّد هروب المواطن من حال سيّء إلى حال أقل سوءًا في بعض الأماكن من جهة أخرى.
في المحور الثالث بعنوان "العنف السياسي عند الإسلاميين - دراسة تحليلية تاريخية" قدّم الباحث "أحمد الرّمح" مُقاربة لقضايا العُنف الديني ولكن من داخل التراث الديني نفسه، مُستعرضًا في هذا السياق مجمل الخلافات السياسية في التاريخ الإسلامي، والّتي اتّخذت لبوسًا دينيًا.
رأى الأُستاذ أحمد الرمح أنّ الطامح إلى السّلطة - أيًا كان مذهبه - يحاول دائمًا أن يجد غطاءًا شرعيًا لحروبة ومعاركه لتبدو في أعين الآخرين على أنّها حرب جهادية في سبيل الدين، في حين أنّها لا تعُدو كونها حربًا ذات دوافع سياسية، حسب تعبيره، مدلّلًا على ذلك بالحرب التي اشتعلت بين الأمويين والعباسيين وانتهت بالقضاء على حكم بني أميّة.
وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ الرمح كان دائم الإلحاح على ربط الظاهرة السياسية بجذورها الفكرية من خلال استعراضه لأهم المذاهب الفكرية والفلسفية في الموروث الإسلامي والتي أسهمت في التأسيس لشرعنة العُنف السياسي.
وفي السياق التحليلي التاريخي ذاته أكد الباحث أن منهج التطرف الديني واحد من حيث آليات التفكير وإن اختلف الزمان والمكان، مشيرًا بذلك إلى اتخاذ المجموعات الإسلامية المتطرفة في الراهن الحالي من الدين الإسلامي شعارات تستمد منها شرعيتها.
أمّا في المحور الرابع بعنوان "العنف السياسي في سوريا (مقاربة أولية)"، فقد تحدّث الباحث "حسن النيفي" عن شكلين من العُنف السياسي يُواجههما المجتمع السوري: الأول هو العُنف السياسي الذي يُمارسه نظام الأسد، والثاني هو الذي يكون مصدره جماعات دينية لا تقل ممارساتها بشاعة عن عُنف نظام الأسد.
أشار الباحث إلى أنّ الصنف الأول يتجسّد في نمطين اثنين: الأول "عُنفٌ مُشرعِن"، وهو مُجمل الممارسات العنفية التي يقوم بها نظام الأسد، وقد أوجد لها غطاءًا قانونيًا أو دستوريًا من صُنع وتفصيل النظام ذاته، مثل إعلان حالة الطوارئ على امتداد عقود من الزمن، وإصدار المرسوم 6 في عام 1966، وإصدار القانون 49 في عام 1980، وإنشاء المحاكم الاستثنائية وما إلى ذلك.
أمّا النّمط الثاني من عُنف نظام الأسد حسب إشارة الباحث حسن النيفي الذي وصفه بـ"العُنف المُركّب"، فهو مُجمل الممارسات العنفية بحق السوريين، والتي لا تستند سوى إلى رغبة الحاكم في الانتقام والتنكيل بخصومه فُرادى وجماعات، مثل اجتياح مدينة حماة في شباط/ فبراير 1982، ومجزرة سجن تدمر في عام 1980، ومجازر حلب وإدلب وجسر الشغور وغيرها.
رأى النيفي أنّ الجماعات الدينية التي تُمارس الصنف الثاني من العُنف تدفعها إلى ذلك السلوك رغبة شديدة في حيازة السلطة، وكذلك نُزوع شديد إلى التسلّط والهيمنة، مُستمدة شرعية سلوكها من موروث فقهي ما زال هو السائد لدى أكثر المذاهب الإسلامية شيوعًا، حسب تعبيره.
كما أشار إلى أن غالب هذه الجماعات هي ذات أجندات عابرة للحدود ولا تحمل السمة الوطنية، أي أنها لا تحمل مشروعات اجتماعية منبثقة من هموم الناس واحتياجاتهم، بقدر ما تنبثق من معتقدات وتصورات تنتمي إلى عصور سالفة.
وقد أعقب الندوة على مدار المحاور الأربعة حوار عميق وهادىء مع الحضور، حيث أعرب الجميع عن أن موضوع العنف يجب أن يحظى بجهود متتابعة ومكثفة، كونه كالنار التي توشك التهام الجميع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!