محمد زاهد جول – شؤون خليجية
كان فوز حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية التركية في السابع من حزيران 2015 بنسبة 13 % وبثمانين نائباً كردياً، يمثل أكبر نجاح سياسي للحركة السياسية الكردية التي قادها حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان، فقد كانت تلك النتائج بمثابة تجسيد واقعي للتقارب ونجاح مساعي أردوغان واوجلان التي دامت لسنوات، جسدها أردوغان بالحزم الديمقراطية لتوسيع الحقوق القومية، وجسدها أوجلان برسائل أخوة وديمقراطية وإلقاء السلاح والشراكة السياسية في بناء تركيا الجديدة، كما في رسائله في عيد النيروز عامي 2014 و2015، فالنجاح الذي حققه حزب ديمقراطية الشعوب برلمانياً كان نجاحاً لسياسة حزب العدالة والتنمية، الذي قاد تركيا لثلاثة عشر عاماً، قضى منها معظم سنوات حكمه وهو يعالج ويقارب في الانفتاح الداخلي والمصالحة الوطنية وتطوير الديمقراطية بين كل القوميات التركية، بما فيها القومية الكردية، وكذلك كان نجاحاً لسياسة وأفكار عبدالله اوجلان التي بثها في رسائله وأوامره لعناصر حزبه بإلقاء السلاح، ومغادرة المتمسكين منهم بالسلاح إلى جبال قنديل شمال العراق.
هذا النجاح السياسي في المصالحة الوطنية التركية والكردية كان سيمنح مزيداً من القوة السياسية والاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي في تركيا، وهو ما لم يوافق سياسات الظلاميين والارهابيين الذين يعملون على إشعال المنطقة بالحروب الطائفية، كما في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، ولذلك أخذت تحاول تطبيق السياسة نفسها التي طبقتها في هذه الدول الممزقة بالحروب الطائفية والحروب القومية في تركيا، هذه السياسة يمكن تسميتها بسياسة تفكيك الدولة، وهذه السياسية تحتاج إلى تحويل التوافق السياسي في هذه الدولة، وهو في الغالب بين أكبر الطوائف أو القوميات أو الاثنيات او الأديان في هذه الدولة، إلى أسباب نزاع وصراع وحروب مستدامة، حتى يتم إنهاك الدولة اجتماعياً وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي تصبح الدولة دولة فاشلة وعاجزة عن العمل المثمر، فضلاً عن أن تستطيع مواصلة مسيرة النهضة والنجاح فيها.
هذه السياسة في تفكيك الدولة التركية هي الأهداف التي تستهدفها الأعمال الإرهابية اليوم في تركيا، والغريب أن الأيدي التي تنفذ هذه السياسة الظلامية والإرهابية هي الأحزاب الكردية، سواء كانت مدركة لذلك أو مخدوعة، والغرابة في الأمر أن هذه الأحزاب الكردية قد بلغت ذروة نجاحها قبل أشهر في الانتخابات الأخيرة، فكيف تمكن الظلاميون والإرهابيون من تحويل الأحزاب الكردية إلى أحزاب إرهابية، وكيف تمكنوا من تحويل النجاح السياسي الكردي إلى أعمال إرهابية، تقتل الجنود الأتراك وتهاجم مقرات الجيش التركي ومؤسساته الأمنية؟
وكيف تمكن الظلاميون والإرهابيون من تحويل المشروع السياسي الكردي في تركيا إلى مشروع عدواني وتخريبي وإرهابي ضد الشعب والدولة التركية؟ وبدرجة أكبر ضد الأكراد أنفسهم، فالشعب الكردي هو المتضرر الأكبر من هذه الأعمال الارهابية، وفي الوقت نفسه لا بد من السؤال: لماذا يريد هؤلاء الظلاميون إضعاف تركيا؟ وهي الدولة التي ساعدتهم كثيراً في مرحلة الحصار الدولي عليهم، وهي- أي الدولة التركية- قد ساعدتهم في تخفيف آثار العقوبات الدولية عليهم.
بداية نقول إن هؤلاء الظلاميون لا عهد لهم ولا ذمة، ولا ينظرون إلا إلى أهدافهم الإمبراطورية في السيطرة على المنطقة العربية والإقليم كله، ولذلك فإنهم وبعد نجاحهم الوهمي في الاتفاق النووي الأخير في فيينا، فإنهم يظنون أن المرحلة القادمة ترسيخ أركان نجاهم في سوريا والعراق ولبنان، بعد موافقتهم على التراجع في الهيمنة على اليمن، بسبب عاصفة الحزم السعودية، وهؤلاء الظلاميون يظنون أن الدولة التركية هي الدولة الإقليمية الوحيدة التي سوف تعارض سيطرتهم على الإقليم.
إن شهوة هؤلاء الظلاميين لتزعمهم الشرق الأوسط هي الذي دفعهم لإضعاف الدولة التركية، ورغبة وزير خارجيتهم جواد ظريف زيارة تركيا، هي لمطالبة تركيا أن تقتنع بالمبادرات الإيرانية والخطط التي تضعها القيادة الإيرانية للمنطقة وسوريا والعراق، وحيث إن السعودية قد أبدت بعض الليونة لقبول نفوذ إيراني معتدل في سوريا ولبنان مقابل تراجع إيراني في اليمن، فإن المعيق الأكبر للمشروع التوسعي الإيراني هي الدولة التركية، ولذلك فإن الخطة الظلامية هي تذليل المعيق التركي، ولذلك حرك الظلاميون من يمسكون بأيديهم من قادة الأحزاب الكردية، وهم بالتحديد قادة جبال قنديل، لإشعال تركيا بالأعمال الإرهابية للضغط على الدولة التركية ألا تعارض الخطط الإيرانية في الشرق الأوسط، وبالأخص أن أمريكا قد وافقت على هذه الخطط من خلال مباحثات الاتفاق النووي الجانبية، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي قبل يومين بقوله: "إن توقيع الاتفاق النووي مع إيران، قد فتح المجال لتفاهمات سياسية معها للحل السياسي في سوريا والمنطقة".
هذه التصريح للرئيس الأمريكي هو إشارة واضحة بأن إيران تريد قبض ثمن تنازلها عن المشروع النووي الإيراني بتحقيق نفوذ سياسي في الشرق الأوسط، ولذلك فهي- أي إيران- ترى بأن على الدول الإقليمية أن توافق على هذا الدور الإيراني في الشرق الأوسط، طالما أن الدول الكبرى قد وافقت عليه، ويرى البعض أن السعودية قد قبضت ثمن النفوذ الإيراني في سوريا بتمكين النفوذ السعودي في اليمن، وهذا ما يفسر تراجع الحوثيين وتقدم المقاومة الشعبية اليمنية بعد توقيع الاتفاق النووي.
هذه هي أهداف الأعمال الإرهابية في تركيا، فهي أهداف ظلامية للإيرانيين، ولكنها بأيدي كردية للأسف، ونقول للأسف لأن بعض عناصر الشعب الكردي وقع ضحية الخداع والغدر الإيراني، وما كان له أن يكون هو الضحية عشية تحقيقه أكبر نجاح سياسي في تاريخه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ونتيجة لهذا التخبط بين قادة الأحزاب الكردية في أولويات المشروع الكردي الذاتي، وقع قادة الأحزاب الكردية في صراع واضح وتصريحات متناقضة، فقادة قنديل يريدون الحفاظ على القرار السياسي والعسكري بأيديهم، ونظرتهم إلى نواب حزب الشعوب الديمقراطي أنهم أدوات سياسية بأيدي جبال قنديل فقط، وأنهم لا يحق لهم اتخاذ أي تقارب مع الحكومة التركية دون موافقة جبال قنديل على ذلك، ولذلك لم يستطع حزب ديمقراطية الشعوب استنكار الأعمال الإرهابية التي حركها حزب قنديل الكردي، بل إن قادة حزب قنديل الكردي يعارضون قرارات زعيم الحزب التاريخي السجين عبدالله اوجلان، بحجة أنه مغيب عن متابعة الأحداث، بينما هم يتصرفون وكأنهم حزب مستقل عن حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله اوجلان، ويقعون تحت ضغوط وأوامر الحرس الثوري الإيراني، وإلا فلا مصلحة لهم في إثارة التفجيرات في تركيا وتدمير مشروع النجاح السياسي الذي حققه الأكراد في السنة الأخيرة على الأقل.
إن الظلاميين الإيرانيين يضغطون على تركيا بقبول نفوذهم في الشرق الأوسط، وعدم معارضته على الأقل، وإلا فإن الرد هو سفك الدماء التركية والكردية، أي أن الأكراد يستخدمون مثل القنابل التي يطلقونها على الجنود الأتراك أدوات بيد الظلاميين الإيرانيين، فقادتهم في جبال قنديل خاضعون للحرس الثوري الإيراني والحكومة العراقية في بغداد، بينما مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان، أدرك المخطط الإيراني فطالب عناصر حزب العمال الكردستاني بمغادرة الإقليم، وعدم اتخاذه أداة في محاربة تركيا، وأعلن عن تفهمه للغارات التركية على قواعد حزب قنديل الارهابي، مما يعني أن الأكراد في نظر الظلاميين الإيرانيين مجرد عناصر إرهابية يمكن أن تحركهم طهران وفق أوامرها وخططها.
إن الشعب الكردي مطالب بتقرير مصيره بنفسه، وعدم خضوعه لأوامر ولا ضغوط الظلاميين الإيرانيين ولا أتباعهم في جبال قنديل في العراق، ولا أتباعهم في سوريا من كتائب الأسد، ولا أتباعهم في لبنان من حسن نصر الله وغيره، فأولئك الطائفيون العرب هم أدوات رخيصة بيد الظلاميين الإيرانيين، وقد أوردتهم القيادة الإيرانية الظلامية المهالك في سوريا ولبنان والعراق، فهل يتعظ الأكراد بذلك؟
إن الأكراد في تركيا كانوا على أبواب مرحلة نجاح وانفتاح ومصالحة وطنية حقيقية واعدة، وعليهم مواصلة هذه المسيرة من خلال نواب حزب الشعوب الديمقراطي، بشرط أن يتحرر حزب الشعوب الديمقراطي من أوامر حزب قنديل الظلامية والإرهابية، التي يتلقونها من قاسم سليماني، الذي يتزعم تطبيق الخطة الإيرانية الروسية في الهيمنة على المنطقة، وعلى الأكراد في تركيا تحديدًا أن يعيدوا قراءة رسائل الزعيم عبدالله أوجلان في أعياد النيروز السابقة، بأن الخلاص هو بدولة وطنية ديمقراطية في تركيا الجديدة، وليس في القراءة ولا الحلول القومية الشوفينية، فالقراءات التاريخية قد انتهى عصرها، فكيف يقبل الأكراد في تركيا أن يكونوا أدوات قتالية إرهابية رخيصة لتحقيق أهداف الظلاميين الإيرانيين في تركيا أو في الشرق الأوسط؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس