مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس
يقول المثل العربي: "رب ضارة نافعة"، أما المثل التركي القريب لهذا المعنى فيقول: "مصيبة صغيرة خير من ألف نصيحة"، فالأمر الضار والمصيبة الصغيرة هي فقدان حزب العدالة والتنمية للأغلبية المطلقة، والأمر النافع والذي لن يحصل ولو تمت له النصيحة ألف مرة، هو أن أعداء تركيا رموها بسهم واحد وقت شدتها، فظهر مكرهم وانفضحت خططهم، فهم لا تفرحهم نهضة تركيا الجديدة، ولا استقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فمباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات 7 حزيران/ يونيو الماضي، أخرج قوس الانتخابات البرلمانية سهما مسموما غذّاه أعداء تركيا بجميع أنواع السم، حيث اعتبروا وضع تركيا ما بعد الانتخابات فرصة ذهبية طال انتظارها لأكثر من عشر سنوات، من أجل إفشال تقدم الدور التركي على الصعيدين الإقليمي والدولي، وكبح نهضتها الاقتصادية والسياسة والصناعية والتعليمة، فاجتمعوا في هجوم مسعور على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وقادة حزب العدالة والتنمية، وحتى الشعب التركي الذي صوت لأردوغان في الانتخابات الرئاسية وللعدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية والبلدية فوصفوه بالمتخلف وغير المدني.
ولا شك أن من يملك رؤية استراتيجية ومشروع من ثلاث مراحل كبرى والمسمى: "تركيا الجديدة : 2023، 2053 ،2071" لن تخفى عليه خطوط هذه المؤامرة الجهنمية والتي غايتها جعل الجمهورية التركية بيدقا يتحرك حسب أهواء السادة، لا دولة فاعلة ومؤثرة بسياستها الخاصة ورؤيتها المبنية على قيمها وتاريخها وأحلام شعبها، كما يريد أردوغان وحزبه.
أما سموم سهم العدى فهي كالتالي:
1- مجموعة دوغان الإعلامية وصحف المعارضة (حريت وجمهوريت...)، جعلت الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو موضوع كل مقالاتها فهي تتبنى المعارضة من أجل خدمة الوصاية الدولية لا من أجل المعارضة البناءة التي تخدم تركيا والأتراك، فجريدة جمهوريت الكمالية تنشر مقالات إيران الإسلامية لأن الهدف قصف أردوغان وحكومته.
2- حزبا الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، والّذان فشلا في فرض شروطهما المجحفة – وكأنهما الفائزان بالانتخابات - على رئيس الحكومة، وتعنتهما في تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية، والذي سيكبدهما خسارة في الانتخابات المبكرة، لأن الأتباع صوتوا عليهم من أجل الحكم لا من أجل المعارضة، والغريب العجيب أن هذه الأحزاب وبعدما كانت تبرر تدخلات الجيش في الشأن السياسي وانقلاباته، اليوم تقف مع حزب العمال الكردستاني الإرهاب ضد الجيش وأردوغان، والأكثر غرابة من هذا التعاون الأخوي بين إيران "ولاية الفقيه" و"الجمهورية الإسلامية" و حزب الشعب الجمهوري العلماني الكمالي.
3- حزب الشعوب الديمقراطي وزعيمه ديميرطاش، والذي فتح النار على الرئيس أردوغان وحكومة داود أوغلو، وحملهما مسؤولية تفجير سروج واتهمهما بمساندة تنظيم داعش الإرهابي، كما سكت عن إرهاب بي كي كي، ولم يُدن مقتل رجال الشرطة والجنود، وفي المقابل ندد بكل عبارات التنديد بالعمليات العسكرية الشرعية ضد بي كي كي الإرهابي، ولما تأكد السيد ديميرطاش أنه هو الخاسر الأكبر في هذه الحملة المسعورة، خرج بتصريح بارد يدعو فيه حزب بي كي كي الإرهابي إلى إيقاف عملياته فورا وبدون شروط، طبعا دون وسمها بالإرهاب.
وللتذكير فإن حزب الشعوب وعد مناصريه قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالعمل على نزع سلاح تنظيم بي كي كي وإحلال السلام في كافة أنحاء تركيا، لكنه نزع مصداقيته وترك سلاح الغدر يقتل الأبرياء.
4- حزب العمال الكردستاني الإرهابي، مختطف الأطفال (أكثر من 300 طفل في عامين)، وقاتل الأبرياء من المواطنين أكرادا و أتراكا، ورجال الشرطة والجنود المرابطين بدم بارد، هذا الحزب في كل مرة يثبت ومنذ تأسيسه أنه منظمة إرهابية تنفذ المهمات التي تطلبها قوى الوصاية الغربية، فكلما احتاجه النظام العالمي للضغط على تركيا، كان سلاح بي كا كا الإرهابي في الخدمة.
أما رفيقه في التطرف، الحزب اليساري فهو يحاول محاولات اللحظات الأخيرة اليائسة في نشر فكره المتطرف عبر عمليات إرهابية تزيد في عزله واضمحلاله.
5- تنظيم داعش الإرهابي، والذي أصابت همجيته الشباب الأكراد في تفجير سروج الأليم، والذي حارب الثوار واحتل بالغدر كثير من المناطق التي طهروها من عصابات الأسد، فكان خير سند لنظام بشار والقوى المساندة له في تهجير السوريين وقتلهم وتدمير منازلهم وبل حضارتهم ، هذا التنظيم الإرهابي هدد الأتراك، ظانا أن تركيا كنظام بشار تبيع وتشتري في شعبها من أجل مصالح طائفية وحزبية، ولكن داعش دخلت عرين الأسد بهذا التهديد.
6- جماعة الزعيم الديني غولن والذي فتّت أردوغان دويلته التي بناها داخل الدولة التركية على مدار عقود، فكان الانتقام بتقديم دعمه القوي لكل من ناصب العداء لأردوغان وحزب العدالة والتنمية سواء كان بتركيا أو خارجها.
7- إيران ووسائل إعلامها الظلامية، سواء التابعة منها للمرشد الأعلى أو رئاسة الجمهورية أو الحرس الثوري كلها تنشر الأكاذيب والادعاءات والاتهامات والتي تلصق تهمة دعم تركيا اللامحدود لداعش، ولا تبخل على العدو الصديق حزب بي كي كي بكل دعم يزعزع أمن تركيا واستقرارها، ويجعلها تنكفئ على نفسها ولا تنافسها على زعامة المنطقة وإدارة ملفاتها.
8- ألمانيا والحنين إلى العقلية الهتلرية الاستعمارية، بعد السيطرة على أوروبا وقطع أشواط كبيرة في منطقة البلقان عبر بنوكها وشركاتها، لم تصبر ألمانيا على الصعود الصاروخي لتركيا على جميع المستويات - والتي ترفض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، والملف الاقتصادي هو أحد أسباب هذا الرفض - فبالإضافة للدعم العسكري والاستخباراتي الذي تقدمه ألمانيا الديمقراطية لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، لا تبخل بدعم إعلامي يلمع بي كي كي ويصوره على أنه حزب كردي محظور، وليس منظمة إرهابية لا تتورع عن القتل والتفجير من أجل خدمة أسيادها.
لم تصبر ألمانيا على دك تركيا لمعاقل بي كي كي بجبال قنديل، والاعتقالات التي طالت أعضاء حزب الشيوعي اليساري المتطرف، فخرجت بتصريح يبرر الإرهاب ويدعمه، ومفاده أن عمليات تركيا العسكرية ضد منظمة بي كي كي الإرهابية هو اعتداء نتيجة فقدان البوصلة.
9- الإعلام الغربي سواء الأمريكي منه أو الأوربي، يتعاطف مع الإرهاب ويدعمه في تركيا بمدحه و وينعته بكل جميل،لأنه يؤدي مهمة مقدسة في حربه مع الإرهاب الآخر، إرهاب داعش في المنطقة، وعلى رأس هذا الإعلام "BBC" و"New York Times".
أما الإعلام العربي – ليس كله طبعا - فهو تباع ناعق، يردد نغمة وكالات الأنباء العالمية دون تمحيص وتدقيق، يندد بالإرهاب في اليمن وسوريا والعراق، ويمدحه في تركيا ومصر وليبيا.
10- أما بروكسِل فهي رهينة السياسة الألمانية الفرنسية ورغباتهما، أما الكيان الصهيوني المحتل فهو متأكد أنه وإن سعى في إيجاد بديل عن تركيا في المنطقة، إلا أنه الخاسر من التصادم مع أردوغان، وإن استبشر بفقدان حزب العدالة والتنمية للأغلبية المطلقة، وبخصوص نبيل العربي وجامعة القاهرة، فقد ندد بالعمليات العسكرية التركية على منظمة بي كي كي الإرهابية، وبلع لسانه عن هجمات الكيان الصهيوني في الجولان والقنيطرة والقلمون كعادة المغلوب على أمره.
نجحت حكومة داود أوغلو في النجاة بتركيا من هذا السهم المسموم، حينما أعلن اليوم فخامة الرئيس أردوغان عن الانتخابات المبكرة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لأن الحكومة الائتلافية لو تشكلت كانت مدتها ستعطي وقتا كافيا للعدى من أجل تصويب أفضل على تركيا، لكن الله أعمى بصرهم كما أعمى بصيرتهم، وإن شاء الله سيبرهن الشعب التركي العظيم على أن حزب العدالة والتنمية يستحق أن يحكم وحده، لأنه خير درع يحمي تركيا الجديدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس