زهراء كرمان - تركيا بوست
مؤخراً، عاد الصراع الذي استمر لأكثر من ثلاثين سنة في شرق تركيا بعد فترة “صلح” لم تتجاوز سنتين ونصف من جديد، وعادت أخبار الشهداء والاشتباكات وأصوات التفجيرات لتؤثّر بالمواطنين وتحبسهم في منازلهم. وأصبح سكان تلك المناطق يخافون الخروج للشوارع. والأمهات ازداد توتّرهن وقلقهن على مستقبل أبنائهن.
تحدثنا مع سكان تلك المناطق الذين يعيشون في قلب الأحداث ويعتبرون شهودا على ما يجري فيها، لنقل صورة ما يجري هناك للقارئ العربي.
قلق الأمهات
السيدة خديجة متزوجة ولديها 6 أطفال تشعر بالقلق عليهم، وقد عبّرت عن قلقها قائلة: “لقد عادت الاشتباكات من جديد ونحن قد تعبنا من ذلك. ولقد تعبت من التفكير كل يوم بأن أمرا سيئا سيحل بأحد أبنائي أو أفراد أسرتي”.
مهما تحدثنا ومهما طالبنا نرى أن مطالبنا لا تعني شيئا لأحد. فإلى متى سيستمر هؤلاء الناس بالموت؟ إن هذا الذي يحدث ظلم ووحشية وطغيان.
إنهم يعملون في السياسة في ديار بكر على حساب دماء البشر. ويدفع ثمن هذا المساكين مثلي ومثلك، وكل من يموت لا علاقة له بكل ما يجري، فأرني رجلا غنيا واحدا بين هؤلاء الموتى إن استطعت، لا يوجد!. وكما ترون حين تصبح الساعة الخامسة مساء يسرع الجميع لغلق دكانه ويعود إلى منزله مسرعا”.
لقد أجابت السيدة خديجة على سؤالنا “هل يريد سكان ديار بكر الصلح حقا؟” قائلة: “إن أكثر ما يريده سكان ديار بكر هو الصلح. ولكن من لا يريد الصلح هم الإرهابيون الذين يعيشون بيننا ويقتلون رجال جيش الدولة. إننا نشعر بحرقة في قلوبنا حين نسمع أخبار الشهداء. هذا يكفي! دعكم من الصراع مع هذه الحكومة فليس للعداوة نفع لأحد. إن من سيعيش في هذه الأرض هو أبناؤنا فلا تهدموا مستقبلهم ولا تسمحوا بتهديمه”.
الأكراد وإرادة السلام
لقد أجابت إسراء تشيمان كارايورك التي تعمل كمترجمة للغة الفرنسية على سؤالنا “هل يريد سكان ديار بكر الصلح حقا؟” قائلة: “في البداية سكان ديار بكر يريدون الصلح حقا. فقبل مسيرة السلام كان الشعب يختنق بالكثير من المشاكل الكبيرة، وكانت أخبار القتل لا تنقطع وتعم الفوضى وانعدام الأمان. فليس هناك من يحب العيش في وضع كهذا. لكن مع مسيرة السلام ارتاح الشعب بعض الشيء. فمثلا أصبح بإمكان الجميع الاستماع للأغاني الكردية كما يشاء (نعم فحتى عام 2000 كان الاستماع للأغاني الكردية ممنوعا ولكن لم يكن الاستماع للأغاني الأجنبية ممنوعا). وأصبحوا يتحدثون الكردية بحرية وتمكّنوا من افتتاح مراكز لتعليمها.
وبالطبع كان المحرّضون يظهرون بين الحين والآخر ويتسببون ببعض المشاكل بين الحين والآخر، ولكن بشكل عام فقد كان الشعب سعيدا بالصلح والسلام. وبما أننا نتحدث عن مسيرة السلام فأود أن أقول أنني أعتقد أن ديناميكية هذه المنطقة مختلفة بعض الشيء. فمن جهة هناك الدولة ومن جهة ثانية هناك حزب العمال الكردستاني ومن جهة أخرى هناك حزب الله. يعلم الأغلبية ما الذي عشناه في التسعينات. كان الجميع يظن أن حزب الله هو مؤسّسة صنعتها الدولة بيدها لمواجهة حزب العمال الكردستاني. ولكن حزب الله الآن يتشكّل من جديد وتمكّن من إنشاء حزب الدعوة الحرة. إن هذا أمر لا يستهان به لأن الفترة التي تَشكّل فيها حزب العمال الكردستاني أيضا كانت تشبه ذلك تماما. فبمجرد أن أُزيلت المحظورات عنه أنشأ حزبا ثم دخل بشكل مستقل إلى الانتخابات ثم دخل على شكل حزب.
ولكن إن تساءلتم كيف يريد الأكراد السلام بكل هذا القدر ثم يقومون بانتخاب حزب الشعوب الديمقراطي ويحصل على نسبة التصويت العالية هذه؟ فبرأيي إن تفسير ذلك كالتالي: إن الله يعطي من يسعى. لقد تمكّن حزب الشعوب الديمقراطي من دراسة ديناميكية المنطقة وابتعد عن الأقوال التي تثير الكره واتبع سياسة تشمل كل فرد كردي (حيث قام بترشيح سيدات وأئمة ومحجبات وعلمانيين). وحين رأى الأكراد هذا التغيير قالوا لماذا لا يكون لنا صوت يمثلنا في البرلمان وقاموا بالتصويت له ليس لأنهم لا يريدون الصلح بل لأنهم يريدون من يمثلهم في الحياة الديمقراطية. وأرادوا فعل هذا بالطرق المشروعة.
سأكرّر، إن سكان ديار بكر يريدون الصلح بالفعل وبإمكانكم أن تروا هذا من خلال نقص عدد المشاركين في الأعمال الموجهة ضد الدولة.
أما في موضوع مستقبل أبنائنا فقد قالت إسراء: “نعم إن مخاوفنا بشأن مستقبل أبنائنا تزداد فعلا. إن الإنسان ليحب أن يعيش بسعادة وأمن واستقرار في بلده. ولكن الوضع في ديار بكر الآن ليس كذلك للأسف…”
وأضافت السيدة إسراء التي عبّرت عن تزايد القلق والمخاوف التي تسبّبها الأعمال الإرهابية في المنطقة: “إني أشعر بالضيق والتوتر كمواطنة من ديار بكر. ولكن الأحداث الأخيرة للأسف أصبحت تثير القومية لدى البعض. فيرى البعض أن هذه الفوضى يجب أن تستمر وأنه لا يجب أن يكون هناك من يسمع الصوت الكردي في البرلمان ويرى قسم آخر أن حزب الشعوب الديمقراطي أخذ منصبا لا يجب أن يكون فيه.
الخوف من العودة للتسعينات
كيف تقيّمون الوضع في ديار بكر قبل وبعد مسيرة السلام؟
تقول مينة أوزكان وهي أخصائية العلاج الطبيعي: لقد كان هناك أمل من الشعب حول مسيرة السلام حتى ما قبل الانتخابات بشهر. ولكن الأمل تناقص باستمرار المسيرة في الانتخابات وبسبب الضغوط على حزب الشعوب الديمقراطي في البلدات وبعد أن قال رئيس الجمهورية “ليست هناك مشكلة كردية”. أما الآن أي في فترة الصراع الحالية فإن الشعب الكردي أصبح يخاف من العودة للتسعينات. إن الشعب متوتر وموقف السلطة الحالي يزيد من مخاوفه…
ما الذي تغيّر في هذه الفترة؟
في الحقيقة إن هناك القليل فقط من الأمور التي تغيّرت. لقد تمكّن الشعب من العيش في حياة أكثر هدوء وأمنا بسبب رفع ضغوط الدولة. وازداد الأمل فيهم حين افتتحت المعاهد الكردية وأصبحت اللغة الكردية تدرّس في المدارس وسمح لهم باستخدام الأسماء الكردية. والأهم من كل ذلك في هذه الفترة بالطبع هو توقف القتل.
هل يريد سكان ديار بكر الصلح حقا؟
لطالما أراد سكان الشرق الصلح. يجب توجيه هذا السؤال لسكان الغرب (الأتراك) لأن الأكراد هم وحدهم من نزل إلى الشوارع وهتف بالصلح. وحين ينزل الأتراك إلى الشوارع ويهتفون بالصلح كما يفعل الأكراد سيتحقّق الصلح بالفعل.
هل تشعرون بالقلق لأجل مستقبل أبنائكم؟
إن أي مجتمع يعيش في حرب يشعر بالقلق لأجل مستقبل أبنائه. وكما قلت فإن الشعب يرغب باستمرار مسيرة السلام من جديد وكل يوم نوجّه النداء بذلك لقادة المجتمع.
الأكراد بين أردوغان ودميرطاش
كيف تقيّمون وضع ديار بكر قبل وبعد مسيرة السلام؟
تتحدث السيدة صوناي وهي معلمة في احدى مدارس ديار بكر : في فترة مسيرة السلام كان كل شيء روتيني ولم تكن هناك مشاكل. لقد تأمّل الشعب كثيرا في مسيرة السلام وظن أن الحرب لن تعود وأن الدماء لن تسفك بعد اليوم. ولكن لا يعلم أحد ما الذي سيحدث الآن ولا يمكن لأحد أن يخمّن.
حين اشتعلت أحداث 6-8 أكتوبر كان هناك حظر تجول. فقد الكثير من الناس حياتهم في الأحداث ولم يُعرف الفاعلون بعد ذلك. لقد كانت ديار بكر حينها تعيش حربا حقيقة ولم تكن الشوارع مؤمّنة وكان الجميع يقول كيف يمكن أن يحدث هذا في تركيا في عام 2014.
والآن أصبح حزب الله أيضا يحارب القوات المسلحة التركية أكثر من حزب العمال الكردستاني. لقد قام عناصر حزب الله بقتل أحد عناصر حزب العمال الكردستاني فقط لأنه رفع علامة النصر في الطريق. كما قُتِل أحد الملتحين بتهمة الانتماء لداعش من قبل عناصر حزب الله.
هل يريد سكان ديار بكر الصلح حقا؟
إن الشعب يريد ذلك بشدة ولكن هناك حقيقة مهمة وهي وجود من يتصرّف بقومية ضد الأكراد. مجرد أن نقول أننا فعلنا كذا وكذا للأكراد فهذه تفرقة وقومية. فعمل ذلك هو واجبنا الوطني في الأساس.
إننا نعيش هنا كأتراك وأكراد مع بعضنا وهناك عوائل أحد أبنائها يخرج ليلتحق بحزب العمال الكردستاني والآخر يذهب ليؤدي خدمته الوطنية في الجيش التركي. فإن حدث شيء لأي منهما فإن قلب الأم يحزن بنفس الدرجة.
إن الشعب يريد السلام ويريد أن لا يقتل الأخ أخاه.
هل تشعرون بالقلق لأجل مستقبل أبنائكم؟
شخصيا لا أخشى شيئا على نفسي وأبنائي فنحن أشخاص مؤمنون بالله ولا أفكر ما الذي سيحدث وأقهر نفسي بذلك. فكل ما سيحدث من الله نقبله. ولكنني قلقة لأجل الشعب فهم يتأثرون بأبسط شيء وقد يجعلهم ذلك يغيرون مواقفهم. فمثلا بعد التفجير الذي حدث في خطاب حزب الشعوب الديمقراطي غيّر الكثير من شعبنا صفّه. وعكسوا ذلك على أن الحكومة هي من فعل ذلك وأنها تريد قتل الأكراد. وغضب الأكراد لأن فيهم من فقد حياته.
مثلا هناك عائلة أعرفها كانت جميعها ستمنح أصواتها لحزب العدالة والتنمية ولكن بعد ذلك الانفجار الذي حدث قبل يوم من الانتخابات تأثروا كثيرا بتصريحات حزب الشعوب الديمقراطي. إن شعبنا يتأثر كثيرا بالتعليقات السياسية وقد انتظروا تعليقا من أردوغان بعد الانفجار ولكنهم أصيبوا بخيبة أمل.
كما كان هناك ضغط كبير على الشعب من حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني إذ كانوا يهدّدونهم بإشعال الحرب إن لم يصوتوا لهم.
ففضّل الشعب أن يصوت ليتوقف سفك الدماء ولكيلا تتحول تركيا إلى سوريا أو العراق.
أما عائلتي فهي تثق بأردوغان كثيرا في موضوع مسيرة السلام وتؤمن أنه الشخص الوحيد الذي بإمكانه تتويجها بالنجاح.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس