إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
التدخل العسكري الروسي - تحت ستار محاربة داعش بينما في واقع الأمر يستهدف القصف جماعات المعارضة السورية المعتدلة التي تقاتل نظام الأسد - ما هو إلا رمي للشعب السوري بين كارثتين هما: نظام الأسد وتنظيم الدولة "داعش".
أدى التدخل العسكري الروسي في الصراع السوري باسم محاربة الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" إلى خلق ديناميكيات جديدة في واحدة من أعنف الحروب في التاريخ الحديث.
من المؤكد أن يكون لهذا التدخل تأثيرات متتالية على طبيعة النظام العالمي الحالي الهشة بالفعل. كيف يمكن للتحالف الدولي المعارض للأسد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا ودول الخليج أن تستجيب للعبة القمار الروسية لإنقاذ بشار الأسد وتشكيل المعالم الرئيسية لتوازن القوى العالمية.
موقف روسيا الجريء هو في الأغلب ناتج عن إدراك روسيا لحتمية التجديد وعن الفراغ السياسي الناجم عن غياب التخطيط الاستراتيجي والقيادة المُحكمة في التعامل مع الأزمات الأخيرة في سوريا وأوكرانيا.
روسيا تريد التغلب على إحساسها بالعزلة وانعدام الأمن من خلال دحر كل ما تراه "انتهاكًا استراتيجيًا" لمناطقها النائية من قبل الغرب.
استغل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الصراع الأوكراني ليُحكِم قبضة روسيا على حدودها الغربية، من خلال ضم شبه جزيرة القرم، هو ببساطة لم يقم فقط بضم المزيد من الأراضي بل قام بتهيئة الأراضي في الوطن لمواقف أكثر عدوانية وهجومية.
استجابة الغرب الضعيفة للقضية الأوكرانية ساهمت في تعميم هذا الموقف محليًا وعالميًا.
دعم روسيا لنظام الأسد من خلال العمليات العسكرية المكشوفة جاء بعد سنوات من التردد والقلق من جانب التحالف الدولي المعادي للأسد.
مبادرات عديدة واجتماعان في جنيف وعدد لا يحصى من التحالفات المصغرة فشلت في إنتاج حل عملي قابل للتنفيذ. لقد كانت عملية باهظة الثمن بكل معنى الكلمة، فقد ذُبِح أكثر من 300,000 شخص من قبل نظام الأسد وأسلحته الكيميائية وبراميله المتفجرة.
أكثر من 4 ملايين سوري أضحوا من اللاجئين و7 ملايين منهم مشردون في الداخل.
أما من الناحية السياسية، فقد أعدّ الصراع السوري الأرض لتصاعد وانتشار داعش وغيرها من جماعات العنف. في حين يرى نظام الأسد أن قيمة نشره للأكاذيب والإشاعات لا تزال مستمرة في استغلال همجية داعش في تبرير حربه الدموية.
الآن، تستغل إيران وروسيا داعش كستار لإنشاء تحالف جديد في بلاد الشام، بوقت ازدادت فيه حدة التوتر الطائفي كما حذر الرئيس رجب طيب أردوغان في 4 تشرين الأول/ أكتوبر أن اشتراك روسيا في الحرب الأهلية في سوريا لن يؤدي إلا إلى خدمة نظام الأسد الإجرامي وعزل إضافي لموسكو في العالم العربي والإسلامي.
في بيان مشترك صدر في 1 أكتوبر الجاري، حذّرت كل من تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والمملكة العربية السعودية وقطر وفرنسا من أن "الإجراءات العسكرية الروسية تشكل تصعيدا آخر وسوف تدعم المزيد من التطرف والراديكالية".
هل يمكن أن يُغيّر التدخل العسكري الروسي مسار الحرب الأهلية في سوريا نحو الأفضل؟ هذا احتمال مستبعد جدًا لأن نظام الأسد سيستغل هذه الفرصة لدعم قاعدة السلطة لديه ولزيادة الهجمات على المعارضة السورية المعتدلة.
وعلى ما يبدو فإن القصف الجوي الروسي قد صُمِّم لإبقاء الأسد في السلطة إلى أجل غير مسمى بدلًا من تمهيد الطريق لانتقال سياسي ينتهي برحيل الأسد. إبقاء الأسد بعد حرب دامت أربع سنوات سيؤدي فقط لإشعال الحقد والكراهية والصراع ومساعدة داعش والجماعات المتطرفة الأخرى.
أما على صعيد داعش، لم تكن الحملة الجوية التي قادتها الولايات المتحدة ناجحة كما هو متوقع، على فرض أن روسيا تسعى وراء داعش - فهل ستنجح بذلك من خلال حملتها الجوية؟ هذا أيضا مستبعد لأن الهجمات الجوية وحدها لن تكون كافية لهزيمة داعش، سواء قامت بها أمريكا أو الطائرات الحربية الروسية، فضلًا عن أن روسيا أصبحت هدفًا للجماعات المتطرفة العنيفة في الداخل والخارج.
قوة واحدة موثوقة تقاتل داعش وترغب في طردها خارج سوريا وهي المعارضة السورية المعتدلة ولكنها مُنِعت الأدوات الضرورية للقتال.
في وجه همجية كل من نظام الأسد و"داعش" فشل المجتمع الدولي في دعم المعارضة السورية المشروعة والمعتدلة، وقد ساعد كل تأخير في ذلك توأم الحرب الأهلية الدموية في سوريا "نظام الأسد" و"داعش" بأن ينموا بشكل أكبر.
ينشر نظام الأسد أكاذيب حول عدم وجود شيء يُدعى المعارضة السورية المعتدلة، أو أنه لا توجد وحدة معارضة بينهم. هذا ببساطة غير صحيح.
من الواضح أن الأولوية الآن لدعم المعارضة السورية المعتدلة لإنهاء الحرب في سوريا لتفكيك وتدمير داعش لتبدأ مرحلة جديدة من التحول الديمقراطي والتعددية السياسية في سوريا.
هنا من الممكن لبرنامج تدريب وتسليح أن يلعب دورًا كبيرًا في تحقيق درجة من توازن القوى على الأرض السياسية والعسكرية السورية.
برنامج التسليح والتدريب هذا سينجح فقط إن تم دعمه بمناطق عزل آمنة، مناطق خالية من "داعش" وآمنة من هجمات نظام الأسد، هذه المناطق ستعطي جماعات المعارضة السورية المعتدلة نقطة ارتكاز لتنظيم أنفسهم ومساعدة المواطنين السوريين العاديين في حماية أنفسهم من الهجمات المميتة. المناطق الآمنة أيضًا ستقلل عدد اللاجئين السوريين، لكن مشكلة التشرد الداخلية تستمر.
إبقاء الأسد في السلطة سيطيل فقط هذه الحرب الدموية الطويلة بالفعل. الأسد قد أضاع منذ فترة طويلة فرصته في توحيد سوريا. وطالما بقي في السلطة فإن الحرب ستستمر وخطر داعش والتطرف العنيف سيصبح أكثر فتكًا!
ينبغي أن لا يُجبر الشعب السوري على الاختيار بين شرين هما نظام الأسد وإرهاب داعش، ولا يجب أن يُضحّى بهم من أجل "ألعاب القوى العالمية"!!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس