إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

رسالة القربان لخلاص الجنس البشري تتلخّص في تقديم ذبيحة (أضحية) لإظهار صدق الولاء وتوطيد السلام في العالم وذلك بالتغلب على حب الذات المليئة بالغرور والغيرة والكره والجشع والشهوة.

يحتفل المسلمون حول العالم بعيد الأضحى (بالتّركية "قُربان بيرَم") وهو معروف أيضًا بعيد الأضحى، كعمل يُجسّد الخضوع وتطهير النّفس متّبعين خطوات النبي إبراهيم (عليه السلام). يؤدي الحجاج المسلمون فريضة الحج في مكة كما علمهم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) منذ 14 قرن. كل عمل من العبادة هو فعل أو عمل له أصل يعود إليه، بالرجوع إلى بداية الأشياء نستطيع أن ندرك كيف كل ذلك يكون مفهومًا هنا والآن.

يجب على المسلمين أن يستغلوا هذه الفرصة للتأمّل في حالتهم الأخلاقية والذهنية في عام 2015.

كانت قصة النبي إبراهيم عليه السلام لذبح ابنه وبعد ذلك مكافأته بذبح الكبش ذروة الامتحان للخضوع الصادق لمن نقدم له الحب الأعظم. فهي تقص كيف أن الحب الكامل يتطلب أعظم تضحية، وتبيّن أنه حتى الأنبياء يُمتحَنون ليصلوا إلى اليقين المطلق ويقدمون ذلك مثالًا لأتباعهم.

لم يكُن خضوع إبراهيم عليه السلام عملًا أعمى أو عن تعصب. بل كان مبنيًا على أساس الفهم الصحيح للعقل والإرادة. ويكون للخضوع معنى فقط عندما يكون الشخص سليم العقل وقادرًا على استخدام عقله ويجبر إرادته على حب ذاته ورغباته. قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام هي مثال على كيفية تلقّي عبد مستسلم لله رسالة مقدسة وفهمه لقدرها وسعيه لتنفيذها ووفائه بوعده لربه. هذا الحب التام لربه قوبل بالرحمة المطلقة، وبإرسال الذبح العظيم الذي أرسى قواعد تقديم الأضحية في العُرف الإبراهيمي، ليس ما يهم الله هو اللحم والدم إنما هو الكمال الروحي من خلال التضحية بالذات. يقول القرآن العظيم "لن ينال الله لحومها ولا دمائها إنما ينال التقوى"(37 سورة الحج).

هذا قد يبدو غريبًا إلى حد ما على الآذان الحديثة المُعتادة على شعارات كهذه مثل الحرية، والاستقلال، وحرية الخيار، والاختيار الشخصي، وذوق الفرد وتطوير الذات.

لا يعدُو المظهر الكاذب لرقي الفرد الذي هو أساس الوجود كونه مظهرًا خادعًا للعصرالحديث، حيث المؤسسات الشخصية والأسس والحاجيات التي تدفع كل شخص إلى الاعتماد على نظام العلاقات الذي ليس لأي أحد سيطرة عليه. عند قراءة كتابات هيجل وماركس الذين عرفوه من خلال العزلة (الانسلاخ) التي بها لم يعد لنا أي سيطرة على ما تقدمه أيدينا. سواء حجزنا بالطائرة أو تقدمنا لامتحان الجامعة أو قدمنا كلمة عن تغير المناخ، نحن كلنا نعاني من لحظة الطبيب المجنون ومن قصة فرانكشناين.

تُعلّمنا قصة إبراهيم عليه السلام أن التغيير في المجتمع يبدأ بالتغيير الداخلي فضلًا عن التغيرات المادية.

كان من الممكن أن يكون إبراهيم عليه السلام في كنعان أو أورفه بدلًا من مكة عندما طُلِب منه أن يذبح ابنه، ومن الممكن أن يكون قد امتُحِن بالطّوفان أو البرد بدلًا من النار والحرارة. ومهما يكُن فقد خضع إلى أقصى امتحان للحب والإخلاص والخضوع ليكون عبرة للأجيال.

ابن إبراهيم إسماعيل عليه السلام (القرآن لم يذكر اسمه لكن الفقهاء المسلمين اتفقوا عليه أنه إسماعيل، لكن المصدر التوراتي عرفه بـ إزاك) هو الجزء الرئيسي من القصة كأب تبنى التوحيد بنفسه. خضع الأب والابن كلاهما إلى امتحان بعزم ونُبل.

ساهم ملتقى عملهم للتضحية بالنّفس في تغيير مجرى التاريخ وإظهار أن الفضيلة والصلاح تحكمان فقط عندما يغير الناس ما في قلوبهم (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

القربان هو الاسم الآخر لعيد الأضحى الذي يعني قربان أو ذبيحة، وله دلالة غنية للقرب أكثر وتحقيق القرب من الله.

بالرجوع إلى البدايات لأولاد آدم وحواء على الأرض، نتذكّر القصّة المأساوية لقابيل وهابيل (كين وآبل)، والتي قبل الله فيها قُربان هابيل من الغنم ورفض محصول قابيل. وبسبب غضبه لإحساسه بالرفض وغيرته ارتكب قابيل جريمة شنعاء وقتل أخاه، وهكذا فشل في الامتحان. إن القُربان الذي وُجِد ليُقرّبه إلى الله أبعده أكثر وأكثر منه ومن إنسانيته.

إن القربان الحقيقي هو ما يقربنا من الإله، وهكذا يمكننا أن نتغلب على عيوبنا ونصل إلى ما هو أعظم منا والذي يغنينا ويقربنا للكمال، وبذلك يُعِدُّنا لحياة الفضيلة والالتزام، ويعلمنا كيف نخدم الآخرين بينما نؤدي ما علينا تجاه الله. فهو يأخذنا إلى ما هو أبعد من اللحم والدم، لكن إذا كان ذلك ملطخًا بالطمع والغرور والأذى والشهوة والغيرة فإن ذلك يبعدنا عن النبل اللامحدود والرحمة.

القصة السّرمدية لإبراهيم عليه الصلاة والسلام هي مناسبة اليوم كما كانت في الماضي، وبما أن العالم الإسلامي يطبق سنة إبراهيم عليه السلام فإنّها تحتاج فقط إلى عكس افتقارها الذهني والروحي اللذان تمر بهما اليوم.

يحتاج العالم الإسلامي إلى ثورة في العقل وتجديد للروح للتغلب على التحديات والنكبات التي تواجهنا اليوم.

في خضم الضياع بين الماضي المجيد والحاضر البائس والمستقبل الغامض، يفتّش الشباب المسلمون عن المثالية التي بها يكرسون ذكاءهم وعواطفهم. العلماء المسلمون والقادة المفكرون بحاجة إلى أن يشرحوا كيف يمكن للمسلمين أن يكونوا حقيقة وسط الصدق والرحمة في عالم اللامبالاة والمادية والتطرف الشديد.

لوم الآخرين لن يحل مشاكلنا وإنّما سيقود إلى كسل ذهني ومطابقة أخلاقية، وهناك سبب أو أكثر لتغاضي المسلمين عن الظلم والتباين والفقر والتطرّف الموجود في بلادهم، وبدلًا من العمل على حل مشاكلهم بالحكمة والصبر والتضحية فإنهم فقدوا صبرهم ولجؤوا إلى التعصب والعنف.

يؤكد التقليد الفكري الإسلامي على التكامل بين الظاهر والباطن، ما هو بالخارج انعكاس لما هو بداخلك.

نحن بحاجة لأن نفكر بشكل أفضل وأن نعمل بجد أكثر لكي يخرج النبل والصدق الذي بداخلنا ونرسخ السلام، والعدل والرحمة في العالم.

أمّا مأدُبَة الأضحية هذه (هذا العمل النبيل للتقرب من خلال القربان، فيجب أن يكون مناسبة لمنع الشر ونشر الخير).

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية