محمد حسن القدو - خاص ترك برس
القسم الأول
حدوث انقلاب 1980
حدث الانقلاب العسكري في الساعة الرابعة والربع من فجر الجمعة في الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر من قبل رئيس الأركان العامة للجيش التركي الجنرال كنعان إفرين، وبذلك أسدل الستار عن أكثر من عقد من الزمان على أسوأ وضع عاشته تركيا منذ استقلالها وتأسيسها في أوائل هذا القرن. ففي بيان لإيفرين وضح أنّ هدف الانقلاب هو الحفاظ على الوجوه الوطنية من خلال القضاء على الإرهاب والفوضى وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، وأعلن البيان عن تشكيل لجنة خماسية عرفت باسم مجلس الأمن القومي وهي المشرفة على إدارة البلاد برئاسة إيفرين وأربعة من قادة الجيش وهم قائد القوة البرية نور الدين أرسين وقائد سلاح الجو تحسين شاهين وقائد القوة البحرية نجاة تومير والجنرال سادات سيلامسون قائد الشرطة.
وأصدر مجلس الأمن القومي بتاريخ 29 حزيران/ يونيو 1981 القانون رقم 2485 الذي صدر بموجب نظام تشكيل المجلس التأسيسي وتاريخ دعوته للانعقاد في تشرين الأول 1981. فحسب هذا القانون يتألف المجلس التأسيسي من مجلس الأمن القومي الذي ينفذ دور المجلس الأعلى والمجلس الدستوري الذي يتشكل من 160 عضوًا. وضع مجلس الأمن القومي القواعد التي يجري حسبها اختيار المرشحين واختيار أعضاء المجلس الدستوري. ضم أعضاء المجلس الدستوري أفضل الشخصيات التي تخدم في مؤسسات الدولة أو في القطاع الخاص.
في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1981 تم الإعلان عن تركيبة المجلس الدستوري، وفي 23 من الشهر ذاته تم عقد أول اجتماع للمجلس الدستوري إذ تم اختيار ايرماك السناتور ورئيس الوزراء السابق رئيسًا لهذا المجلس. في 25 كانون الأول/ ديسمبر تم تشكيل لجنة الدستور لإعداد مشروع الدستور والتي باشرت أعمالها فورًا. وفي نهاية أيلول 1982 انتهى المجلس الدستوري من مناقشة مشروع الدستور وأقدم على تسليمه، مع الإضافات والتعديلات والتصحيحات إلى مجلس الأمن القومي للنظر فيه، وبتاريخ 18 تشرين الأول/ أكتوبر 1982 صادق مجلس الأمن القومي على مشروع الدستور بالقانون رقم 2709 الذي تضمن النص النهائي الناجز للدستور، وعلى اثر ذلك أوقف مجلس الأمن القومي الجدل حول الدستور.
في 7 كانون الأول 1982 جرى الاستفتاء على الدستور، وشارك في هذا الاستفتاء 88.5% من الناخبين، وكانت النتيجة لصالح الدستور. ويتألف الدستور التركي من ديباجة و177 مادة بالإضافة إلى 16 مادة مؤقتة مقسمة على سبعة أجزاء.
يذكر في ديباجه الدستور:
بعد العملية التي نفذتها القوات المسلحة في 12 أيلول 1980 استجابة لدعوة الأمة التركية والتي تشكل جزء لا يتجزأ منها في وقت كادت حرب دموية أهلية لم يسبق لها مثيل في العصر الجمهوري تشنها عناصر انفصالية مخربة تهدد وحدة الأمة التركية الخالدة والوطن والوجود المقدس للدولة التركية، لقد تم وضع هذا الدستور من قبل المجلس الاستشاري وأعطى شكله النهائي من قبل مجلس الأمن القومي وهما الممثلان الشرعيان للأمة التركية ثم تبنته الأمة التركية وصادقت عليه واعتبرته ساري المفعول مباشرة.
ويؤكد على مفهوم القومية التي جاء بها كمال أتاتورك ويؤكد على الاعتراف بالسيادة المطلقة لإرادة الأمة وبحقيقة هذه السيادة التي تتمتع بها الأمة التركية بالكامل وعلى نحو غير مشروط.
الإقرار أنه من حق أي مواطن تركي من الولادة أن يحيا حياة شريفة. والإقرار بأن كل من المواطنين الأتراك متحدين تحت لواء الشرف الوطني والكبرياء في المناسبات الوطنية وفي حقوقهم وواجباتهم تجاه وجودهم، أما المواد الدستورية فالجزء الأول عن شكل الدولة، تقول المادة الثانية إنّ الجمهورية التركية دولة ديمقراطية علمانية واشتراكية. أما السلطة التشريعية فالمادة السابعة تذكر أن السلطة التشريعية توكل للمجلس الوطني الكبير لتركيا الذي يمثل الأمة التركية ولا تقبل هذه السلطة للتفويض والمادة التاسعة حول السلطة القضائية والمادة 15 حول تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية.
إن أهم ما جاء في دستور 1982 هو إعادة العمل بنظام الهيئة الواحدة للمجلس الوطني التركي الكبير حيث أنّ دستور 1961 كان قد قسم البرلمان التركي إلى مجلس الشيوخ ومجلس النواب ولأن تركيا لا تمتلك أرستقراطية تاريخية أو نظام فدرالي وان مجرد وجود برلمان ذو طابقين كان لخلق نخبة من الشيوخ تعمل كرقيب مستقل كذلك تم تخفيض عدد النواب إلى 400 نائب.
أما السلطة التنفيذية فأصبحت أكثر قوة من خلال الصلاحيات المتزايدة التي منحت لمنصب رئيس الجمهورية ومجلس الأمن القومي. وقد أصبح الرئيس الآن مخولًا في ظروف معينة بأن يقود القوات المسلحة وفق المادة (92) وكان هذا الحق مقتصرًا على المجلس الوطني. وكما يحق له استرداد أو حق النقض الفاشل المتخذ ضد تعديل دستوري وذلك بإجراء استفتاء دستوري. أعطى الدستور للبرلمان ثلاث وظائف أساسية وهي المناقشة والرقابة والتشريع والوظيفة الثالثة تعنى أنّ البرلمان مصدر لاستصدار القوانين ولكن يوجد تحديد أيضًا حتى لصلاحية المجلس التشريعية في إصدار القوانين لأن الدستور قد كمل في معالجة العديد من المواضيع من خلال مواده المتنوعة وبعبارة أدق ذهب إليه (أنّ السلطة التمييزية للهيئة التشريعية قد قلصت).
بل أن أهم القيود التي فرضت على السلطة التشريعية كانت في موضوع التعديلات الدستورية لأن كثير من مواد الدستور غير قابل للتغيير وأكثر من ذلك أن المواد القابلة للتغير أو المحاولات قد تحبط بقرار نقض من الرئيس أو باستخدام صلاحياته بإحالة التعديل إلى الاستفتاء وقد خصص الدستور للسلطة التشريعية المتمثلة في المجلس الوطني القسم الثالث من الهيئات الأساسية للجمهورية وعدد المواد هي 25 مادة من المادة 75 وحتى المادة 100
أما مجلس الوزراء فلم يشمله تغييرات جوهرية وخصوصاً بآليات تشكيل المجلس أو وظائفه الأساسية فهي في إطار السياسة الداخلية والخارجية وتنفيذها ما يلزم من القرارات وتطبيق القوانين، وأن لها أن تصدر قرارات بقوة القانون بموجب تفويض من المجلس الوطني لتركيا*.
أما المحكمة الدستورية وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد فقد قلص عدد أعضائها الأصليين من 15 عضو أصلي وخمسة أعضاء احتياط إلى 11 عضوًا أصليًا وأربعة أعضاء احتياط وفقًا للمواد من 146 إلى المادة 153 الخاصة بعمل المحكمة الدستورية وهي متصلة بإعطاء صلاحيات لرئيس الجمهورية والأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة وإلى خُمس أعضاء المجلس الوطني الكبير لرفع دعوى أمام المحكمة الدستورية.بعد عودة الإدارة المدنية للحياة السياسية التركية بموجب الانتخابات العامة التي حصلت في تشرين الثاني 1983 أبقى البلاد تحت الأحكام العرفية حتى تموز/ يوليو.
عام 1987 ومنذ الانقلاب العسكري عام 1980 وتسلمهم السلطة احتكرت الأمور السياسية العامة لنفسها ومع بعض الذين في دائرتهم من الكماليين. وبدأت تركيا بهذا الشكل من الحكم عبارة عن دكتاتورية عسكرية بملابس مدنية حيث يحتكر الجيش صياغة السياسة العامة للدولة بمعزل عن المؤسسات الديمقراطية المفترض أنها تعبر عن السيادة الشعبية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس