محمد زاهد جول - خاص ترك برس
دعت قادة الأحزاب السياسية والتيارات الفاعلة داخل البرلمان الأوروبي إلى تهدئة الأوضاع داخل الأراضي التركية عقب الاعتداءات الإرهابية التي نفذتها عناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني ضدّ أهداف مدنية وعسكرية تركية أولًا، وقيام القوات التركية المسلحة بالرّد على هذه الاعتداءات عبر قصف مواقع التنظيم داخل وخارج الأراضي التركية ثانيًا.
ودعا البيان المشترك الصادر عن زعماء كبرى الأحزاب المشاركة في البرلمان الأوروبي والذي وقّع عليه كل من رئيس حزب الشعوب الأوروبية "مانفريد ويبر" ورئيس حزب الاشتراكيين والديمقراطيين "جياني بيتيللا" بالإضافة إلى رئيس المجموعة الليبرالية "جوي فيرهوفستادت" ورئيس حزب الخضر "ريبيجا هارمس"، إلى إعادة إحياء مفاوضات عملية المصالحة الوطنية في تركيا وإيقاف الصراع المسلح بين الأطراف المتنازعة.
كما أوضح البيان البرلماني أنّ تهدئة الأوضاع الأمنية والعودة إلى طاولة المفاوضات، أمر ضروري ومن شأنه تسهيل عملية انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.
وقد أشاد البيان الأوروبي بالإنجازات التي تحققت في تركيا خلال الأعوام الماضية على الصعيد الديمقراطي، حيث جاء في البيان بهذا الخصوص: "لقد أنجزت الحكومات التركية في الآونة الأخيرة الشيء الكثير على صعيد نشر الديمقراطية في كافة مجالات الحياة، لذلك يجب إنهاء الصراع الدائر بين القوات التركية وعناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني من أجل عدم الإفراط بكل ما تمّ تحقيقه خلال الأعوام الماضية. فالصراع الدائر في تركيا الآن يشكّل خطرًا حقيقياً على النظام الديمقراطي القائم في البلاد".
واعتبر البرلمان الأوروبي أنّه من الخطأ التفكير في حلّ الأزمة عن طريق الصراع المسلّح، مشيرًا إلى أنّ الحل الوحيد يكمن في الجلوس حول طاولة الحوار واستئناف عملية المصالحة الوطنية من حيث توقفت وعلى الحكومة التركية الجديدة بذل المزيد من الجهد من أجل العودة إلى المفاوضات مع الجانب الكردي.
وطالب زعماء الأحزاب خلال بيانهم الصادر بهذا الخصوص، الطّرفين بالتخلي الفوري عن الصراع المسلّح، حيث دعوا قادة ورؤساء الدّول الأوروبية إلى التوسّط وبشكل فوري من أجل إيقاف الصراع المسلح الدائر في تركيا وإقناع الأطراف المتنازعة بالعودة إلى طاولة المفاوضات من جديد.
الجدير بالذكر أنّ العديد من الصّحف التركية المحلية كشفت مؤخّرًا عن قيام عدد من الدّول الأوربية وعلى رأسها ألمانيا بدعم عناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني بالمال والسلاح وتزويدهم بمعلومات استخباراتية من أجل قيامهم بهجمات إرهابية ضدّ المواقع العسكرية التركية.
كما يجدر بالذكر أيضًا أنّ عناصر التنظيم قتلت 127 مواطن تركي ما بين جندي ورجل شرطة ومدني، وذلك منذ وقوع التفجير الانتحاري الذي نفذه تنظيم الدّولة (داعش) في منطقة سوروج التابعة لولاية "شانلي أورفا" والذي أودى بحياة 32 شخص وجرح العشرات، حيث بدأ الصراع المسلح بين عناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني والقوات التركية، عقب قيام عناصر التنظيم باغتيال عنصرين من عناصر الشرطة التركية في ولاية شانلي أورفا، وذلك بذريعة الانتقام لقتلى حادثة سوروج، حيث زعموا بأنّ الدّولة التركية هي من تقف وراء تلك الحادثة.
أردوغان في مقابلة مع قناة "تي آر تي" التركية يوم الأربعاء 16 أيلول/ سبتمبر 2015، قال: "إن الرأي العام العالمي ليس صادقًا في مواقفه، ودائما يقفون بعيدا عنا، ودعموا التنظيم الإرهابي حزب العمال الكردستاني بالمال والسلاح، وبعض زعماء أوروبا قالوا لي بأنهم يتخذون تدابير في هذا الاتجاه، ولكن أجهزة مخابراتنا تثبت غير ذلك".
كل هذه المواقف المتضاربة كانت قبل قمة العشرين، التي انعقدت في أنطاليا التركية يومي 15و16 تشرين الثاني نوفمبر الحالي، فاللغة اللينة التي أبدتها بعض التصريحات الأوروبية قبل قمة العشرين كانت تمهد لحضورها إلى تركيا ولقائها مع القادة الأتراك، بينما كانت التصريحات التركية تريد أن تعلم كل مسؤول أوروبا عن حقيقة مواقفه قبل أن يحضر إلى تركيا، وبالخص ان تلك التصريحات الأوروبية جاءت بعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأول من نوفمبر، وبعد ان خابت ظنون الكثير منهم بان حزب العدالة والتنمية لن يستطيع العودة إلى واجهة السياسة التركية بعد انتخابات 7 حزيران/ يونيو 2015، وهكذا فقد كانت قمة العشرين كاشفة لصلابة المواقف التركية وصحتها وحكمتها، وبالأخص في العلاقة مع التنظيمات الارهابية بغض النظر عن هويتها الطائفية أو الدينية او القومية، لأن التنظيم الارهابي لا ينتمي إلى دين ولا إلى قومية معينة، وإنما ينتمي إلى أهداف سياسية يريد الوصول إليها بقوة السلاح والقتل والتفجير وسفك الدماء وترويع الآمنين، في الوقت الذي يمكن أن يصل إلى هذه الأهداف بالطرق السلمية والديمقراطية والحوار والتفاهم الإنساني.
فحزب العمال الكردستاني وبعد تجربة مريرة وطويلة من الأعمال الارهابية طوال ثلاثة عقود مضت، توصلت قيادة السياسية المتمثلة بحزب بالزعيم عبد الله أوجلان إلى أن الحل الممكن للمسألة الكردية في تركيا هو الحل السياسي، فدخل منذ عام 2009 في مباحثات مع الحكومة التركية حتى توصلوا إلى اتفاق مبادئ في حزيران 2013، ولكن وللأسف صادف أن هذا التاريخ تزامن مع التحركات الإرهابية للكيان الموازي ضد حكومة العدالة والتنمية، فيما أطلق عليه أحداث تقسيم أو غيزي بارك، وما تبعها من تحركات إرهابية للكيان الموازي ضد رئاسة الحكومة التركية ورئيسها أردوغان آنذاك، وضد مجلس الأمن القومي التركي، وانكشاف عمليات التجسس التي قام بها الكيان الموازي، وللأسف فإن الأحزاب الكردية وأحزاب المعارضة التركية ظنت أن فرصتها للانتقام من الحكومة التركية قد اقتربت، فنكصت على عقيبيها، وأخذت في معاكسة مسار المصالحة الداخلية، وقد زاد الطين بلة نتائج انتخابات 7حزيران، فظنت الأحزاب الكردية انها قد انتصرت على حزب العدالة والتنمية، وهي واهمة ومخطئة في قراءة الأحداث، وقد غطى عينيها الغبش الإعلامي في الداخل والخارج، فظنت انها على طريق الانتصار، ولم تستمع لدعوات حزب العدالة والتنمية بعدم السير وراء الأوهام، ولا تأييد العمليات الارهابية، ولكن الأحزاب الكردية واصلت تأييدها للأعمال الإرهابية برغم من مخالفات لمشاعر وقناعات الكرد الأتراك قبل غيرهم.
لذلك كان موقف الحكومة التركية ورئاسة الجمهورية حازمة بضرب مصدر التهديد الإرهابي سواء كان داخل تركيا أو خارجها، وانها عازمة على ضربها بأقسى قوة وبأحدث الأسلحة وأنها لن تتوقف ولن تترد في ضربها ما دامت تقتل الشعب التركي غدرًا وبدم بارد، ولأنها طامعة بمساعدة أعداء تركيا في الوقوف إلى جانبها إذا أسقطت حكومة العدالة والتنمية، ولكن الشعب التركي حسم المعركة مع أعداء تركيا في الداخل والخارج في الأول من نوفمبر، وقال للأحزاب الكردية الارهابية ولمن يقف وراءها من الأوروبيين والطائفيين: أنا لا أثق إلا بحزب العدالة والتنمية، ولا أثق إلا بأردوغان رئيسا للجمهورية، ولا أثق إلا بأحمد داود أغلو رئيسا للحكومة التركية، ولا أثق إلا بحزب العدالة والتنمية قائدا للدولة والمسيرة والنهضة التركية المعاصرة، فالشعب التركي أعلن هزيمة الارهابيين سياسيًا بنفسه، بعد أن أعلن الطيران التركي تدمير قواعده ومعسكراته في جبال قنديل عسكريا، فما كان من حكومات أوروبا إلا أن تأتي إلى تركيا في قمة العشرين إلا وهي تقدم خطابات التهدئة والاعتذار المبطن على الأخطاء التي ارتكبتها بدعم الإرهابيين في تركيا ضد الحكومة الشرعية المنتخبة ديمقراطيًا، أي أن الموقف الأوروبي من أعمال الإرهاب في تركيا ليس صادرا عن قناعة ومصداقية أنها ضد الإرهاب في تركيا، وإنما هي أرادت استخدام هذه الورقة في لعبة التوتر السياسي في تركيا، فهي على استعداد لدعم الأحزاب الكردية وهي تقوم بأعمال ارهابية واضحة وصريحة ومتبناة منها رسميا، إذا وجدت تلك الحكومات أن الحكومة التركية ضعيفة وغير مستقرة، كما فعلت في الأشهر الماضية، وإذا وجدت الاستقرار في تركيا وحكومة أغلبية لا يملك حزب مراهق مناكفتها، فإنها تأخذ بمطالبة الحكومة التركية إلى التمسك بالمصالحة الداخلية، بينما الأولى أن توجه هذه النصائح لنفسها أولًا، ولأحزاب المعارضة التركية ثانيًا، وقبل ذلك للأحزاب التي تراهن على سلاح الإرهاب.
هذه السياسية الأوروبية غير مقبولة في نظر الشعب التركي، ولكنها مفهومة إذا كانت من جهة الأوروبيين، لأن لغة التعامل بين الدول قائمة على المصالح السياسية والاقتصادية، ولكنها غير مقبولة ولا مفهومة عندما تكون سياسة الأحزاب الكردية مع الشعب التركي، لأن الأصل في لغة الأحزاب الكردية وبالأخص حزب الشعوب الديمقراطي الممثل في البرلمان التركي الجديد بنحو خمسين عضوًا، أن تكون لغته مع العشب التركي ومع حكومته المنتخبة منه، ومع رئيس الجمهورية الذي انتخبه الشعب التركي لغة وطنية، وكذلك مواقفه من الأعمال الإرهابية التي تضر وتقتل من الشعب التركي، ينبغي أن تكون تضامنية وأخوية ووطنية أيضًا، فهذا الحزب لا ينبغي أن يقيم موقفه من الأعمال الإرهابية التي تضرب الشعب التركي على أساس مصالحه الحزبية أو عوائده الاقتصادية، أو ارتباطاته مع قيادة حزب العمال الكردستاني في قنديل وفي غيرها، ولا بحسب مصالحه مع الأحزاب الأرمنية ولا الأحزاب الأوروبية ولا غيرها، وإنما على أساس انتمائه إلى الوطن التركي ووحدته وقوة دولته بين الدول الأوروبية، وليكون في مقدمة الدول الأوروبية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وفي مقدمة الدول العالمية في مكافحة الإرهاب والإرهابيين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس