محمد زاهد جول - الخليج أونلاين
قبيل موعد الانتخابات البرلمانية التركية المقرر عقدها بتاريخ 1 أكتوبر/ تشرين ثاني - نوفمبر/2015، دعا اتحاد الأرمن في أوروبا، المواطنين الأتراك المقيمين في الدول الأوروبية إلى دعم حزب الشعوب الديمقراطي ذي الأغلبية الكردية في الانتخابات البرلمانية القادمة، وفي الوقت نفسه أدخل حزب الشعوب الديمقراطي في برنامجه الانتخابي وعود الاعتراف بالمجازر البشرية التي ارتكبها الأتراك في الماضي، بما فيها ادعاء الأرمن بارتكاب الدولة العثمانية لإبادة بشرية ضدهم عام 1915، وهو ما تنكره الدولة التركية وتطالب بإجراء تحقيقات علمية وقضائية وتاريخية حوله.
هذا التقارب بين الأحزاب الكردية والأرمنية ليس جديداً فقد أثبتت وثائق مسربة اجتماع رئيس حزب الشعوب الديمقراطي "صلاح الدين ديميرطاش" بالتيار الوطني الأرمني الأمريكي أثناء زيارة قام بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2013، وعقب تصريحات بابا الفاتيكان الأخيرة، صرّح رئيس التيار الأرمني الأمريكي هامبريان عن إشادته بموقف ديميرطاش قائلاً: "إنّ ديميرطاش أقرّ بالمجازر التركية ضدّ الأرمن من دون أيّ تردّد"، الأمر الذي أكّد العلاقة الوثيقة بين اللوبي الأرمني المعادي للدّولة التركية وديميرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي ذي الصبغة الكردية.
إن الأحزاب الأرمنية تواصل دعمها لحزب الشعوب الديمقراطي كما فعلت في الانتخابات الماضية في 7 يونيو/ حزيران، فكانت التنظيمات الأرمنية من القوى الدولية التي دعمت نجاح حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات الماضية، علماً بأن الأكراد هم المتهمون بتنفيذ تلك المجازر بحق الأرمن في الأناضول عام 1915، وهذا يعني أن التحالف الجديد بين الأحزاب الأرمنية والكردية هو تحالف مصالح آنية، وأن المصلحة الأرمنية تريد توظيف الأحزاب الكردية في عداء تركيا، وهذا التحالف ليس في المجال السياسي فقط، بل تفتحت عيون الأحزاب الأرمنية على استخدام الأحزاب الكردية في اعمال إرهابية مسلحة ضد تركيا منذ عقود.
فمنذ نحو خمسين (50) عاماً قامت المنظمات الأرمنية الموجودة في العاصمة اللبنانية بيروت وفي حلب بتهيئة جيل أرمني يحمل حقداً دفينا انتقاميا تجاه الأترك والأكراد باتهامهم كمسؤولين عن مجازر الأرمن المزعومة عام 1915م وتهجيرهم من وطن أجدادهم شرق الأناضول إلى بلاد عديدة بحسب زعمهم، فكانت أول عملية قام بها التنظيم الأرمني الإرهابي باسم (ASALA) عام 1973م، وذلك بقتل القنصل التركي في لوس أنجليس، ثم تواصلت العمليات الإرهابية من التنظيم الإرهابي الأرمني حتى عام 1984م قتل خلالها نحو 31 دبلوماسياً تركياً في بلدان مختلفة، فبقيت الأعمال الإرهابية التي يقوم بها التنظيم الإرهابي الأرمني خارج تركيا، مما جعلها بحاجة إلى أيد إرهابية داخل تركيا، حيث كان تأثير أعمالها الإرهابية في الخارج ضعيفاً، بحكم ضعف الوجود الأرمني في تركيا أصلاً، فكان البحث عن مرتزقة يمكن أن ينفذوا أعمالاً إرهابية داخل تركيا بالنيابة عنهم.
لقد وجد التنظيم الإرهابي الأرمني ضالته في حزب العمال الكردستاني PKK بقيادة عبد الله أوجلان، حيث كان حزب العمال الكردستاني يستهدف الدولة التركية بالعداء القومي ويدعو إلى الانفصال السياسي بين الأكراد والأتراك، وبالأخص في مناطق ديار بكر في الجنوب الشرقي لتركيا، مما أدخل عبد الله أوجلان زعيم تنظيم PKK منذ 1973م تحت الملاحقة القضائية، واضطره للفرار إلى سوريا عام 1979، فوجد عند حافظ الأسد الرعاية الأمنية والعسكرية في سوريا ولبنان، حيث سمح له بفتح معسكرات تدريب لعناصر حزبه في سهل البقاع اللبناني وتدريب عناصره اليسارية والشيوعية على الأعمال الارهابية حتى عام 1983، حيث وجد رعاية أخرى من الحرس الثوري الإيراني وقاسم سليماني، وفي العام نفسه 1983 انتقل عبد الله أوجلان إلى جبال قنديل شمالي العراق وأسس قواعده ومعسكراته السرية بدعم من الحرس الثوري الإيراني، ودخل في معادلات الصراع بين الأحزاب الكردية العراقية وحكومة العراق والإيرانيين، الذين كانوا يخوضون حرباً طائفية ضد العراق في ذلك الوقت، وبتاريخ 14 أغسطس/ آب 1984م قام حزب العمال الكردستاني بأول عملية عسكرية في بلدة أروح ERUH شرق تركيا قتل فيها 34 قروياً كردياً، بهدف نشر الرعب بين الأكراد قبل غيرهم، وتهديدهم بأن كل من يعترض عليهم من السكان المحليين الأكراد سيكون مصيره القتل بوحشية، وهكذا أصبح حزب PKK بديلاً مرغوباً لدى التنظيم الأرمني الإرهابي (ASALA)، بغض النظر عن قوميته وأهدافه.
عاد أوجلان إلى دمشق نتيجة الصراعات الكردية الكردية شمالي العراق وظروف حرب الخليج الأولى والثانية، وواصل من دمشق وبيروت قيادة العمليات الإرهابية في تركيا حتى عام 1998م عندما تخلى عنه حافظ الأسد بعد تهديدات حكومة "مسعود يلماز" التركية بشن حرب على سوريا، فرحل أوجلان لأوروبا وانتقل بين عواصمها غير مرغوب فيه، حتى استقر في السفارة اليونانية في نيروبي ومنها اختطفته المخابرات الأمريكية (CIA)، وقامت بتسليمه لتركيا أوائل عام 1999م، حيث سجن بالمؤبد في جزيرة إمرلي التركية.
كان تسليم المخابرات الأمريكية لأوجلان إلى الحكومة التركية صدمة عقلية ونفسية، لأن الأسد تخلى عنه بالرغم من خدمته له في تهديد الأمن التركي، وتخلت عنه المخابرات الأمريكية بالرغم من كونها كانت قادرة على الاستفادة منه، مما فرض عليه مراجعة أدعياء التحالف معه واستخدامه مجرد أداة لأهدافهم الخاصة، فأدرك أنه كان ورقة بأيدي العديد من الدول والأحزاب التي تعادي تركيا، راجع أوجلان نفسه في السجن وعرف كيف خانه وخذله مؤيدوه وداعموه، وغير كثيراً من قناعاته الفكرية، غير كذلك من رؤيته للحل السياسي الذي ينبغي للأكراد أن ينشدوه في تركيا بعد سعي ضائع لأكثر من ثلاثة عقود، قتل فيها أكثر من أربعين ألفاً من الشعب التركي والكردي دون فائدة، فضلاً عما أهدرته تركيا من الاقتصاد التركي في أحلك مراحله الصعبة، فقرر أوجلان أن يرسم معالم المصالحة الداخلية بعقول تركية وكردية وطنية، ودولة ديمقراطية واحدة سياسياً، ومتنوعة في قوميتها وثقافتها وأحزابها الوطنية.
خاض أوجلان أكثر من عشر سنوات وهو يراجع ويفاوض على مستقبل الأكراد في تركيا، وكان يتواصل مع المقربين منه من مؤسسي حزب الشعوب الديمقراطي الكردي قبل تأسيسه وبعده، ولكنه ربما لم يكن يعلم أن حزب الشعوب الديمقراطي يقع تحت وصاية قيادة قنديل لحزب العمال الكردستاني PKK، الذين كانوا ما يزالون تحت وصاية الحرس الثوري الإيراني منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وبذلك وقعوا ضحية ما وقع فيه من ضغوط الحماية والدعم والتمويل والتسليح وإلا الطرد منها، ولذلك كان حزب الشعوب الديمقراطي يأخذ تعليماته من قيادة قنديل ولا يسمع لتوجيهات أوجلان إلا لكسب تأييد الأوساط الكردية المتضامنة معه، ولكن وبعد نجاح الحزب في الانتخابات الأخيرة 7 يونيو/ حزيران وخضوعه لأوامر قنديل في تأزيم المشاكل التركية، وتوجيه الانتقادات للحكومة والرئيس أردوغان، وتبني صلاح الدين ديمرطاش للأصوات التي تعادي تركيا، أدرك أوجلان أن حزب الشعوب الديمقراطي قد تخلى عنه وعن نهجه الإصلاحي والسلمي.
ولا شك أن نتائج التحقيقات حول التفجيرات الارهابية الأخيرة في سروج وأنقرة ستكون صدمة أخرى لأوجلان، فالبيانات الأولية التي أصدرها المدعي العام الجمهوري في أنقرة بخصوص تفجيري أنقرة الذي راح ضحيته 102 من المواطنين تقول: إن "أحد المنفذين هو YUNUS EMRE ALAGOZ يونس إمره آلا كوز شقيق منفذ عملية سروج في يوليو/ تموز الماضي ABDURRAHMAN ALAGOZ عبد الرحمن آلا كوز، والآخر هو مواطن من دولة مجاورة للحدود الجنوبية لتركيا، وأنهما قدما من غازي عينتاب".
وقال بيان المدعي العام: "في غازي عينتاب تم القبض على عدد من رفاقهما من داعش وتمكن 9 من الفرار وتم ضبط 2 طن ونصف الطن من المتفجرات و10 أحزمة ناسفة وأعداد كبيرة من الذخيرة ومسدسات كاتمة للصوت وكلاشنيكوف".
فلماذا كانت الأيدي المنفذة لتفجيرات أنقرة وسروج كردية، سواء كنت تنتمي إلى داعش أو لحزب العمال الكردستاني أو غيره، فالأحزاب الكردية أصبحت مجرد أداة لضرب الأمن التركي، يستخدمها كل من يريد ان يزعزع الأمن التركي، فهذه التفجيرات والأيدي المنفذة والأماكن التي أتوا منها تؤكد صحة اللقاء التآمري الذي كشف عنه رئيس الوزراء التركي داود أغلو بعد تفجيرات أنقرة بأيام، قائلاً:" إنه في 28 مايو/ أيار 2015م عقد في مدينة الحسكة السورية لقاء بين كل من نظام بشار وPKK وPYD وداعش، اتفقوا جميعاً على التنسيق بينهم لتوجيه حرابهم نحو تركيا للإطاحة برجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية".
هذه ليست تهماً سياسياً وإنما معلومات استخباراتية، وما تزال تتكرر في الحملات الإعلامية التي يقوم بها حزب الشعوب الديمقراطية في حملته الانتخابية، وربما غيره من الأحزاب السياسية، التي تستغل حملات الانتخابات والتنافس الحزبي المشروع، في توجيه أعمال عدائية ضد تركيا وأمنها واستقرارها، بحجة انتقاد أردوغان أو انتقاد أغلو أو انتقاد حزب العدالة والتنمية، فهل هذه الأعمال الإرهابية التي قتلت مئات الأتراك والأكراد في الأشهر الماضية هي الطريق الصحيحة لإسقاط أردوغان أو اسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية، أم هي أهداف لأعداء تركيا فقط، من المنافسين الدوليين لتركيا في نجاحها السياسي ونجاحها الاقتصادي، ونجاحها في لعب دور دولي على صعيد المنطقة والإقليم والعالم.
لقد عادت الأيدي الحاقدة إلى العبث بالأمن والاستقرار التركي مستغلة الأكراد ليكونوا مجرد أدوات ضد تركيا، والأحزاب الأرمنية لا تختلف عن غيرها في العداء لتركيا والتعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي إلا بكشفها عن نفسها بكل صراحة، في حين الآخرون يحاولون إخفاء انفسهم، ولكن أيديهم ملطخة بدماء الشعب التركي، ولا يستطيعون إخفاءها، وتبني الأمريكيين والأوروبيين والروس للأحزاب الكردية التي تتبنى الأعمال الإرهابية صراحة أكبر دليل على أنهم يستهدفون تركيا وليس شخص الرئيس أردوغان ولا حزب العدالة والتنمية ولا رئيسه فقط، فالأعمال الارهابية التي تقتل الشعب التركي دليل على أن المستهدف هو الشعب التركي أولاً، وأمن تركيا واستقرارها ثانياً، واقتصادها، وأن الهدف تدمير التقدم التركي الذي أنجز في السنوات العشر الأخيرة ثالثاً، فهل يدرك الأكراد أن استخدامهم جنوداً مرتزقة من قبل الدول والأحزاب الخارجية إساءة أخلاقية لهم، وهي طريق دمار لمستقبل أبنائهم، وأن المستقبل الذي ينبغي عليهم أن ينشدوه بناء تركيا الجديدة مع الأتراك، وفق الأفكار التي توصل إليه أوجلان بعد سنوات وعقود من المحاولات الإرهابية العابثة، وأن عليهم ان يفتحوا لأنفسهم طريقاً ثالثاً غير طريق حزب العمال الكردستاني وغير طريق حزب الشعوب الديمقراطي الذي يخضع لإرهاب قيادة قنديل الإرهابية، والطريق الجديد الوطني والديمقراطي والمستقل عن مؤامرات أعداء تركيا هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل مزدهر لكل قوميات الشعب التركي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس