أ. د. محمد مرعي مرعي - خاص ترك برس
عندما تفكك الاتحاد السوفياتي إلى 15 دولة جراء فساد حكامه وطغيانهم وظلمهم لشعوبهم تباينت مشاعر ومواقف تلك الشعوب بين شعوب 14 دولة أدركت أنها أبصرت الحياة وطعم الحرية والكرامة الانسانية وبين مشاعر شعب روسيا الذي شابه اليأس والذل والهوان أمام القوى العظمى والدول المتحضرة، الأمر الذي جعل الشعب الروسي ينقاد بلا تبصر مع أي حاكم له يعلن شعارات إعادة أمجاد روسيا القيصرية، وكانت البداية مع بوريس يلستين الرئيس المخمور دوما الذي قام بأفعال أهانت روسيا وجعلتها في حضيض الدول، وجاء بعده فلاديمير بوتين من مدرسة المخابرات السوفياتية التي لا يتعدى مستوى تأهيل ضباطها شهادة الثانوية العامة ولا تتعدى محاكمتهم كأي شخص مبتدئ في العمل، وأطلق بوتين شعارات القومية القيصرية الروسية والديانة الأرثوذوكسية، ولكونه ورث حكما مضطربا وشعبا يعيش على يومه بين البطاطا والفودكا اصطف ذلك الشعب خلفه كالقطيع أملا في إعادة نهضة الأمة الروسية ومكانتها. وبما أن بوتين غير مؤهل لقيادة دولة كبيرة فقد حوّل نظام حكمه إلى مافيات تتعمد القتل والخطف والفساد والنهب للمال العام والجرائم بأشكالها العديدة، وبدأ يتحكم بالاقتصاد الروسي والسياسة الوطنية بعدما أبعد كافة خبراء الدولة أو هجرهم من بلده لينفرد مع ملحقاته بحكم روسيا والسيطرة على كل مقدراتها.
مع هكذا نمط من الحكم انهارت الصناعة في روسيا وفقدت حصتها السابقة في التجارة الدولية وتحوّلت روسيا التي مساحتها ربع مساحة العالم إلى دولة تعتمد في دخلها القومي على تصدير النفط والغاز والحبوب وخردة الصناعات العسكرية الموروثة شأنها كشأن دول أفريقيا جنوب الصحراء. بعدها ادرك بوتين بعقلية ضابط المخابرات الخطر المحدق بحكمه، وشرع كأمثاله من حكام الدول الدكتاتوريين والفاسدين ممن يستلمون الحكم من قطاع العسكر والأمن، بصنع أعداء خارجيين والتحدث عن مؤامرة كونية عليه، واستحضر رجال كنيسته الأرثوذكسية ليعلنوا الحروب المقدسة على كل من يعاديهم ولا سيما الشعوب الاسلامية مستذكرين هزيمة الروس والسوفيات على أيدي ثوار افغانستان. وكعادة الحكام الطغاة المأزومين، انطق في الحروب الخارجية ليقود الشعب الروسي نحو حروب تهلكته بواجهة دينية مقدسة ونزعة قومية قيصرية اجرامية، وكانت أولى حروبه في جمهورية الشيشان ثم في جورجيا وأبخازيا وأذربيجان، وبعدها في أوكرانيا، وحاليا في سوريا وبدأ التحرش الأرعن في تركيا. يتجه بوتين نحو حروبه الخارجية مدفوعا بهاجس اندلاع ثورة شعبية تطيح نظام حكمه الفاسد والطغياني وهو لا يتوانى عن القيام بأية أفعال عدوانية كي يبقي الشعب الروسي ورائه وهو في حالة من غياب عن الوعي. إنه بوتين في القرن الحادي والعشرين يعيد تاريخ ادولف هتلر الذي عاش الهزيمة مع الشعب الألماني في القرن العشرين بالحرب العالمية الأولى، تلك الحرب والهزائم التي قادت هتلر نحو رفع شعارات الصليب المعقوف النازي وبأيديولوجية قومية جرمانية تضليلية، ووصل إلى الحكم جراء الغليان الشعبي الألماني الذي عاش الذل والهزيمة والتفكك، وجمع هتلر حوله رجال دينه الذين باركوا له حكمه النازي وحروبه المقدسة وكذلك اعلامه بقيادة غوبلز التضليلي لتهييج الألمان ضد الدول المجاورة والشعوب المسالمة، واندفع هتلر بجيوشه فاحتل بولندا ثم تشيكيا ثم بلجيكا ثم فرنسا حتى أكمل سيطرته على أوروبا كلها تقريبا.
لكن انتهى هتلر وتحطّمت دولته المزعومة بنازيتها وقتل من شعبه عشرات الملايين نتيجة أفعاله الإجرامية المهووسة بالسلطة والزعامة المخادعة. وها هو بوتين روسيا يعيد تاريخ هتلر بأيدولوجيا دينية اجرامية وعلام كاذب في عصر المعلومات والمعرفة وقطيع من البشر بتأثير الفودكا، وهاج بوتين في حروبه ضد الدول المجاورة والشعوب المسالمة، فهل سيلقى بوتين مصير هتلر، هذا ما سنراه في المستقبل القريب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس