برهان الدين دوران - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
لا شك أنّ الرئيس الروسي بوتين يخطف الأضواء من بين رؤساء العالم خلال الفترة الأخيرة، فعند سؤاله عن التوتر الحاصل مع تركيا، لم يكتف بوصف حادثة إسقاط الطائرة الروسية بأنها عمل "عدائي"، وإنما استخدم جملا توحي بوضوح على أنّ تركيا وروسيا تتواجهان بصورة مباشرة في العراق وسوريا، كما عبّر عن أنّ تركيا "تخضع" لهيمنة الإدارة الأمريكية، وأنها قد تكون أرسلت قواتها العسكرية إلى الموصل ضمن اتفاق سري مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك برغم علم بوتين اليقيني بأنّ أمريكا كانت من اكثر المنزعجين من إرسال تركيا لقوات عسكرية إلى الموصل، فلماذا يفضل بوتين إثارة الجدل حول كل قضية؟
واستمر بوتين بإثارة الجدل من خلال تصريحاته الغريبة، وعاد وكرر اتهامه لحزب العدالة والتنمية بأنه يسعى إلى "أسلمة" الدولة التركية، مضيفا عنصرين لم يذكرهما في الماضي، الأول موجه نحو الشأن الداخلي التركي، حينما تحدث عن أنّ "أتاتورك يتقلب في قبره بسبب ما يقوم به العدالة والتنمية من أسلمة لشؤون الدولة التركية"، لكن بوتين لا يدرك أنّ هذه التصريحات لن تفيده شيئا، خصوصا أنّ حزب الشعب الجمهوري العلماني ترك هذه الاتهامات منذ زمن، وأدرك الشعب التركي أنّ العدالة والتنمية يقوم ببناء حضارة تركيا الجديدة التي سعى إليها أتاتورك.
والعنصر الثاني الجديد في تصريحات بوتين، هو حديثه عن أنّ الاتحاد الأوروبي وأمريكا يعتبران أنقرة "الطرف الإسلامي" الأمثل للتعامل معه، لكننا نؤكد هنا على أنّ بوتين لا ينطلق في تصرفاته وفق مبادئ أيدولوجية، وإنما وفق ما يخدم مصالح روسيا فقط، وهو الذي يشكل تحالف استراتيجي مع نظام ولاية الفقيه في إيران، ونحن بدورنا نستطيع وصف إيران بأنها "الحليف الإسلامي الشيعي المعتدل" لروسيا!
لكن في الواقع، نجحت إيران بكل اقتدار بالموازنة والتقارب ما بين روسيا وأمريكا على حد سواء، بما يخدم مصالحها القومية، وحتى في الحرب الباردة لم تكن إيران تستخدم مبادئها الأيدلوجية سوى كوسيلة لخدمة مصالحها، في الوقت الذي تدرك فيه روسيا أنْ لا جمارك على الكلام، ولهذا لم تستطع حتى الآن استخدام ورقة ملف الطاقة في وجه تركيا، لأنها تعلم جيدا حجم الثمن الباهظ الذي ينتظرها، ولذلك تفضل الاستمرار بالاتهامات الأيدولوجية، والتي لن يكون لها أي تبعات على المستوى الاقتصادي.
الهدف الأول الذي يسعى بوتين إلى تحقيقه من خلال الأحاديث الأيدلوجية، يتعلق بموضوع "محاربة الإرهاب"، فالرئيس الروسي يسعى إلى القضاء على العساكر والجنود الذين قدموا من القوقاز والشيشان، والذين شرعوا في الانفصال عن داعش والانضمام إلى جبهة النصرة من أجل مواجهة روسيا، وبوتين محق في ذلك، حيث أصبحت داعش الهدف الثانوي لجميع العمليات في روسيا، والهدف الأساسي هو المصالح الجيوسياسية، أما الاتهامات الأيدولوجية فهي مجرد كلام عابر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس