مخلص برزق - خاص ترك برس
الانفجار الذي أودى بحياة مجموعة من السياح الألمان في ساحة مسجد السلطان أحمد والذي يعرف أيضاً بالمسجد الأزرق اعتبر ضربة ثلاثية الأهداف وجهتها عصابات البغدادي الداعشية لتركيا وألمانيا وسورية (الثورة) في آن واحد!!
تبدو الصورة مشوهة إلى حد كبير وتحكي تناقضاً فاضحاً مع الذي يهرف الروس ويهذرون به هم وحلفاؤهم فريق الإجرام المشترك المكون من الشراذم المتبقية من عصابات المجرم بشار ونصر الله والحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي ومن معهم من المرتزقة إضافة إلى عصابات البغدادي.
وفي محاولة للتسويق مع الصورة المفبركة التي يحاولون تسويقها عبر التصريحات المتشظية في وسائل الإعلام بإمكاننا تكوين صوراً تخيلية لما كان يفترض أن تكون عليه صورة الحدث (الجريمة) وتتضمن الافتراضات الآتية:
بما أن الهجوم الروسي بقضه وقضيضه وعدته وعتاده على سورية حصل بذريعة القضاء على عصابات داعش وتوجيه ضربات قاصمة لها -عجز التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عن تسديدها خلال حقبة زمنية طويلة تعاظم فيها شر داعش واستشرى- فالمنطق يقول بأن أذرع داعش الطويلة لم تكن لتوفر "غريمها" الروسي، وأنها لن تلبث قليلاً حتى "تتغدى" به قبل أن "يتعشى" بها، وعليه فقد كانت الصورة المتوقعة تفجيراً ضخماً في قلب العاصمة الروسية موسكو ينفذه أحد أفراد تنظيم الدولة "داعش" قرب كاتدرائية القديس باسيل في الساحة الحمراء، يوقع العشرات من القتلى والجرحى، يعلن التنظيم بعده بعزة وفخار عن تبنيه للعملية واعتبارها رداً طبيعياً على "العدوان" الروسي على مواقع التنظيم في سورية.
وإن عدم حصول ذلك على ارض الواقع، يقرر أن العدوان الروسي على سورية لم يكن حقيقة يستهدف عصابات داعش حسب الدعاية الروسية الكاذبة، ويؤكد حقيقة عدم توجيه ضربات روسية مباشرة له، واقتصارها وتركزها على فصائل الثورة السورية المعتدلة والمدنيين المؤازرين لها فقط. كما أن عدم حصول ذلك في موسكو وحصوله في إسطنبول يقرر أن تركيا هي العدو الرئيس المستهدف لداعش، وأنه لا عداوة حقيقية بين التنظيم وروسيا، بل الأرجح وجود صلات ومصالح بل وخطط مشتركة بينهما، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء التركي د. أحمد داود أوغلو في مؤتمره الصحفي عقب تفجير إسطنبول الإجرامي بقوله: "نشك بأن تكون جهات وراء توجيه تنظيم داعش الإرهابي لتنفيذ العملية الإرهابية".
كان من الممكن أن نشهد صورة أخرى تحاكي ما قيل عن علاقة مزعومة بين تركيا وداعش يقوم فيها أحد عناصر داعش بتفجير نفسه وسط مجموعة من السياح الروس في منطقة السلطان أحمد، والقيادة الروسية تتهم أجهزة الأمن التركية بتسهيل مهمة المنفذ وعدم توفير الحماية اللازمة للمواطنين الروس في ظل أجواء التهديد التي صاحبت إسقاط السوخوي الروسية.
ومع عدم استبعاد تخطيط روسيا لمثل هكذا عمليات إجرامية من أجل خلق ذرائع تصعيدية ضد تركيا وكيل الاتهامات لها، فإن عدم حصول ذلك أيضاً يقرر كذب الادعاءات الروسية والإيرانية ومن يدور في فلكهما والمزاعم المفبركة حول دعم تركي مفترض لتنظيم داعش.
وكانت الماكينة الإعلامية المضللة قد تطابقت روايتها عند الجهتين بأن تركيا تشتري النفط من الدواعش ما حدا بالرئيس التركي أردوغان إلى تحدى روسيا أن تثبت قيام أنقرة بشراء النفط من تنظيم (داعش)، وقال في خطاب تلا إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية إن بشار الأسد ومؤيدوه "في إشارة لروسيا وإيران" هم مصدر تمويل وتسليح التنظيم. وأضاف بأن التزام تركيا ضد تنظيم داعش "لا جدال فيه" وأنه "لا تكاد توجد دولة غير تركيا تحارب "داعش"، بشكل جدي، وهي أول من وصفت التنظيم بالإرهابي عام 2005، عندما كان يتبنى اسمًا آخر، ومع ظهوره عام 2013 باسمه الحالي، وصفناه بالإرهابي، وواصلنا وسنواصل محاربته".
إن الصورة الحقيقية لما جرى في منطقة السلطان أحمد هي أن أذرعاً روسية إيرانية لم تكف لحظة عن محاولة زعزعة استقرار تركيا لتمرير ابتلاع سورية روسياً – إيرانياً وإخماد الثورة، وعدم الاكتفاء بذلك بل وكشف الغطاء عن اللاجئين السوريين والتضييق عليهم في كل بقعة لجوء يلوذون إليها من خلال الزج بعناصر سورية لتنفيذ تلك العمليات الإجرامية، وهو ما حدث في تفجير السلطان أحمد الأخير والذي استهدف ضرب الحاضنة التركية والحاضنة الألمانية بشكل مقصود، وهو ما يمكن أن يشكل كارثة تضاف إلى المصائب المتتالية الواقعة على كاهل ذلك الشعب المنكوب.
ما حدث في ساحة المسجد الأجمل والأروع من قتل وإجرام وإرهاب كشف المزيد من التداخلات الآثمة بين تحالف الشر الذي يشمل روسيا وإيران، وليس بعيداً عنهم الكيان الصهيوني وجهات عربية كارهة ومبغضة لأردوغان ومسيرة حزب العدالة والتنمية في تركيا، وقوى أخرى خفية كلها اجتمعت وتآزرت في مواجهة تركيا الصاعدة المنحازة لأمتها ودينها وإنسانيتها في زمن استبيحت فيه أرض الإسلام وتداعى الأكلة إلى قصعتها يؤزّهم إليها حيي بن أخطب اليهودي وابن العلقمي الشيعي وهولاكو الروسي ويغريهم ويمنّيهم "آباء رغال" على مداخل مدننا العربية والإسلامية، ويستحثهم وجود "عبادلة صغار" كصاحب غرناطة يحكمون بلادنا.
في مواجهة ما يدبره شياطين الإنس والجن لن يكون الأمر سهلاً على تركيا. غير أن على الذي اختار المآذن رماحاً والقباب خوذات والجوامع ثكنات والمؤمنين جنوداً أن يثق بوعد الله ونصره عسى أن يجمع الله له قلوب المؤمنين الصادقين ويجعل له القبول عند الأئمة الربانيين والعلماء المخلصين ويرفده بالمدد المبين من كل أقطار المسلمين، ويرد أعداءه خاسرين خائبين في يوم نرجو أن يكون قريباً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس