برهان الدين دوران - جريدة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
وصلنا إلى أزمة في جنيف، فبعد الفشل الذي حصل في 2012 و2014، تم إيقاف مناقشات جنيف حتى 25 الشهر الحالي، وقد عزا ممثل الأمم المتحدة الخاص سبب ذلك بأنّ "القوى العالمية والإقليمية تسعى لتحقيق بعض المنجزات الإنسانية على الأرض في الوقت الراهن"، لكن السبب الحقيقي حسب المعارضة السورية، هو ما يقوم به نظام الأسد مدعوما بروسيا من قصف وقتل للمدنيين، وعدم حصول أي تغيير على الأرض، بينما يرى النظام أن سبب تأجيل المباحثات هو طلب السعودية وقطر وتركيا من المعارضة أنْ تغادر طاولة المفاوضات.
وفي مقابل ذلك يرى المنسق العام للمعارضة السيد رياض حجاب بأنّ "هذه فرصة من أجل أنْ يضغط المجتمع الدولي على روسيا ونظام الأسد لإطلاق سراح المعتقلين، ورفع الحصار وإيقاف الهجمات الجوية"، لكن لافروف أشار إلى أنّ "العمليات ستستمر حتى القضاء على الإرهاب"، ومن المعلوم أنّ الحراك الروسي العسكري في سوريا الذي بدأ في 30 سبتمبر/ أيلول 2015، قد تسبب حتى الآن بمقل 1400 مدني.
وفي هذه الأثناء تتقدم قوات الأسد نحو شمال حلب، وهذا يشير إلى أنّ ما تنتظره المعارضة من ضغط على النظام السوري هو أمرٌ غير ممكن، فلا تملك تركيا والسعودية القوة الكافية لتشكيل ضغط على روسيا، وفي نفس الوقت نرى بأنّ أمريكا لا تريد أنْ تزيد من قوة المعارضة السورية في وجه نظام الأسد، وهذا ما نلاحظه من خلال علاقة أمريكا بحزب الاتحاد الديمقراطي، وأيضا يد روسيا في جنيف-3 أقوى من يد أمريكا، والسبب الأول لذلك هو وجود الأسطول الجوي والصواريخ والقواعد العسكرية الروسية على الأرض، أما السبب الثاني، هو أنّ واشنطن لا تشتكي من كون موسكو لها وضع قوي في جنيف.
بقاء أمريكا صامتة تجاه ما تقوم به روسيا من جرائم ضد المدنيين في روسيا، يزيد من فرضية توصل الطرفان إلى اتفاق بشأن سوريا، والعديد من المراقبين يعزف على وتر فرضية تتحدث عن اتفاق يتم بموجبه ترك العراق لأمريكا، وترك سوريا لروسيا، وبعض المحللين الأتراك مثل "عائشة قرابات" شبهت الحالة الحالية باتفاق "سايكس بيكو" عام 1916، وأشارت إلى أنّ ما يجري هو اتفاق "كيري-لافروف"، وسواء أكانت أمريكا وقعت اتفاق ضمني مع روسيا، أو أنها تريد ترك الأوضاع على ما هي عليه في سوريا، فإنّ الأمور لا تبشر بخير، خصوصا بالنسبة للمدنيين السوريين والمجموعات السنية، لكن كل هذه التحليلات تقودنا إلى أين؟
سواء توقفت المحادثات في جنيف-3 أم استمرت، النزاع على الأرض سيشتد، وسيستمر القصف الروسي الإيراني الأسدي على المناطق الاستراتيجية التي تسيطر عليها المعارضة، ولن تتراجع روسيا أي خطوة إلى الوراء، وستسمر في تنفيذ خطة يتم بموجبها تقاسم السيطرة على خط عزيز-جرابلس بين قوات الأسد وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي، وإذا لم تتخذ أمريكا خطوات في مواجهة هذا المخطط، فإنّ المعارضة السورية ستفقد الكثير على الأرض، كما سيضيق بها الإطار على طاولة المفاوضات.
ولذلك فإنّ ما سيتمخض عن محادثات جنيف بهذا الشكل، لن يصلح لأنْ يقود مستقبل سوريا، ولن يتم تحقيق الاستقرار بعدما تسببت هذه المرحلة بزيادة التشدد لدى العرب السنة، وستقود هذه العملية غير العادلة على زيادة الاحتقان والازدواجية والاستقطاب في العالم الإسلامي.
وسيكون لذلك ردود فعل عنيفة على ما تقوم به روسيا من جرائم، وكذلك سيكون هناك ردود أفعال قوية على أمريكا التي تعد المسؤولة الأولى عن حالة الفوضى الحالية، وسينتشر هذا الغضب حتى يصل أراضي البلدين، وما يقومان به يغذي "الراديكالية الإسلامية"، ولا يحاربها كما يدّعون.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس