ترك برس
التقى ترك برس بالداعية الإسلامي والمفكر السعودي الشيخ سلمان بن فهد العودة في مدينة إسطنبول، ودار معه الحوار التالي.
- كيف تصنف زيارتك إلى تركيا؟ وهل تعني لك أكثر من مكان للترويح عن النفس؟
الترويح ممكن أن يحدث في أي مكان، والحمد لله أنا بطبعي تعودت أن أستمتع في الوضع الذي أنا فيه، أما المجيء إلى تركيا في الواقع خاصة في المرة هذه هدفه الأساسي هو العمل مع المهاجرين السوريين، مع اللاجئين، هذه هي الرسالة التي جئت أحملها.
في تركيا لم يعودوا يسمونهم لاجئين بل أصبحوا يسمونهم مهاجرين، لاحظت أن الحكومة التركية ترحب باللاجئين، بالمهاجرين من سوريا ومن غير سوريا. وقد كنت خائفًا من أن يكون بعض أفراد الشعب التركي يشعرون بالضيق من أن هؤلاء ينافسونهم في رزقهم أو عملهم، لكنني وجدت، وهذه بالنسبة لي لم تكن مفاجأة، أن من قابلتهم من الشعب التركي يرحبون بنفس الطريقة وبنفس الدرجة ويقولون "نحن نرحب بهم". وهذا يذكرنا بقول الله سبحانه وتعالى "يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" (الحشر 9).
- يجتمع الشباب العرب والمسلمون في تركيا من مختلف المشارب، هل لمست ذلك في زياراتك؟
قبل قليل كنت في جامع الفاتح، فوجدت أنك على اليمين وعن الشمال ومن أمامك ومن خلفك ترى الوجوه والسحنات العربية بعضهم يقول لك إنه أتى البارحة وبعضهم أتى قبل أسبوع وبعضهم قبل شهر وبعضهم قبل سنة، فما من شك أن تركيا أصبحت الآن منطقة جاذبة إما اختياريًا لمن يقصد السياحة أو العمل والحمد لله هذا شيء جميل، أو إجبارية لأناس ضاقت بهم بلادهم ووجدوا في تركيا متّسعًا.
- أخبرنا عن حادثة مميزة حصلت معك في تركيا.
من أبرز الأشياء التي تحدث معي أنني أقابل أحدهم فيقول لي "رأيتك قبل عشرين سنة"، أو "زرتك في بيتك أو في مسجدك"، من الممكن أن يكون تعلم على يديّ بعض الوقت أو درس بعض الوقت ثم انقطع.
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنّان كل الظنّ ألّا تلاقيا
- كلمة للشباب عبر ترك برس.
من الأشياء التي أحلم بها وقُلتها في أكثر من محاضرة لأبنائي من العراقيين والمصريين والسوريين والفلسطينيين الموجودين هنا، هي أنه يجب أن يكون عندنا مشروعات تطوعية نخدم بها البيئة التي نعمل نحن فيها، لنشعر أنفسنا ونشعر إخواننا الموجودين هنا بأننا لسنا عالة على هذا المجتمع، نحن نخدم هذا المجتمع، ونقدم له شيئًا جميلًا. نقدم لهم ورودًا في العيد مثلًا، أو نقدم لهم خدمات معينة يشاهدونها حتى نشعر ويشعرون بأن المواطن العربي ليس عالة ولا عبئًا.
النقطة الثانية، هي أهمية أن يتعرف الإنسان على البيئة التي من حوله ويتعامل معها بشكل لائق. دعني أذكر لك هذه النكتة، مرة شاهدت في الشارع مجموعة من الإخوة العرب، لن أذكر لك اسم البلد الذي ينتمون إليه، وقفنا نسلم على بعض واحتلينا الرصيف تقريبًا، يمكن ست أو سبع أشخاص ومعهم عوائلهم. كانوا يقولون لي "جئنا لنقيم في هذا البلد الطيب"، قلت "شيء جميل". في هذه الأثناء مر أتراك من الطريق، والطريق هو لهم وليس للوقوف والسلام في الأصل، فربما لمسوا بعضهم في احتكاك غير مقصود، فوجدت إخواني هؤلاء قد فردوا أيديهم وأذرعتهم كأنهم جاهزون للنزال أو الصراع. يا أخي هذا عمل غير مقصود، أنت تقول إنك أتيت لتقيم أبدًا في هذا البلد.
العرب يقولون "يا غريب كن أديب". وأنا أعتقد أن الأدب لا يعني أن يكون الإنسان ذليلًا لا قدّر الله، أو ما أشبه ذلك، أو يقبل الضيم، لا، ولكن لا بد أن يتفهم طبيعة الناس الذين يعيش بينهم. قد يظن أحدهم مثلًا عندما يرفع أحدهم صوته عليه أنه يسيء إليه، وهو يتحدث بطريقته العادية التي تعود عليها، فيحتاج الإنسان إلى أن يكون عنده استيعاب وحلم وصبر ولطف وحسن أخلاق، أعتقد أن هذا شيء ملهم لأنك أنت لا تمثل نفسك فقط وإنما تمثل أحيانًا الشعب الذي تنتمي إليه.
- ما رأيكم بالتقارب التركي السعودي مؤخرًا؟
أشكرك على سؤالي هذا السؤال حقيقة. نحن مسرورون جدًا من هذا التقارب، ونعتقد أنه هو الصحيح، وأنه يجب أن يحدث منذ فترة طويلة. قد تكون هناك ظروف دولية وإقليمية جعلتنا نشعر بأننا يجب أن نتقارب كأتراك وكعرب وكمسلمين، لكن نقول جزى الله الظروف خيرًا التي جعلتنا نكتشف بعضنا ونشعر بأخوّتنا، والمصالح المشتركة بيننا.
أن نشعر بأن هناك مصالح مشتركة بين مثلًا السعودية وقطر وتركيا وأي بلد عربي آخر في المغرب أو المشرق، هذا هو الصحيح وليس أن نشعر بالتقارب بيننا وبين عدو ربما يتربص بنا وخاصة في ظل التحولات الدولية، وتقارب أمريكا مع إيران، ووجود قدر من الانسحاب الأمريكي من المنطقة، والمخاطر التي تهدد البلاد العربية وتهدد تركيا أيضًا، ومخاطر داخلية، وأعداء داخليون، والمخاطر من الجوار والمخاطر البعيدة، والمخاطر الاقتصادية أيضًا، وحالات التراجع الاقتصادي.
أعتقد أن هناك أكثر من سبب يجعل كل مخلص لوطنه يفرح بهذا التقارب التركي العربي، وأن هذا ليس على حساب أحد وإنما هو لمصلحة الجميع، تكسب أنت ويكسب الآخرون منك. تركيا طبعًا أصبحت ملاذًا لرجال الأعمال، وملاذًا للسواح، وملاذًا كذلك للمهاجرين الذين يعانون ظروفًا صعبة، وحتى طلبة العلم فقد لاحظت أن في تركيا عدد جيد من العرب مثلًا من اليمن والجزائر وليبيا يدرسون في الجامعات التركية، وهذا شيء جميل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!