برهان الدين دوران – صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
حزب العمال الكردستاني وداعش كانا الموضوعين الرئيسيين اللذين تمت مناقشتهما في جميع اجتماعات ولقاء رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في زيارة الأخيرة لواشنطن، والتي شدد فيها على أن مشاركة الأوروبيين وليس الأمريكان فقط في مكافحة الإرهاب ستعود على الجميع بالمنفعة.
فعلى الرغم من اتهامات "بالاستبدادية" التي تنسب له في وسائل الاعلام الامريكية وعلى الرغم كذلك من تواجد الأحزاب والجماعات التي تتخذ من واشنطن مستقرا لها وتعمل ضد تركيا مثل حزب العمال الكردستاني والتنظيم الموازي وغيرها الا ان اردوغان قدم انتقاده واعاد تقييمه لوضع العلاقات الثنائية بين الحليفين بلهجة مناسبة ليناقش بدبلوماسية مواضيع أكثر أهمية وواقعية.
واشنطن والتي أحدثت فيها الانتخابات الرئاسية القادمة نوعا من التخبط والبلبلة إلا أنها تظل العاصمة التي تناقش فيها المواضيع السياسية الدبلوماسية الملموسة والحساسة والتي تجري فيها الحسابات العقلانية كذلك. حسابات تقول إن الربح الحقيقي بنظر تركيا من خلال حصاد نتائج من صراعها مع حزب العمال الكردستاني – حزب الاتحاد الديمقراطي، في حين أنه بنظر الولايات المتحدة تحقيق نجاحات وتقدم في صراعها مع داعش.
ففي حين تقدم تركيا كل يوم قتلى نتيجة صراعها مع إرهاب حزب العمال الكردستاني، فان الولايات المتحدة تصبح بمرور الزمن أكثر تحسسا من تهديدات داعش خصوصا مع ممارسة دونالد ترمب للعبة الخوف في حملته الانتخابية. ولهذا السبب كانت مواضيع مثل خط جرابلس – العزيز الممتد ل 92 كم وحماية هذا الخط من خطر داعش وموقع حزب العمال الكردستاني من المعادلة ومستقبله تمثل المواضيع الأكثر أهمية في الزيارة على الرغم من أن مواضيع أخرى مثل قبرص والعلاقات التركية الإسرائيلية كان لها نصيب من هذه اللقاءات.
إن حديث الولايات المتحدة عن عدم رغبتها في تقسيم سوريا والمحافظة على وحدتها ومعارضتها لإنشاء دولة كردية في الشمال السوري لا يكفي. فإضافة إلى إصرار أنقرة على أن حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي هما ذات واحدة، تتساءل تركيا عن مصير منطقة منبج والتي تتعرض لقصف جوي عنيف. وتسعى تركيا جاهدة لتسليم هذه المنطقة للمعارضة المعتدلة بدلا من خضوعها لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي/ حزب العمال الكردستاني، ولهذا السبب توجه الدعوات والنداءات لدعم سلاح الجو الأمريكي لجماعات المعارضة المعتدلة حتى تفرض سيطرتها على تلك المنطقة.
إلى جانب الفوضى التي تعاني منها المؤسسات الأمريكية المسؤولة عن الملف السوري هناك أحاديث وإشاعات قوية عن التنافس بين هذه الدوائر، ففي حين تحتل قضية الصراع مع داعش الأولوية ويتم مناقشتها في أروقة البيت الأبيض والبنتاغون تكتفي وزارة الخارجية بالمشاركة الرمزية. أما وكالة الاستخبارات الأمريكية والتي تُدير العمليات المتعلقة بالأسد وبمستقبل خط العزيز – جرابلس والتي تشارك تركيا الرأي في هذا الموضوع فهي ما تزال عاجزة عن تحقيق رؤيتها وتطلعاتها.
المسؤولون الأمريكيون يشددون على أن دعمهم المقدم لم يكن لحزب الاتحاد الديمقراطي وإنما للعرب المندمجين في صفوف قوات سوريا الديمقراطية (SDG). على كل حال إسهام الأمريكان في تحول الشمال السوري لمنطقة يتلقى فيها حزب العمال الكردستاني التدريب والدعم من خلال حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب واضح للعيان كما أن تلقي انتحاريين حزب العمال الكردستاني للتدريب العسكري في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي من الأمور الملموسة والوضحة كذلك.
حتى تتقاطع وجهات النظر الأمريكية والتركية على طاولة المفاوضات السورية لا بد من التوصل إلى اتفاق بشأن خط جرابلس – العزيز، أي شكل سيتخذ هذا الخط وإلى أي الأحزاب سيتم تسليمه. فالولايات المتحدة التي مزجت بين حزب الاتحاد الديمقراطي- وحدات حماية الشعب مع العشائر العربية في تلك المنطقة لتشكل قوات سوريا الديموقراطية (SDG) كانت تهدف من ذلك إلى التخلص من الانتقادات التركية بشأن دعم حزب العمال الكردستاني لكنها في الحقيقة وفرت لحزب العمال "الشرعية" وزرعت فيه "الجشع".
ما كان يجب فعله هو الدمج بين القوات المعارضة المعتدلة المقربة من تركيا مع العشائر العربية المقربة من الأمريكان. ومن خلال دعم سلاح الجو الأمريكي لهذا الكيان الجديد كان من الممكن التخلص من سيطرة داعش ووقف خطرها في المنطقة. بهذا الشكل كذلك كان للأمريكان فعلا أن يطمئنوا المخاوف وعدم الراحة التي يستشعرها الأتراك من وحدات حماية الشعب.
خلافا لذلك ستضطر الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية والتي تلاقي دعما شعبيا كبيرا في مواجهتها مع حزب العمال الكردستاني، ستضطر لقصف قوات وحدات حماية الشعب. فمن الممكن جدا ان توجه حمم العاصفة وقنابلها لتصب على وحدات حماية الشعب كما وجهت ضد داعش من قبل. هذا الخيار الذي يمكن ان يكون أكثر فاعلية بعد انفراج الازمة الروسية التركية في المستقبل القريب، فحزب العمال الكردستاني لن يعود للتفكير بالحل والسلام دون أن يصل إلى قناعة كاملة بأن كل الأبواب الأخرى قد أغلقت.
التوصيات الأمريكية الملموسة والواقعية لرجب أردوغان في مجال مكافحة الإرهاب الذي أصبح يشكل أولوية مهمة عند تركيا يمكنها ان تشكل القاعدة المبدئية لعودة العلاقات التركية الأمريكية إلى سابق عهدها. آمال وطموحات تركيا في "توحيد الشرق والغرب" من خلال أوباما لا تلاقي الدعم والانتشار الكافي مع الأسف، فالوضع الراهن في بعض الدول مثل المملكة العربية السعودية حول الربيع العربي إلى شتاء قارص واكتفت الولايات المتحدة بالوقوف موقف المتفرج من هذا. ففي حين أصبح كل من العراق وسوريا بلد ينتج الإرهاب ويصدره وجدت تركيا نفسها تسعى لتوحيد الشرق والغرب في سبيل مكافحة هذا الإرهاب. خصوصا أن تركيا هي أكثر الدول تضررا من إرهاب داعش وحزب العمال الكردستاني القادم من كلتا الدولتين. هناك حاجة شديدة "للتعاون الدولي" الذي تحدث عنه رجب أردوغان في سبيل حماية أوروبا من موجات إرهابية جديدة.
لا بد لنا من الانصراف عن "الإرهاق" الذي يعتري إدارة أوباما للعلاقات الثنائية من جهة و"الفوضى" التي تجتاح الدوائر الأمريكية والتركيز بدلا من ذلك على الحقائق على الأرض.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس