د. أحمد موفق زيدان - أورينت نت
لا يشك عاقل ومنصف في الخدمة التي تقدمها الدولة التركية لملايين المهاجرين السوريين الذين هربوا من جحيم الاحتلال الداخلي والخارجي الذي يتعرض له بلدهم، ولا يشك عاقل بالخدمات التي المميزة التي قدمتها تركيا لهؤلاء المشردين من حيث المسكن اللائق بهم وبها، والغذاء والدواء وكل ما يحتاجه المهاجر الشامي، يقابله للأسف تسويق سيء وضعيف لهذه الخدمات أمام العالم كله، فقد رأيت حال اللاجئين السوريين في دول الشتات ورأيت من قبل حال المهاجرين الأفغان في باكستان على مدى عقود، فلم ألمس كالخدمة التي قدمتها الدولة التركية للمهاجرين وهذا يتم بصمت وبدون دعم أممي ، فالكل يعرف أن المهاجرين الشاميين في دول غير تركيا أو المهاجرين الأفغان كانوا يتلقون الدعم والمساندة من قبل منظمات أممية...
أقول هذا وأنا أزور مخيم مرعش على مقربة من غازي عنتاب حيث يمنع الزائر بكلمة واحدة من قبل مدير المخيم أن يدخل ليزور شقيقه في داخل المخيم، وهو الذي لم يزره لسنوات وربما لعقود، ويصر مدير المخيم على أن نلتقي مع عائلة شقيقي أطفالاً وأحفاداً في صالة الزوار، بينما كانت فرصة له ولتركيا أن تسمح لشخص صحافي أن يدخل ويرى تلك الخدمات الرائعة والمميزة الظاهرة من الخارج والذي يتحدث عنها أهل المخيمات أنفسهم، وهنا لن ألوم مدير المخيم، وإنما ألوم النظام الذي قيد الكل في قضايا إنسانية هي أكبر من قانون يلزم الآخرين، فروح القانون هي التي تحكم الجميع ولو كانت تركيا تريد فرض قوانين بالية لما استقبلت هذا العدد الضخم من المهاجرين الشاميين... في نفس الصالة التي تحولت إلى نكد لمن جلس فيها، كانت بجانبنا عائلة تركمانية شامية قد فرض عليها أن تكتب عقد زواج ابنتها في هذه الصالة بعد أن رفض مدير المخيم السماح لهم بالدخول إلى داخل المخيم لكتابة العقد، ولكم أن تتصوروا حال هؤلاء وهم يكتبون عقد ابنتهم ويوزعون الحلويات عليهم وعلى الحاضرين في صالة انتظار ...
أتذكر هنا كيف كان الباكستانيون يتعاملون مع اللاجئين الأفغان، فقد جمعوهم في مخيمات للاجئين قرب بيشاور وغيرها، ولكن تركوا وجهاء المخيم من الأفغان ليكونوا صلة الوصل بينهم وبين اللاجئين، وهو ما وفر على الأخيرين مشاكل وضغوطات التعامل اليومي الذي قد يرفع الحساسية بين اللاجئين والباكستانيين، وحينها إذا حصل أي شيء إيجابي فسيحصده الباكستانيون، وإن حصل شيء سلبي فسيتهم الأفغان بعضهم به وسيبرؤون الباكستانيين..
منذ البداية دعوت إلى اكتساب خبرات الباكستانيين في التعاطي مع ملايين اللاجئين الأفغان في التجربة التركية مع الشاميين، وباعتقادي أن على مدراء المخيمات أن يكونوا أكثر مرونة مع ضيوفهم وضيوف ضيوفهم، وعلى تركيا ومدراء المخيمات تحديداً منح هامش معتبر لوجهاء المخيم من الشاميين ممن لديهم تأثير ونفوذ على أهل المخيم من أهل بلدهم، فأهل مكة أدرى بشعابها...
ما تحتاجه تركيا اليوم تحسين صورتها أكثر وأكثر مما هي في الواقع وهذا لا يحصل فقط بالدعم والمساندة والاستقبال وإنما أيضاً بالترويج والتسويق لهذه الخدمات وهذا لا يتأتى إلا بفتح الأبواب والحديث الإيجابي عن تلك الخدمات الرائعة التي لا ينكرها جاحد..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس