ولاء خضير - ترك برس
تظهر على الساحة الدولية أكبر تداعيات عدّاء القرن بين أرمينيا وأذربيجان، بشأن النزاع في منطقة "قرة باغ"، وهي بؤرة ساخنة في قلب القوقاز، بالقرب من ممر يمد الغرب الأوروبي بالنفط والغاز، وخصوصاً أن التصعيد العسكري بين أرمينيا وأذربيجان، تتشابك وتتصادم به المصالح الدولية، ويتوضع بين روسيا التي تربطها علاقات جيدة بأرمينيا، وتركيا حليفة أذربيجان الوثيقة.
وكان النزاع اندلع بين أذربيجان وأرمينيا عام 1988م، على إقليم "قره باغ" الجبلي، حين أعلنت الأغلبية الأرمينية لسكان الإقليم، الذي كان منطقة أذرية ذاتية الحكم، الخروج من جمهورية أذربيجان السوفيتية.
وتبقى التساؤلات مطروحة حول مصير "قرة باغ" المنطقة الجبلية، التي فقدتها أذربيجان لصالح قوات مدعومة من أرمينيا، في واحد من أكثر الصراعات العرقية دموية، التي صاحبت انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991م.
وكانت أطراف إقليمية ودولية تأمل في أن يساعد تطبيع العلاقات بين أرمينيا وتركيا في إنهاء جمود المحادثات، بشأن هذا الإقليم الذي يحكم نفسه بنفسه، بدعم من أرمينيا منذ انفصاله عن أذربيجان، ويربط بين قرة باغ وأرمينيا ممر صغير.
لكن دبلوماسيين سياسيين يقولون: "إنّهم لا يرون احتمالاً يذكر بأن تتخلى تركيا عن مطلبها، بأن تقدم أرمينيا تنازلات بشأن "قرة باغ"، أو بأن تنصاع مقابل فتح الحدود لأرمينيا.
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو كان قد صرح أن بلاده ستواصل الوقوف إلى جانب أذربيجان، وستدعمها في النزاع المسلح بمنطقة "قره باغ" المتنازع عليها.
وقال داود أوغلو في كلمة ألقاها أمام البرلمان التركي": " ليعلم العالم برمته، أن تركيا ستسير إلى جانب أذربيجان حتى يوم القيامة، وسنواصل دعم أذربيجان في كل شيء، بما في ذلك القضايا المتعلقة بقره باغ، حتى تحرير جميع الأراضي الأذرية"، وكما أدان داود أغلوا ما وصفه بأنه "هجمات إرهابية" على الأراضي الاذرية من قبل القوات الأرمينية.
فيما تمثل الموقف الروسي بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، حيث أوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "أن قضية إقليم "قرة باغ" لا يمكن حلها بالطرق العسكرية، مؤكداُ أنه لا ضرورة لتغيير صيغة مجموعة "مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لأن ذلك من شأنه أن يضيع التطورات كلها، في هذا الملف سدى". وقال لافروف: "لا نتهم طرفا ثالثا في ذلك، بما في ذلك تركيا خصوصا مع تفاقم الاشتباكات مجدداً".
ومن جهة أخرى تسعى إيران إلى التدخل لأداء دور في هذا الصراع، "لو رغب طرفا النزاع بذلك"، حيث سبق وأعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، استعداد طهران للتوسط بين أذربيجان وأرمينيا، لحل الخلافات سلمياً بينهما، حول منطقة "قره باغ".
واستضافت العاصمة النمساوية "فيينا"، اجتماعا حول "ناغورني قره باغ" بعد 4 أيام على استئناف المعارك بين القوات الأرمينية والأذرية في هذه المنطقة المتنازع عليها، والتي أسفرت عن سقوط حوالى 40 قتيلاً.
وستناقش مجموعة "مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا حول "قره باغ" ، والمكلفة بإيجاد حلٍّ لهذا "النزاع المجمد" منذ أكثر من 20 عاماً، استئناف المعارك في هذه المنطقة، وتترأس هذه اللجنة فرنسا والولايات المتحدة وروسيا.
وتعود جذور هذا النزاع إلى عدة قرونٍ، لكنه تفاقم في الحقبة السوفياتية، عندما ألحقت موسكو إقليم "ناغورني قره باغ" الذي تسكنه غالبية أرمينية بأذربيجان، في منطقة من القوقاز إستراتيجية لنقل النفط والغاز، قرب إيران وتركيا، وعند أبواب الشرق الأوسط.
وتتهم وزارة الخارجية الأرمينية تركيا بتحريض أذربيجان على القيام بأعمال عدائية ضد إقليم ناغورنو قره باغ.
وكانت أذربيجان قد أعلنت مؤخراً على لسان رئيسها إلهام علييف وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد، لكن وزارة الدفاع في "ناغورنو قره باغ" المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان، قالت: "إن المعارك لا تزال مستمرة بين الطرفين".
ويذكر أن علاقات قوية تربط أذربيجان بتركيا، حيث قام رئيس أذربيجان "إلهام علييف" عام 2013 بأول زيارة خارجية له عقب فوزه بولاية رئاسية ثالثة، إلى تركيا، وتستمر الزيارات الرسمية بين البلدين حتى اليوم.
وتتعاون أذربيجان مع تركيا خاصة في المجال العسكري، وتبادل الوفود العسكرية رفيعة المستوى وهو أمر معتاد، حيث تستهل الوفود التركية زياراتها بوضع الزهور على ضريح "حيدر علييف" في باكو، ثم على ضريح الشهداء الأتراك والأذريين.
وقام وفد عسكري تركي بزيارة العاصمة باكو في 8/01/2014م، اشترت أذربيجان على أثرها صواريخ مضادة للدبابات.
كما أن تركيا توصلت لاتفاق مع أذربيجان لتسريع العمل بمشروع تاناب (خط أنابيب نقل الغاز الأذري إلى أوروبا عبر تركيا)، فمن المقرر إنجاز المشروع قبل موعده المحدد في عام 2018.
جاء ذلك عقب زيارة رئيس الوزراء التركي أوغلوا الشهر المنصرم الى العاصمة الأذرية باكو.
كما ترتبط أذريبجان بتركيا بروابط عدة، فأذربيجان دولة ذات غالبية عرقية تركية، وتتجاور مع تركيا في الشمال الشرقي، وهي عضو مهم في المجلس التركي (الدول الناطقة باللغة التركية)، الذي أنشئ في 2009م.
وتركيا هي أول دولة اعترفت بجمهورية أذربيجان بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، علاوة على أنها أكبر دولة داعمة لأذربيجان في قضية إقليم "قره باغ" المحتل من قبل أرمينيا.
وفي المجال الاقتصادي تخطط كل من تركيا وأذربيجان لإيصال حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 20 مليار دولار خلال 5 أعوام قادمة، حيث تم توقيع 6 اتفاقيات بين تركيا وأذربيجان، وبرزمشروع السكك الحديدية "باكو، تيفلس، كارس" من بين المشاريع ذات الأولوية في هذا المجال.
كما تحتل أذريبيجان المرتبة الثالثة في قائمة الدول التي تستورد منها تركيا الغاز الطبيعي، بعد روسيا وإيران، إضافة الى حجم التبادل التجاري المتزايد باستمرار بين البلدين، وارتفاع حجم الصادرات التركية الأذرية، وفي المقابل ارتفاع أيضا حجم الصادرات الأذرية إلى تركيا.
وبهذا تُعد تركيا من أكبر داعمي أذربيجان في أزمتها مع أرمينيا، حيث قامت بإغلاق حدودها مع أرمينيا إثر الأزمة بينها وبين أذربيجان عام 1993م، واشترطت تركيا لتطبيع العلاقات بينها وبين أرمينيا، أن يتم تحرير إقليم قره باغ الأذري المحتل من قبل أرمينيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس