محمد عمر زيدان - خاص ترك برس

شهدت الأيام القليلة الماضية زخمًا إعلاميًا غير مسبوق لزيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمخيمات اللاجئين السوريين في تركيا وكانت من أهداف ميركل المعلنة زيادة علاقات التعاون بين الدولتين في مجالات مختلفة على رأسها مسألة اللاجئين الذين يتدفقون إلى أوروبا ولكن الأسباب غير المعلنة كانت اختبار مصداقية تركيا فيما يخص عدد اللاجئين فقد صرحت تركيا بأن لديها أكثر من ثلاثة ملايين ضيف سوري كما يحلو للأتراك بتسمية إخوانهم السوريين وأكثر من 30 ألف عالق على الحدود وأرادت أوربا ممثلة بألمانيا التأكد من صحة هذه الأرقام على أرض الواقع فكان زيارة ميركل ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ونائب رئيس المفوضية الأوربية فرانس تيمر مانس مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إلى مخيم نيزيب للاجئين السوريين في ولاية غازي عنتاب من جنوب البلاد ومع أن ميركل ذهبت إلى مخيم صغير لا يتجاوز عدد قاطنيه خمسة آلاف لكنها عبرت عن دهشتها بكمية الناس وضخامة المخيم على حسب رواية شهود عيان.

وهنا نسأل كيف لو قُدر لميركل زيارة مدينة كلس التي تحتوي ضعف عدد سكانها من اللاجئين السوريين أو زارت أحد المخيمات الكبيرة التي تحتوي على أكثر من 25 ألف ضيف  لكانت النظرة مرعبة ولأعادت المستشارة الألمانية حساباتها ألف مرة قبل أن تنطق ببنت شفة. والحقيقة إن الساسة الأتراك لم يألوا جهدًا في خدمة ضيوفهم السوريين هذا من باب الانصاف من جهة وللأمانة والتاريخ من جهة أخرى، وهذا ما أكده توسك عندما قال "تركيا اليوم أفضل نموذج أمام العالم حول كيفية معاملة اللاجئين لا أحد ينبغى أن يحاضر تركيا بشأن ما يجب أن تفعله".

إلا أنهم بالمقابل استثمروا ملف اللاجئين بطريقة تضمن مصالحهم وتحقق أهدافهم وتطلعاتهم وهذا مما لاشك فيه أمر مشروع فنحن في سورية خير من أدار هذا الملف واقصد ملف اللاجئين الذين وفدوا إلى سوريا سواء اللاجئين الفلسطينيين أو الكويتيين أو العراقيين أو اللبنانيين واستخدم الساسة الأتراك موضوع اللاجئين كورقة ضغط على المجتمع الأوربي بحيث يلزم أوروبا بالإفاء بالتزاماتها تجاه الشعب التركي من رفع التأشيرة والتفكير بجد على ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وإن نكست أوروبا بعهودها فإن تركيا سوف تتنصل من جميع التزماتها وتعطي الحق لضيوفها السوريون بالبقاء في أراضيها أو المغادرة إلى دول الجوار ونحن نعلم إذا أعطي هذا الحق للسوريين فإن معظم السوريون سيغادرون تركيا إلى أوروبا طمعن بحياة أكثر أمن واستقرار ورفاهية.

وهذا سيكون له انعكاسات قوية على أوروبا التي ضجت من استقبال 600 ألف لاجئ سوري وهذا الانعكاسات على كافة النواحي سواء الاقتصادية والثقافية والفكرية والأهم الاجتماعية، وهذه المخاوف استطاع الساسة الأتراك زرعها في قلب  الوفد الأوروبي الزائر الذي سينقل بدوره هذه المخاوف إلى القادة الاوربيين الذين ربما يكون لهم تأثيرا قويا في المشهد الدولي من خلال منظمة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لفرض منطقة عازلة للسوريين تكون أكثر أمانًا.

والحقيقة هذا ما طالب به السوريون عندما قامت ميركل باستطلاع آراء البعض فأكدوا لها أنهم لا ينوون الذهاب إلى أوروبا ولا يحتاجون إلى مساعدات وغذاء وشددوا على أن إخوتهم في الداخل في أمسّ الحاجة إلى هذه المساعدات أكثر منهم بكثير ولكن بحاجة إلى منطقة آمنة وأغلب من سافروا إلى أوروبا كانوا يطلبون الأمن أكثر من أي شيء آخر.

وفي الواقع إن المنطقة العازلة على الرغم أنها مطلب شعبي تكرست في إطلاق المتظاهرين على إحدى ميليونياتهم في 2 كانون الأول/ يناير 2011 جمعة المنطقة العازلة مطلبنا ودولي ثانيًا وهذا ما أكده كل من رجب طيب أردوغان وباراك أوباما وما يسمى بمجموعة أصدقاء الشعب السوري وفشل الكل في إقامة تلك المنطقة التي تحمي أطفال سوريا ونساءها من الطيران والبراميل المتفجرة والحق أحق أن يقال فاستخدام كلمة فشلت كان الأحرى بنا استخدام كلمة أفشلت فأمريكا هي التي أفشلت كل المساعي الدولية منذ اليوم الأول للثورة وحتى اليوم ومن ثم أكملت حليفتا روسيا المهمة ومن بعدها إيران، فقد ثبت بالدليل القاطع بأن العالم لا يريد وقف القتل عن السوريين لأن هذا العالم المتمدن (دركولا العصر) لم يشبع بعد من دماء السوريين لأن لو قُدر لهذه الثورة النصر لتغيرت المعادلة الدولية وانقلبت الموازين الاقليمية وستفقد الكثير من الدول هيبتها العالمية ولهذا نقول أن الثورة السورية هي ثورة أمة وليست ثورة شعب.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس