محمد عمر زيدان - خاص ترك برس
من المسلمات أن من الشرارات الأولى للثورة السورية شرارة حوران، ومن المسلمات كذالك أن حوران كانت وما تزال وستظل إن شاء الله تقاوم الظلم والطغيان وتأبى الذل والإذعان، فلا يمكن لبلد كان من أوائل البلدان السورية التي صدعت بالحرية ومطالبًا بها أن تنطفئ جذوة الأمل في قلوب الحورانيين لمجرد تحكم فئة ممن يسمون أنفسهم قادة وهم من حثالات القوم بمصير الآلاف من أشراف القوم في حوران، فمشايخ حوران الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي في منتصف القرن الماضي ها هم أحفادهم اليوم يقاومون الاحتلال البعثي سائرين على نهج أسلافهم، والحقيقة أنه كان لآل الحريري والرفاعي وكرام العوائل الحورانية موقف مشرف ودور بارز في نصرة إخوانهم المستضعفين في سورية.
ونزولًا عند مقولة القومجية العرب، بأن الشعب العربي شعب واحد تجمعه اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح وبأن دولة عربية واحدة ستقوم لتجمع العرب ضمن حدودها من المحيط إلى الخليج. وهذا ما حاول حكام العرب في منتصف القرن الماضي إقناع الناس به وهذا ما حاول تجسيده حكام مصر بعد ثورة حزيران/ يونيو 1952 فمصر التي كانت عبر تاريخ طويل حافل بالتضحية والفداء ونصرة المظلوم والذود عن حياض العرب وأعراضهم في محافل عديدة ومتنوعة، ولكنهم للأسف ما كان هذا إلا شعارات براقة ومطية يركبونها للتحقيق أهدافهم ورغباتهم الشخصية بعيدًا عن الشعب التواق إلى التوحد.
ولكن للأسف تاريخ الأمس وقوانينه لا تنطبق على هذه الأيام فالنفوس تغيرت والإسلام أصبح له تعاريف كثيرة عند المسلمين وأصبح كل مكون من مكونات المجتمع الواحد يحتكر الحق لنفسه وأضحت العروبة كلمة فضفاضة لم يبق منها إلا الاسم والأخوة كلمة ليست موجودة إلا في العقيدة الإسلامية ولم تعد واقعًا معاشًا والقومية لم تعد موجودة إلا على الأوراق والدروج المقفلة وبهذا أصبحت هذه المصطلحات من مخلفات الماضي السحيق.
ففي الربع الأخير من القرن الماضي وتحديدًا في عام 1973 خاض الجيشان السوري والمصري معركة ضد المحتل الإسرائيلي، وظن العرب في ذالك اليوم بأن هذه الحرب ستكون حربًا شاملة وقاصمة لظهر الكيان الغاصب وستعيد للأمة العربية حقها المغتصب وكرامتها المهدورة في نكسة حزيران على يد نفس القادة، ولكن سرعان ما أدرك العرب أن هذه الحرب التي أُطلق عليها حرب تحريرية ما هي إلا حرب تحريكية لتحريك عواطف الشعوب. وأظهرت الوجه الحقيقي لحافظ الأسد صاحب الخيانات المتعددة وصاحب الحروب الفاشلة ابتداء من حرب حزيران 1967 ومرورًا بأيلول الأسود 1970 وانتهاء بحرب تشرين التحريكية 1973، ولكن من ظن أن الأسد الأب هو النصاب والخائن الوحيد فهو مخطئ إذ وعلى الطرف المقابل بدأت الحرب بعملية نصب سادية، وأوهم السادات السوريين بأنه سيدخل الحرب ويصل إلى المضائق ويخنق إسرائيل ثم يقتلعها، ولكن ظهر فيما بعد أن هذه الخطة كانت فقط للكذب على السوريين لإقناعهم بالدخول في الحرب وكان هدفه تحرير سيناء فحسب ولا يهمه لا الجولان ولا فلسطين، وكان الاتفاق على دخول القوات السورية والمصرية في حرب واحدة متناسقة في التوقيت والأهداف والزمان والمهام وبذالك لا يمكن لجيش الاحتلال محاربة الجيشان على جبهتين مختلفتين وأن استطاع فسوف يشتت قواته ويضعف الروح المعنوية لجنوده، إلا أن خيانة السادات أدى إلى توقف الجيش المصري وجمود الجبهة تسعة أيام وهذا مما سهل على الجيش الإسرائيلي صاحب الإمكانيات الكبيرة والمتفوق في السلاح والجو الانفراد بالجيش السوري وتمزيقه، وبعد مضي الأيام التسعة كان الذي ضرب ضرب والذي هرب هرب وتحرك الجيش المصري في وقت لم يعد يجدي نفعًا، وهذا ما أكده الفريق سعد الدين الشاذلي واضع خطة حرب تشرين ورئيس أركان الجيش المصري حيث قال بدأت الحرب بعملية نصب ساداتية على السوريين.
وبهذا الجمود على الجبهة المصرية استطاعت إسرائيل أن تسحق الجيش السوري ومن ثم تنفرد بالجيش المصري وتحاصر الجيش المصري الثالث ووصلت القوات الإسرائيلية على بعد 35 كم من دمشق و80 كم من القاهرة وهكذا أجبر القائدان العملاقان الأسد والسادات على توقيع اتفاقيات منفردة لوقف إطلاق النار وكانت هذه الاتفاقات أشبه باتفاقيات استسلام.
واليوم يثبت التاريخ صدق نظريته بأن الحروب على مدار الأزمان لا يمكن أن يخسرها أي طرف إلا بالخيانة فالجبهات التي اشتعلت على نظام قاصر دمشق وصبي فارس استطاعت في الأيام الأولى من تحرير أكثر من 60% من مساحة سورية بفضل تكاتف وتكامل كل الجبهات ولكن الأسد وحلفاءه هم من تعلموا من دروس الماضي وخاصة من درس إسرائيل عند ما استطاعت تثبيت الجبهات ومن ثم الانفراد بها وهذا بالضبط ما فعله الأسد حيث قام بتثبيت الجبهات بطريقتين الأولى المصالحات الوطنية وكان عرابها يلد وببيلا وبيت سحم بحيث سنوا في الثورة سنة سيئة والطريقة الثانية تثبيت الجبهات العسكرية وكان عرابها جبهات حوران الذين سنوا السنة السيئة في هذا المنحى بحيث استطاع هذا النظام الخبيث شراء معظم قادة الجبهة الحورانية عن طريق غرفة الموك الصهيوأمريكية عربية وثبتت نظرية "الفلوس تغير النفوس" رغم يقيننا بأن الكثير من شرفاء حوران غير راضين عن قادة الموك ولكن على ما يبدو سيف الموك ماض، وبهذا الجمود على الجبهة الجنوبية استطاع مرتزقة الأسد بالانفراد بجبهات الشمال وتحقيق نصر باسترجاع حلب، وهذا النصر للأسد مرده إلى قادة حوران المسؤولين بطريقة أو بأخرى عن خسارة حلب نظرًا لخنوعهم وعدم تخفيف الضغط عن إخوانهم في الشمال وبذالك اضطرت معارضة الشمال على قبول الهدن مرغمة حفاظًا على أرواح الآلاف من أهلنا في حلب الذين هجروا وشردوا مع مئات الآلاف من هذا البلد.
وسيكتب التاريخ أن أكبر عملية تهجير في التاريخ الحديث هي تهجير العائلة النصيرية لأبناء الشعب السوري وأن الكثير ممن يدعي القيادة في المعارضة ساهم بهذا التهجير والأيام القادمة كفيلة بكشف النقاب وإسدال اللثام عن كثير من الوجوه المقنعة وسيظل أبناء الوطن الشرفاء يقاومون حتى استرجاع جميع الحقوق ومحاكمة ومحاسبة كل من تلطخت يداه بدماء السوريين عاشت سورية حرة موحدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس