د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
قد يكون العنوان غير دقيق للكثير من الناس الذين لا يتابعون مجريات الأحداث بتركيا، ومايجري وراء الكواليس وأورقة الأحزاب وكواليس السياسة ، ولا يقرأون ما بين السطور بدقة وتأني وتمعن.
لكن لا توجد عاصفة بدون مقدمات ولا نار بدون دخان .
تصريحات أحمد داوودأوغلو البارحة في أقصر اجتماع للحزب، الذي لم يستمر سوى لمدة ثمان وعشرون دقيقة ،ألمح وبشكل عاطفي أنه سيرفض أي مقام وأي منصب حتى لا يجرح قلب أي شخص من أبناء العدالة والتنمية.
كان هذا بمثابة اعلان صريح وواضح بأنني لن أكون في مكان إذا كنت غير مرحب ومرغوب به.
أي أنه إعلان استقالة بشكل غير مباشر....وهذا ماحدث هذه الليلة.
جواب رئيس الجمهورية لم يتأخر هو الآخر، وقال في لقاءه مع مخاتير المناطق بأنه على الانسان أن يعرف قيمة المنصب الذي هو به وأن يعرف قيمة الطريق الذي أوصله لهذا المقام .
أي أنا الذي جئت بك لهذا المنصب وأنا الذي اقيلك منه.
هذه التصريحات من الطرفين ،كانت مؤشرا على كبر الشرخ الذي حصل ما بين الرئيس(الريس) والمعلم (الخوجا) وأنه لا بد من وضع حداً سريعا وعلاجاً عاجلا ،وهذا ماكان بالاجتماع العاجل بينهما هذه الليلة ،لتتوالى التطورات السريعة من عقد الحزب لمؤتمر استثنائي، وأن داوودأوغلو لن يكون مرشحاً في هذا المؤتمر ليعلن نهاية حقبة من حياته السياسية التي وضع بصمته في كل مستوياتها ،منذ أن كان مستشاراً للشؤون الخارجية للرئيس رجب طيب أردوغان حتى قيادته الحزب ورئاسة الوزراء.
ماهي العوامل التي أوصلت العدالة والتنمية لهذا الزلزال المفاجئ ..؟؟
بداية لابد من القول أن العدالة والتنمية التركي لم يكن خاليا من المشاكل والتجذابات في كل مراحله الماضية ،وهذه طبيعة الاحزاب الحية والتي تتغير وتكبر وتحاول مجارات كثير من الأحداث المتسارعة وخاصة في بلد مثل تركية ويقع في منطقة لا تعرف الهدوء والاستقرار.
سبق أن أقيل نائب رئيس للوزراء ووزراء ونواب لرئيس الحزب ورؤساء بلديات وكثير من الاعضاء المهمين ،وتم استبعاد وتهميش واضعاف شخصيات أخرى .
لكن كل هذه الأمور كانت تحدث على مستوى أفراد وعلى فترات متباعدة وقوة الحزب وتواجده بالحكم والسلطة وسيطرة وحاكمية رجب طيب أردوغان كانت تمنع هذه الخلافات والانسحابات من التأثير على الحزب ومستقبله وتفككه وتصدعه.
ولكن أيضا هذه المرة الوضع مختلف ولأول مرة يكون الأمر متعلقاً برئيس الوزراء الذي استطاع قيادة حزبه للفوز بالأغلبية وتشكيل الحكومة بمفرده.وكان المشتشار الشخصي والرسمي للرئيس أروغان في طيلة الفترة السابقة.
أهم هذه العوامل هي شخصية الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه ،الذي صرح منذ ترشحه لرئاسة الجمهورية بأنه سيكون رئيساً مختلفاً ،أي أنه سيكون هو الحاكم الفعلي وليس مجرد موقع القرارات الصادرة من البرلمان .وهذا ما كان ...
انتخاب رئيس المجهورية من قبل الشعب ،جعل تركيا قيادة برأسين ،رئيس ذو شخصية لا منافس لها بتركيا ،ومنتخب من قبل الشعب مباشرة ،ومؤسس حزب العدالة والتنمية وثقله الذي لا يناقش على قاعدة الحزب واعضاءه .
وبين رئيس وزراء نجح في قيادة الحزب بأسلوبه المختلف عن خلفه ،واستطاع أن يبني علاقات جيدة مع الغرب ومع معارضيه وألد اعداءه باسلوبه المرن الاكاديمي السلسل.
بداية الخلاف كانت أثناء ترشيحات الاعضاء لخوض الانتخابات وكان محور الخلاف هو ترشح رئيس دائرة المخابرات لخوض الانتخابات البرلمانية ومعارضة رئيس الجمهورية لذلك بشكل علني .
واستمرت بعد انتخابات حزيران حيث كانت وجهة داوودأوغلو لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري ولكن كان للرئيس راي آخر.
اصرار رئيس الجمهورية على إعادة الانتخابات والمخاطرة بخوضها من جديد وعدم تراجعه عن هذا القرار الذي أوصل العدالة والتنمية من جديد للحكم بأغلبية مطلقة وتنفس تركيا الصعداء من جديد. هذا الاصرار ،وهذا النجاح أكد من جديد أن الزعيم الأول وصاحب القرار بدون منازع هو طيب أردوغان . وأن هذا النجاح وهذه الفترة يجب أن تستثمر بشكل جيد وسريع وتحتاج لقرارات جريئة وسريعة .
الخلاف على تشكيل الحكومة وبعض الأسماء التي تم التوافق عليها فيما بعد ،ومهما قيل عن هذا الأمر من أنه طبيعي ويحصل دائما مع تشكيل كل حكومة ،لكن الحالة مع الثنائي أردوغان وداوود أوغلو كان لها وقع آخروهذه هي انعكساته التي نعيشها اليوم.
لكن الذي فجر الخلاف بشكل علني، ربما هو سحب الصلاحية من رئيس الحزب بتعيين روؤساء المناطق والمدن والفروع للحزب ،وحصرها بيد مجلس رئاسة الحزب ،اتي اعتبرها داوودأوغلو بمثابة انقلاب داخلي عليه ولم يستطع تقبلها رغم أنه أول من وقع عليها.
داوودأوغلو الذي قبل رئاسة الحزب وهو يدرك ويعلم قوة وشخصية أردوغان القيادية لكنه ربما توقع أنه سيستطيع تحاشي التصادم خلال تولية منصب رئاسة الوزراء . لكن علما يبدو ان هذا الشكل مع القيادة لا يسلم من سلبياته حتى الأشخاص الذين ينتمون لمدرسة واحدة ويحملون نفس الفكر والعقيدة والمنهج.
الكل بدأ اليوم يتساءل عن الأسم الذي سيخلف داوودأوغلو ،وهل سيؤدي هذا الزلزال لانشطارات بالحزب وانقسامات أم أن أرضية العدالة والتنمية أرض صلبة منيعة على هذه الهزات...؟؟
ليست هذه هي الحالة التي تعيشها تركيا،وقد حذر الجميع من ان تكون عاقبة العدالة والتنمية مثل سابقيه من حزب الوطن الأم وحزب الطريق المستقيم ،والكل راهن على عدم حصول ذلك ،لكن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه
ويبقي السؤال الأهم هو هل ستكون نهاية العدالة والتنمية مثل سابقية أم أن رجب طيب أردوغان الذي استطاع تغير تركيا في العقد الأخير سينجح في نقل تركيا الى نظام رئاسي وعالم جديد؟؟
الأيام القليلة القادمة حبلى بكل المفاجئات...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس