محمد زاهد جول - الخليج أونلاين
جاء إعلان رئيس حزب العدالة والتنمية، الدكتور أحمد داود أوغلو، يوم 2016/5/5 بأن الحزب سيعقد مؤتمراً استثنائياً يوم 2016/5/22 لانتخاب رئيس جديد، وأنه لن يترشح إلى رئاسة الحزب، جاء ذلك بمثابة إعلان استقالة من رئاسة الحزب أولاً، واستقالة من رئاسة الوزراء ثانياً، وبالنظر إلى الفترة القصيرة التي شغل فيها داود أوغلو رئاسة الحزب بعد فوز مؤسسه ورئيسه السابق أردوغان برئاسة الجمهورية التركية بتاريخ 2014/8/10، وكذلك شغله لرئاسة الحكومة بعد انتخابات 2015/11/1 في أكبر نسبة انتخابات برلمانية لحزب العدالة والتنمية وهي 49.5%، وبعد صراع مرير بعد الانتخابات الصعبة في السابع من حزيران 2015، والتي أخرجت حزب العدالة والتنمية عن تشكيل الحكومة منفرداً، كما هي عادته منذ استلام السلطة عام 2002، وما صاحب تلك الانتخابات من تحديات للحزب ورئيسه الجديد داود أوغلو، حتى ظن البعض بأن شخصه أحد أسباب التراجع في تلك الانتخابات، لأن داود أوغلو لم يكن من مؤسسي حزب العدالة والتنمية، ولا من رجاله الأوائل، ولكن عمله الدؤوب ونجاحه الكبير في الأول من نوفمبر 2015 قد غير النظرة إليه، وجعله يتربع على عرش حزب العدالة والتنمية بكل جدارة وثقة، وقد استطاع خلال السنة الماضية من حكمه كرئيس وزراء ناجح أن يحقق الكثير من النجاح الداخلي والخارجي، كان آخرها توقيع اتفاقية اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي، وتحقيق مكاسب للشعب التركي بشموله اتفاقية التأشيرة الشنغن، لم تستطع الحكومات السابقة تحقيقها.
لكل هذه الأسباب كانت فكرة استقالة داود أوغلو من رئاسة الحزب وما سيترتب عليها من استقالة من رئاسة الحكومة التركية مفاجئة للشعب التركي، ولأوساط سياسية داخلية وخارجية، فلم يكن هناك مؤشرات تذهب إلى هذا الخيار قبل يوم واحد فقط، فما الذي حصل؟ وما هي خفايا هذه الاستقالة؟ وهل تركيز داود أوغلو في مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه عن موعد المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية يوم 2016/5/22، وتركيزه على رفض أي إشارة على وجود خلاف بينه وبين رئيس الجمهورية أردوغان، هي بحد ذاتها مؤشر على نوع الخلاف الكبير بينهما، فالموعد قريب جداً، وتركيز أوغلو على عدم وجود أي حقد تجاه رئيس الجمهورية أردوغان هو نوع من الحديث عن طبيعة الخلاف، وأنه مع أردوغان شخصياً، ونفي الشيء هي طريقة في إثباته إلى حد ما، أم أن هناك أسباباً أخرى قد تتضح في قادم الأيام؟ وقبل تاريخ 22 مايو 2016 موعد استقالة داود أوغلو الرسمي من رئاسة حزب العدالة والتنمية، وانتخاب رئيس جديد.
بداية لا بد من القول إن السياسة حمالة أوجه، فقد يعود داود أوغلو عن فكرة الاستقالة، وتعود الأمور إلى مجراها، فإن تم ذلك فهذا مؤشر على أن خلافاً قد زال بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، ومع ضعف هذا الاحتمال أو استحالته فإنه في عالم السياسة ممكن.
أما الاحتمال الآخر فهو أن الخلاف بينهما هو في إدارة شؤون الدولة ومستقبل حزب العدالة والتنمية في طريقة إدارته للدولة، وبالأخص أن التحديات أمام الحزب كبيرة في ظل تراجع دور أحزاب المعارضة التركية أولاً، وفي ظل توقف عملية السلام الداخلي وتحول حزب الشعوب الديمقراطي إلى حزب موال لحزب العمال الكردستاني الإرهابي بشكل كبير وبارز، وبالتالي فإن مشروع رفع الحصانة عن بعض النواب الذين يؤيدون الارهاب، أو لا يستنكرونه قد يؤدي بالحكومة التركية إلى مواجهة تحديات صعبة، ربما لا يجد داود أوغلو أن من الأهمية بمكان التورط فيها في هذه اللحظة، وتركيا في نفس الوقت تواجه تحديات كبيرة من الخارج، وبالأخص على الجبهة السورية أولاً، وجبهة أذربيجان وأرمينيا وروسيا ثانياً، وهذا الاحتمال يعني أن هناك اختلافاً في وجهات النظر بين أردوغان وداود أوغلو في معالجة هذه المشاكل والتحديات، وحيث أن داود أوغلو يعالج هذه المشاكل بثقله البرلماني الحزبي في مجلس النواب، فإن نزع صلاحيات من رئيس حزب العدالة والتنمية قبل شهر في المؤتمر الأخير للحزب، وتحويلها إلى صلاحيات للجنة المركزية، يعني أن أردوغان يريد أن يتحكم بسياسة الحكومة التركية من خلال قوته في اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي فإن داود أوغلو فضل أن يحفظ صداقته مع الرئيس أردوغان والتخلي عن منصب رئيس الحزب، بدل دخوله في معركة الصلاحيات وتكوين جيوب خاصة له داخل الحزب مقابل جيوب أردوغان، أي إن داود أوغلو لا يريد أن يلعب مع رئيس الجمهورية أردوغان سياسة مراكز القوى داخل حزب العدالة والتنمية؛ لأن ذلك سوف يضعف الحزب، حتى لو كان مقتنعاً أن آراءه السياسية هي الأفضل لمستقبل الحزب ومستقبل تركيا، فوحدة الحزب وقوته في نظر داود أوغلو تستحق منه التضحية برئاسة الحزب، وفي ذلك إثارة سياسية لمن يحفظ الود لخمسة وعشرين عاماً مع رفيق الدرب والمشاورة ومواجهة التحديات المشتركة في الليل والنهار، هذا الاحتمال هو الأرجح في ابتعاد أوغلو عن رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة ولكن دون الابتعاد عن حزب العدالة والتنمية، ولا الابتعاد عن مقعده النيابي ممثلاً لحزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي، بل والسير فيه وفق رؤية الرئاسة الجديدة للحزب.
هذا الإيثار الذي قدمه أوغلو من أجل وحدة الحزب وحماية وحدة البلاد والاستقرار للقيادة السياسية في تركيا، هو الذي أقدم عليه الرئيس عبد الله غول من قبل، وهو الذي أقدم عليه بولنت أرينج من مؤسسي حزب العدالة والتنمية ومن نواب رئيس الوزراء أردوغان سابقاً، وغيرهما، فهؤلاء من الرعيل الأول لتأسيس الحزب واستلامه السلطة وتولي المناصب فيه، ولم يظهر من أحد منهم دواعي انشقاق عن الحزب لا بمفرده ولا مع جماعة معه، وهذا الأمر ينطبق على داود أوغلو فهو وإن اختلف مع اللجنة المركزية للحزب في سياسته المستقبلية أو مع سياسة أردوغان، أو أن أردوغان أيد سياسة شخصيات أخرى من داخل حزب العدالة والتنمية أكثر من تأييده لسياسة أوغلو المستقبلية، فإن ذلك دلالة قوة وصحة وسلامة في قيادة الحزب وإدارة قراراته بالتشاور والحوار، حتى لو أدى ذلك إلى تخلي أحدهم عن دوره في السلطة السياسية، كما حصل مع داود أوغلو.
والاحتمال الأخير أن تكون التغيرات القادمة في مجلس النواب بعد رفع الحصانة عن النواب المؤيدين للارهاب، وكذلك القضية الأخرى التي تشغل الشعب التركي والبرلمان أيضاً وهي مسألة تعديل الدستور أو وضع دستور جديد لتركيا الجديدة، وبالأخص في مجال النظام الرئاسي، وعدم قدرة أوغلو على إقناع أحزاب المعارضة على المشاركة في لجنة تعديل الدستور، وبقاء اللجنة من نواب حزب العدالة والتنمية فقط، وتقديمها لمسودة الدستور خلال الأيام القادمة لمجلس النواب، قد تكون كل هذه المسائل من الإشكاليات التي أوجدت تناقضاً في وجهات النظر، وهذا التناقض تولد من التناقض القائم في الدستور الحالي الذي وضعه العسكر عام 1982، حيث أن بعض الصلاحيات عند رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تتناقض مع بعضها، ما لم يتنازل رئيس الجمهورية عن بعض صلاحياته، أو يتم التنازل عن بعض الصلاحيات من رئيس الوزراء، وبالأخص أن التناقض القائم أوجده الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية أردوغان لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية، فأردوغان يرى بأن الشعب التركي عندما صوت لصالح تعديل طريقة انتخاب رئيس الجمهورية عام 2007 بأن تكون مباشرة وليس عن طريق البرلمان، فإن ذلك الاستفتاء كان يعني رغبة الشعب التركي بالنظام الرئاسي أيضاً، وإلا فما معنى انتخاب الشعب لرئيس الجمهورية مباشرة ولا صلاحيات له، أو لا يتحمل مسؤولياته أمام الشعب؟
ومع هذه الاحتمالات فإن الوضع السياسي في تركيا غير مقبل على توتر في المجال السياسي، فمجرد استمرار الرئيس أردوغان في تطبيق صلاحياته الدستورية والقانونية قادرة على حفظ حالة الاستقرار السياسي، والحزب الحاكم متماسك جداً، واستطلاعات الرأي تشير إلى أن شعبية حزب العدالة والتنمية في أعلى مستوياتها عند الشعب التركي وقد وصلت الأسبوع الحالي إلى 55%، وهذا بحكم نجاح سياسات حزب العدالة والتنمية أولاً، وثقة الشعب التركي بحكمة الحزب وقيادته في الرئاسة واللجنة المركزية، إضافة إلى ذلك تردي أوضاع أحزاب المعارضة التركية، فحزب الحركة القومية أمام انشقاق كبير، وتحول قسم منه إلى حزب العدالة والتنمية، ونفس الحال عند حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب الشعب الجمهوري ليس أحسن حالاً، ولعل ردة الفعل الباردة لزعيم المعارضة التركية كلجدار اغلو على فكرة الاستقالة لداود أوغلو دليل على حالة الاستقرار السياسي في تركيا، وأنه ليس لحزب الشعب الجمهوري دور يلعبه في هذا التغيير داخل حزب العدالة والتنمية، فقد كان تصريحه بأنه: "يتمنى أن تكون في هذه الاستقالة ما يفيد تركيا"، ما يعبر عن موقف حيادي.
إن الصورة الإيجابية لهذه الاستقالة بدلالة هدوئها هي بحد ذاتها دليل على أن أهم أسباب الاستقالة هي وجود وجهات نظر عديدة داخل حزب العدالة والتنمية في إدارة شؤون مستقبل تركيا، والدليل على ذلك أن هذه الاستقالة جاءت ورئيس الحزب داود أوغلو في قمة عطائه ونجاحة وقوته داخليا وخارجياً، وبالتالي فإن حزب العدالة والتنمية أمام قيادة تاريخية تحسن انتقال السلطة السياسية بالطرق السلمية والديمقراطية، وإن فيه من يؤثرون على أنفسهم سياسياً ولو كان لديهم رغبة أكبر في خدمة شعبه ودولته وحزبه، حزبه الذي لم يعد حزباً قيادياً في تركيا فقط، وإنما حزباً سياسياً قائداً لمسار النهضة الإسلامية في العالم أجمع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس