محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
بإعلان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الاستفتاء حول بقاء بلاده داخل الاتحاد الأوروبي من عدمه في الثالث والعشرين من يونيو/ حزيران أثيرت الكثير من التساؤلات حوله باعتباره من أهم القضايا المطروحة والتي تحدد مصير بريطانيا المستقبلية بالإضافة إلى تأثيرها المباشر على الاتحاد الأوروبي ومستقبله في حال إقرار الانسحاب البريطاني من عضويتها.
يتسلح رئيس الوزراء البريطاني الذي يتزعم المؤيدين لبقاء بلادهم داخل الاتحاد الآن أمام معارضيه بـ(الوضع الخاص) الذي استطاع انتزاعه في قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل في شهر شباط/ فبراير الماضي، والذي يعفي بريطانيا من الالتزام بأية إجراءات تكاملية بين أعضاء الاتحاد وتخفيف الضغط الأوربي عليها في شأن استفادة المهاجرين من مساعدات الرعاية الاجتماعية على الرغم من أن الوضع الخاص للبريطانيين لم يتطرق بصورة عامة وشاملة إلى الإجراءات المتخذة حول توزيع الحصص من اللاجئين على دول الاتحاد ومن ضمنها بريطانيا ذات الوضع الخاص.
فإذا كانت هذه المتعلقات المطروحة للنقاش آنية وقتية قد لا تستمر كثيرا لكن الأهم والشغل الشاغل للسياسين المؤيدين للقرار والمعارضين في آن واحد هي مسألة الحد من تدخلات الاتحاد الأوروبي في شأن دول الاتحاد وبريطانيا تحديدا وحسب وجهة نظر السياسين البريطانيين، فالمعروف عن البريطانيين والسياسيين منهم على وجه الخصوص عدم استعدادهم إطلاقا لتقبل أية وصايا أو ملاحظات من أي جهة وإن كانت من الاتحاد مجتمعة، وأتت تصريحات أحد قادة الأحزاب البريطانية والذي وصف الاتفاق البريطاني مع الاتحاد بأنه مثير للشفقة دليلا واضحا على البون الشاسع بين العقلية الاستقلالية الخاصة بالمجتمع البريطاني وباقي المجتمعات الأوروبية بالتحديد.
إن المعادلة بين آراء المؤيدين والمعارضين قد لا تعطي أي مؤشرات أمام الباحثين حول استمرار بريطانيا في الاتحاد من عدمه لكن من المؤكد أن جملة من المؤشرات قد ترجح الرأي القائل بإنهاء الوجود البريطاني داخل الاتحاد سواء في الاستفتاء القادم أم في المستقبل القريب في حال عدم الإذعان للضغوطات الأمريكية المؤيدة لاستمرار بقاء بريطانيا كعضو في الاتحاد الأوروبي. ومن أهم هذه المؤشرات:
1- انقسام الحكومة البريطانية نفسها بين مؤيد ومعارض للبقاء وهي السلطة التنفيذية والتي تدرك عن كثب مساوئ وإيجابيات بقاء أو انسحاب بريطانيا من الاتحاد.
2- التخوف من إعطاء الأتراك وضعا خاصا داخل الاتحاد ومن ضمنها رفع تأشيرات الدخول لمواطنيها.
3- رفع شعار (76 مليون تركي على الأبواب) من قبل المعارضين لاستمرار بريطانيا في الاتحاد في حالتي الاتفاق مع الأتراك وبقاء بريطانيا داخل الاتحاد.
4- تعارض تصريحات رئيس الوزراء البريطاني مع مسالة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بين مؤيد لانضمام تركيا وهذا ما حدث عند زيارته لتركيا وهو معارض بشدة لانضمامها في الآونة الأخيرة.
بالمقابل من ذلك فإن كثيرا من التأييد الدولي والضغوطات الاقتصادية قد تجعل كثيرا من الأسباب التي يتشبث بها المعارضون والتي ذكرناها لا أهمية لها في نظر المؤيدين لبقاء بريطانيا ومن أهمها:
1- دعوة الرئيس الأمريكي أوباما لإقناع البريطانيين بالتخلي عن فكرة (البريكسيت) وهو شعار الحملات المؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حفاظا على علاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة وتماسك الغرب.
2- تحذيرات أطلقها ثمانية وزراء خزانة أمريكيون سابقون في رسالة مفتوحة من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون رهانا محفوفا بالمخاطر وتأكيدهم أن بريطانيا قوية ضمن الاتحاد وليس خارجه.
3- تصريحات محافظ البنك المركزي البريطاني والذي أبدى تخوفات جدية وحقيقية حول حالة الغموض التي تحيط نتيجة الاستفتاء والتي تؤثر بشكل جدي على الاقتصاد الوطني وهذا يؤيد كلام رئيس الوزراء الذي أعلن أن خروج بريطانيا من الاتحاد بمثابة القفز في الظلام، وتابع محافظ البنك المركزي البريطاني تخوفاته بالقول:
"إن المخاطر المرتبطة بالاستفتاء تشمل ضغوطا على العجز الكبير في الحساب الجاري لبريطانيا وأسواقها العقارية والسيولة في الأسواق المالية ولها تأثير سلبي محتمل على باقي دول الاتحاد الأوروبي، علما أنه في لندن التي تعد العاصمة المالية الأولى عالميا، تشكل عمليات التداول بالعملات الأجنبية حوالي 41% من إجمالي عمليات التداول في العالم".
والجدير بالذكر أنه يوجد في لندن ما يقارب 150 فرعا لمصارف أجنبية تابعة لـ56 دولة مختلفة، وتغطي 30% من الأصول المصرفية للبلاد.
لكن الذي لا يغيب عن نظر المراقبين ان دعوة كاميرون إلى إجراء استفتاء حول وضع بريطانيا داخل الاتحاد يعطي مؤشرا قويا على تزايد المعارضين لبقاء بريطانيا وجاءت تهديداته حول المستقبل المظلم لبريطانيا في حال انسحابها من الاتحاد يؤكد مدى الضغط الذي يعانيه من أبناء شعبه والذي يطالب بالتخلي عن الاستمرار البريطاني كعضو في الاتحاد، وجاءت تصريحاته النارية غير الملتزمة حول استحالة قبول تركيا كعضو في الاتحاد برهانا أكيدا على مدى تخوفه من وضع بريطانيا داخل الاتحاد وخصوصا أن المطالبات بعدم استمرار بريطانيا تحدث في أثناء ولايته وبالتالي تعكس الوانا من التذمر وعدم الرضا عن سياسته في إدارة شؤون المملكة وخصوصا عدم استطاعته تجاوز الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها بلاده.
هذه من ناحية ومن ناحية أخرى فإن تحويله مسالة بقاء بريطانيا وانسحابه من الاتحاد إلى الاستفتاء هي رمي الكرة إلى ملعب الخصم ليتجاوز كافة منتقديه في حال انسحاب بريطانيا من الاتحاد وحدوث سلبيات نتيجة لتلك الخطوة والتي ربما لم تكن في الحسبان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس