مهميت جتين جوليتش - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
كانت تركيا وروسيا تتجهان نحو شراكة استراتيجية في مجال الطاقة بمشروع محطة الطاقة النووية وخط أنابيب الغاز عندما تغيرت الأمور فجأة في تشرين الثاني/ نوفمبر بعد إسقاط المقاتلات التركية لطائرة حربية روسية على الحدود السورية.
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شديد الغضب، وتعهد بأن روسيا لن تنسى إسقاط الطائرة وقتل الطيار، وأن تركيا ستندم على فعلتها، ولن تفلت من عدد من العقوبات الاقتصادية و"حظر استيراد الطماطم".
وفي أعقاب تهديدات بوتين أوقفت موسكو واردات الخضروات والفواكه التركية، ووضعت قيودا على أنشطة رجال الأعمال الأتراك في روسيا، وقطعت تدفق السياح إلى تركيا، مما أدى إلى انخفاض بنسبة 68% في عدد السياح الروس خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام.
من جانبها أبطأت تركيا مشروعات الطاقة مع روسيا، وتوقف مشروع بناء محطة الطاقة النووية "أك كويو" كما تم تجميد مشروع خط أنابيب الغاز الرئيس الذي تعلق عليه موسكو أهمية كبيرة. وكان مخططا أن يحمل مشروع "السيل التركي" 63 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا سنويا.
وقال جوكهان يارديم الرئيس السابق لشركة الغاز التركية "بوتاش" المملوكة للدولة لموقع المونيتور "إن روسيا تتعرض لضغوط لوضع طريق بديل للغاز إلى أوروبا، نظرا لأنه من المقرر أن تنتهي اتفاقية نقل الغاز مع أوكرانيا في عام 2019".
كان من بين الخيارات المطروحة أمام روسيا مشروع "السيل الجنوبي" الذي يمتد إلى بلغاريا عبر البحر الأسود ومن هناك إلى أوروبا. لكن المشروع فشل في الحصول على موافقة الاتحاد الأوروبي. وفي خطوة مفاجئة في أواخر عام 2014 اقترح بوتين خلال زيارته لأنقرة بديلا هو مشروع السيل التركي. ووفقا لمسؤولين روس كبار كان من المقرر أن يبدأ المشروع في نهاية عام 2017.
في كانون الثاني/ يناير 2015 نصح وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، العملاء الأوروبيين بشراء الغاز من مشروع السيل التركي، مذكرا إياهم بأن اتفاق نقل الغاز مع أوكرانيا سينتهي في عام 2019. وفي الاتجاه نفسه قال رئيس شركة غاز بروم، أليكسي ميلير، إن الوقت بدأ ينفد، وحث المشترين الأوروبيين على سرعة عقد اتفاقات لشراء الغاز عبر تركيا.
كان الحماس الروسي باستبدال تركيا بأوكرانيا واضحا، لكن إسقاط المقاتلة الروسية قضى على المشروع. نفى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التقارير الأولية بأن موسكو هي من علقت المشروع، مؤكدا أنه قرار أنقرة.
وسرعان ما بدأت المواجهة في العلاقات الثنائية تصيب الاقتصادين الروسي والتركي، واستياء الشعبين. عانت تركيا من خسائر كبيرة في مجال السياحة والصادرات، في حين تواجه روسيا خطر فقدان الشريك الاستراتيجي في مشروعات الطاقة العملاقة. ومع تعرض روسيا لضغوط تأمين بديل للطريق الأوكراني، فإن الوقت ليس في صالحها.
ومن هنا يمكن أن يأتي دور الدبلوماسية. ويبدو أن القول المأثور "لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون في السياسة" بدأ في العمل يوم 28 أيار/ مايو الماضي، عندما بعث بوتين رسالة رقيقة إلى تركيا خلال زيارته للجارة اليونان، مؤكدا أن روسيا لم تفكر مطلقا في الذهاب إلى الحرب مع تركيا. وقال بوتين "آمل ألا تصل بنا الأمور إلى هذا الحد أبدا. ولكن ما حدث قد حدث. لم يقتصر الأمر على طائرتنا التي أسقطت بل قتل طيارنا أيضا، وهذا يعد جريمة حرب في القانون الدولي. تلقينا بعض التفسيرات، لكن لم يصلنا اعتذار. نريد تحسين العلاقات، ولم نكن نحن من أفسدها. الكلمات لا تكفي ولا بد من الفعل. نحن على اتصال مع تركيا، ونتوقع بعض الخطوات الأساسية، لكنهم لا يقومون بالخطوات التي ننتظرها".
وردا على تصريحات بوتين استخدم الرئيس أردوغان نبرة أكثر ليونة، مع أنه قال إنه لا يعرف ما تتوقعه موسكو. وقال أردوغان في حديث له قبل سفره في جولة إلى أفريقيا في الأسبوع الماضي: "لدي صعوبات في فهم ماهي الخطوة الأولى التي ينتظرونها؟ نحن لسنا البلد الذي يجلس في كرسي المتهم، ونحن لا نريد الخصام مع روسيا، على العكس، نحن دولة تريد تطوير العلاقات مع روسيا. لقد كنا أصدقاء مع بوتين، وعندما يقوم بوتين بالتضحية بدولة كبيرة مثل تركيا بسبب طيار أخطأ أو أي سبب آخر، فإن ذلك يدعو للتفكير. نحن بحاجة إلى بذل جهود لتحسين العلاقات مع روسيا من جديد. آمل أن يتم التغلب على هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن، وسوف تستمر تركيا وروسيا في المضي قدما مثلما فعلا طيلة العقد الماضي".
ووفقا للصحفي التركي نيردون هاجي أوغلو، المراسل المخضرم لصحيفة حرييت في موسكو، فإن بوتين غمز في تصريحاته في أثينا إلى أنقرة، وهو ما فسره نيردون بالعوامل التالية: رحيل رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو الذي حملته موسكو مسؤولية إسقاط الطائرة، واستبداله ببن علي يلدرم الذي سارع بالتعبير عن الرغبة في رأب الصدع مع موسكو، والأثر السلبي لخروج رجال الأعمال الأتراك من روسيا، ورغبة موسكو في إنقاذ المشروعات العملاقة مثل محطة أك كويو للطاقة النووية وخط أنابيب السبل التركي.
لن يكون مفاجئا أن يعاد طرح مشروع السيل التركي في المستقبل القريب. وحقيقة أن بوتين نقل رسالته إلى تركيا من أثينا يجعل ذلك أكثر وضوحا، بالنظر إلى أن روسيا واليونان توصلتا إلى اتفاق بينهما على نقل شحنات الغاز إلى أوروبا. لكن جلب الغاز إلى اليونان يحتاج إلى طريق عبر تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس