جلال سلمي - خاص ترك برس
ذاع صيت رئيس حزب الشعوب الديمقراطي "صلاح الدين دميرطاش" مؤخرًا كأحد أهم الساسة ذوي المؤثرين بشكل ملحوظ ليس على الساحة التركية حصرًا بل على الصعيد الإقليمي كذلك، وعلى الرغم من الصعود السريع لدميرطاش على الصعيد السياسي، إلا أن هبوطه كان بوتيرة أسرع وأكبر. والسؤال هنا من هو دميرطاش؟ وكيف تمكن من تحقيق النجومية السياسية بسرعة؟ وفي نفس الوقت كيف هبط اسمه المؤثر سياسيًا بهذه السرعة الفائقة؟
صلاح الدين دميرطاش
هو من أبرز القادة السياسيين الشباب على الساحة التركية. ولد دميرطاش في مدينة إلازغ جنوب شرق تركيا في 10 نيسان/ أبريل 1973، وسط عائلة من أصل كردي ظاظا متوسطة الحالة المادية، وكان والده يملك متجرًا لبيع الأدوات الصحية، وكان والدته ربة بيت.
عقب تخرجه من الثانوية العامة عام 1990 انتقل إلى مدينة إزمير للالتحاق بجامعة 9 أيلول بقسم إدارة الملاحة البحرية، لكنه لم يكمل تعليمه في ذلك القسم وترك الجامعة عام 1993، ليتسنى له تجهيز نفسه من جديد لاختبار دخول الجامعة، رغبةً منه في إكمال تعليمه في كلية الحقوق، وتمكن في ذلك العام من الالتحاق بكلية الحقوق التابعة لجامعة أنقرة.
أنهى دميرطاش مشواره التعليمي عام 1999، وبدأ حياته العملية كمحامي، وفي عام 2000 دخل مجلس إدارة نقابة ديار بكر لحقوق الإنسان. في عام 2004 عمل رئيسًا لأحد أفرع النقابة في مدينة ديار بكر.
ذهب لأداء خدمة الجيش عام 2006، وعقب عودته مطلع عام 2007 افتتح مكتبًا للمحاماة، ولكنه لم يستمر طويلًا في عمله كمحامي إذ دخل الانتخابات البرلمانية كمرشح مستقل عن مدينة دياربكر وحصل على نسبة الأصوات الكافية لدخوله البرلمان كنائب، وفي ذلك التاريخ بدأت المسيرة السياسية لدميرطاش.
بعد خروج الأخ الأكبر لدميرطاش "نور الدين دميرطاش" من السجن عام 2004، انضم إلى حزب المجتمع الديمقراطي الكردي وأصبح نائب رئيس الحزب في شباط/ فبراير من عام 2007، وبعد فترة وجيزة تولى رئاسة الحزب، وعمل نور الدين على إعلاء شأن أخيه صلاح الدين داخل الحزب من خلال جعله رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، ولكن الحزب أُغلِق من قبل المحكمة العليا بذريعة دعمه للإرهاب سياسيا، وسُجِن خمسة من قادته 5 سنوات.
قرّر دميرطاش وثلة من زملائه تأسيس حزب السلام والديمقراطية، وفي الانتخابات الداخلية الأولى لاختيار رئيس الحزب، والتي عُقدت بتاريخ 1 شباط 2010، تم اختيار دميرطاش رئيسًا للحزب بأغلبية ساحقة، وقد بدأت مرحلة الصعود السياسي لدميرطاش بعد توليه زعامة حزب السلام والديمقراطية، إذ لعب دورًا هامًا في تمهيد عملية السلام الداخلي بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني المسلح.
اتجه دميرطاش عام 2012 لتجميع الأحزاب الكردية تحت إطار سياسي واحد، وبعد سلسلة من المفاوضات دُمجت جميع الأحزاب والشخصيات السياسية الكردية تحت إطار حزب الشعوب الديمقراطي، وفي الثاني والعشرين من حزيران/ يونيو 2014، تم اختيار دميرطاش و"فيغان يوكسك داغ" لزعامة الحزب بشكل مشترك، وإلى الآن ما زالا يشغلان نفس المنصب.
صعود اسم دميرطاش
في الحقيقة يتمتع دميرطاش بميزتين فريدتين يختلف بهما عن الساسة الأتراك الآخرين، هما:
ـ الصعود السريع على صعيد الساحة السياسية، إذ دخل السياسة عام 2007 وبحلول عام 2014 أصبح زعيمًا لأكبر حزب سياسي كردي في تركيا.
ـ تولي مناصب قيادية في سن الشباب، حيث تكاد تخلو الساحة السياسية التركية من شخصيات تولت رئاسة الكتلة البرلمانية وزعامة حزب سياسي في هذا السن.
لمع اسم دميرطاش على الساحة السياسية لتركيا قبل دخوله البرلمان التركي بعام أي عام 2006، حين صرح، في لقاء تلفازي له على قناة "روج" الكردية، بأنه "يجب إعادة تقييم دور زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في السجون التركية فيما يتعلق بحل المشكلة الكردية"، هذه الجملة عرضت دميرطاش للمحاكمة، ولكنها في نفس الوقت شكلت الدرجة الأولى لعتبات صعود بريقه السياسي.
ويمكن اختصار العوامل التي ساهمت في رفع اسم دميرطاش على الساحة السياسية التركية بسرعة فائقة منذ عام 2006 وحتى عام 2015 على النحو الآتي:
ـ الحدث الإعلامي: كان دميرطاش أول من تجرأ على طرح اسم عبد الله أوجلان لحل المشكلة الكردية، حيث طرح الاسم في وقت كان فيه مجرد النطق باسم أوجلان من المحرمات، هذه الجرأة وما صاحبها من زخم إعلامي ضخم جعلا اسم دميرطاش من أكبر الأسماء السياسية الكردية في تركيا.
ـ منصب أخيه السياسي: كما أسلفنا؛ ساهم أخوه نور الدين في رفعه سياسيا بشكل كبير، حيث نصبه رئيسًا للكتلة البرلمانية ومن ثم جعله نائبًا له، الأمر الذي جعله الخيار الأول لزعامة حزب المجتمع الديمقراطي خلال فترة قياسية عجز وما زال يعجز عن إحرازها الكثير.
ـ دوره المحوري في عملية السلام الداخلي: لعب دميرطاش دورًا محوريًا في إجراءات عملية السلام منذ عام 2009 وحتى انهيارها عام 2015، حيث أولت الحكومة التركية له أهمية سياسية عالية ساهمت هي أيضًا برفع اسمه على الساحة السياسية.
ـ قوة حجته وحنكته السياسية: لا أحد يستمع لحديث أو خطاب دميرطاش وينكر حنكته السياسية وقوة كلماته المنتقاة لإقناع الطرف المقابل له، ومن الممكن اعتبار توجه العديد من الشباب "الأتراك" لانتخابه من الدلائل القوية على قدرته لإقناع ليس فقط القومية الكردية بل أطياف أخرى من الشعب التركي. ويرى العديد من الشباب الأتراك الذين يشهدون له بحنكته السياسية وقوة طرحه، أنه لو كان يحمل فكرًا مختلفًا عما هو عليه الآن لكان المنافس الأول لأردوغان على الساحة السياسية من حيث الكاريزما والخطابة المتمكنة.
ـ استغلاله من قبل العلمانيين واليساريين: في الحقيقة عملية الاستغلال كان متبادلة، حيث استغل العلمانيون واليساريون دميرطاش إبان انتخابات 7 حزيران/ يونيو، لإظهاره كمنافس قوي لحزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ عام 2012، وتم تسخير كافة وسائل الإعلام اليسارية والمهرجانات الانتخابية الميدانية لصالح دميرطاش، وقبل الأخير بذلك رغبةً في إعلاء نسبة أصوات حزبه في البرلمان.
تسليط الأضواء الإعلامية على دميرطاش لم يساهم في صعود اسمه على الصعيد المحلي فقط بل على الصعيد الإقليمي والدولي أيضًا، حيث أصبح اسمًا يتردد في العواصم الكبرى وفي وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية.
الهبوط الأسرع لدميرطاش
صعد دميرطاش إلى قمة الميدان السياسي لعدة عوامل ارتبط بعضها بالصدفة والبعض الآخر بقدراته السياسية، ولكن فترة مكوثه على القمة لم تستمر طويلًا، إذ بدأ بالسقوط بعد انتخابات 1 تشرين الثاني/ نوفمبر، وأصبح من النادر ورود اسمه على وسائل الإعلام بعدما كان البطل السياسي الأول لها، وذلك لعدة عوامل أهمها:
ـ انهيار عملية السلام: قَبِل الكثير من المواطنين الأتراك دميرطاش على أنه صاحب دور كبير في حقن الدماء في تركيا، ولكن عقب انهيار عملية السلام واتجاهه لدعم تحركات حزب العمال الكردستاني سياسيًا وإعلاميًا بدأت موجة سخط بين المواطنين ضدّه، وقد ظهر ذلك من خلال عدد من الحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمظاهرات التي نددت بما يقوم به دميرطاش وحزبه.
ـ الحملة الإعلامية: يُعد حزب العدالة والتنمية من أنجح الأحزاب السياسية من حيث استخدام وسائل الإعلام بكافة أنواعها في تركيا، إذ بعد صعود دميرطاش إلى القمة، شنّ عناصر حزب العدالة والتنمية حملة إعلامية مضادة له، وتم كشف حقيقة توجه دميرطاش الداعم للانقسام الذاتي الذي ينادي به حزب العمال الكردستاني، وساهمت أخطاء دميرطاش المتكررة في مد الحملة الإعلامية بالكثير من المواد المضرّة بمشواره السياسي، وكان أكبر هذه الأخطاء تأكيده على عدم استعداده للتعاون مع حزب العدالة والتنمية بعد انتخابات 7 يونيو، وهذا ما تم تناوله على أنه انقلاب سياسي واضح على عملية السلام الداخلي التي يسعى حزب العدالة والتنمية لإرسائها في تركيا.
ـ دعم التحركات المضادة لتركيا: وصلت حدة معارضة دميرطاش لحكومة حزب العدالة والتنمية إلى دعم كافة التحركات المضادة لتركيا، حيث أكد دعمه لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، ودعم الاتهامات الإعلامية الدولية لتركيا بدعم داعش وتمويلها، وزار روسيا عقب الأزمة السياسية التي ظهرت بينها وبين تركيا، وحمّل الحكومة التركية مسؤولية تدهور العلاقات. هذا الموقف من دميرطاش كان القشة التي أوقفت صعوده وحوّلته إلى هبوط، حيث زادت حدة السخط الشعبي على توجهه وتصريحاته، واتجهت الحكومة لرفع الحصانة البرلمانية عنه وعن بعض زملائه في الحزب، وبدأت الكثير من وسائل الإعلام تتجنب إظهاره كبطل كما في السابق، لتجنيب نفسها المقاطعة والغضب الشعبيين والمساءلة القانونية الممكنة، حسب ما يشير الباحث السياسي "أوميت فرات" في مقاله "دميرطاش ما بين الصعود والهبوط"، الجزيرة ترك 10 يونيو 2016.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!