محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
قمة بوتين وأردوغان
تبدو القمة التركية الروسية المرتقبة يوم التاسع من آب/ أغسطس قمة عالمية بسبب أهميتها التاريخية وتوقيتها فهي أول قمة بعد انتهاء مهرجان دعم الديمقراطية والشرعية في تركيا وهي في الوقت نفسه أول قمة بين دولتين لهما اهتمام مشترك في الشأن السوري بعد فتح الحصار عن حلب والذي يعد بداية للانتصارات التي تحققها المعارضة السورية رغم كل الدعم المقدم للنظام السوري من قبل الروس والإيرانيين ومليشيات حزب الله اللبناني. لكن من البديهي القول إن القمة الروسية التركية قد أعد لها مسبقا قبل هذه الأحداث ولكن هذه التطورات الميدانية في الشأنين التركي والسوري تؤثر بشكل مباشر وجدي على سير المحادثات المرتقبة.
تتطلع القيادتين التركية والروسية إلى بناء أوثق العلاقات الاقتصادية والسياسية بل هناك رغبة حقيقية إلى تطويرها وجعل سقف هذه العلاقات أعلى من تلك التي كانت عليها قبل قطعها بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل المقاتلات التركية وخصوصا بعد اللغط الذي حصل حول انتماء الطيار التركي الذي أسقط الطائرة الروسية لجماعة غولن التي دبرت الانقلاب، وهذه وإن كانت قد ظهرت بعد سعي القيادتين إلى إعادة العلاقات الطبيعية لكنها تعطي دفعا جديدا لتطوير العلاقات الثنائية فهي تبرّئ ساحة الأتراك من الأقوال التي سادت والتي تعالت في حينها بأن القيادة التركية قد أذعنت إلى مطالب الأمريكان بإسقاطها.
والسائد أن الأتراك والروس سيسعون وبإصرار إلى أن تكون هذه القمة تاريخية بالنسبة إلى تطلعات الشعبين التركي والروسي من خلال عدم فسح المجال للعوامل الخارجية من أن تكون حجرة عثرة تمنع تحقيق أهداف هذه القمة، وبالنسبة للروس فهم سيسعون إلى تجنب هذه الاصطدامات مع الجانب التركي في اللقاء الأول وخصوصا في المسألة السورية، وبالرغم من أن الروس قد خسروا أولى معاركهم وأقواها على جبهة حلب، ولكن لا أظن أن الرئيس أردوغان سيسعى إلى جعلها ورقة ضغط في المفاوضات التركية الروسية حول الشأن السوري باعتبار أن الروس هم من سيتصرفون حول هذه المعطيات على أنها بديهة لا يجب نكرانها في القمة، فلا خلاف في أن الرئيس التركي سيعرض من جديد مسألة إقامة منطقة آمنة وعازلة في الشمال السوري أثناء المحادثات باعتبارها قضية إنسانية بحتة - ومن المعلوم أن فكرة إقامة المنطقة الآمنة والتي دعا إليها الرئيس التركي مرات عديدة كانت تجابه برفض الجانب الروسي سابقا، وآخر دعواته لإنشاء المنطقة الآمنة كانت قبل فتح الحصار عن حلب بساعات قليلة وأثناء قيام المعارضة السورية بشن الهجوم الموحد لفك الحصار عن حلب.
ولكن ربما يكون الجانب الروسي أكثر ميلا إلى القبول بالمقترح التركي حول إقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري وخصوصا أن مسألة إقامة المنطقة نابعة من الحاجة الإنسانية لها وهذه الفكرة ربما تكون مدعومة من الغرب أيضا بعد تعثر المفاوضات التركية الأوروبية حول قبول اللاجئين السوريين.
تكمن أهمية إقامة المنطقة العازلة إضافة إلى كونها مسعى إنساني في أنها ستكون أولى الخطوات التي تنهي الصراع السوري فهي ستكون أقوى ورقة ضغط على النظام بالقبول بالحلول الأممية لحل المشكلة السورية برمتها بل وتنهي التحالفات الإقليمية الداعمة للنظام باعتبار أن باقي الحلول المطروحة سيكون أساسها نابعًا من الحاجة الإنسانية لإقامة منطقة آمنة للمدنيين.
أما الجانب الروسي فينظر الآن إلى إقامة منطقة آمنة قد تحقق له بعض الأهداف دون المساس بكبرياء الدولة الروسية العظمى وتعتبر أولى الحلول التي تؤدي بها إلى التنصل من المسألة السورية بعد أن أدركت غاية الغرب والأمريكان من إغراق الروس عنوة في المستنقع السوري، فهي الآن تسعى إلى إنهاء وجودها وإنهاء التدخل العبثي في الشأن السوري ولكن بنفس الوقت تصر على منع أمريكا والغرب من جني ثمار تدخلها في سوريا فيما لو انسحبت دون التوصل إلى بعض الاتفاقيات والتي من شأنها الالتفاف حول المساعي الغربية لجني الغنائم التي خلفتها الماكنة العسكرية الروسية وكما أسلفنا، لذا فهي قد أصبحت الآن أكثر قناعة أن تدخلها في الشأن السوري كانت بالتواطؤ الإيراني الغربي لجرها لمزيد من الهزائم وإبعادها عن ساحة أوروبا الشرقية وأوكرانيا تحديدا لأن من المعلوم أن الأراضي الأوكرانية كانت ضمن الاتحاد السوفيتي والتابعة للكرملين والانتصارات المتلاحقة فيها ستؤدي إلى استرجاع هيبة الدولة الروسية والسوفيتية إلى سابق عهدها بعكس سوريا التي لا بد للروس من الخروج منها دون تحقيق أية أهداف جراء تدخلها، لذا فإن الغرب الذي يفرض مزيدا من العقوبات على موسكو يصرعلى أن هذه العقوبات هي جراء تدخلها في شؤون أوكرانيا وليس للقضية السورية أي أهمية بالنسبة لها وبصريح العبارة فهي تجر موسكو إلى مزيد من التدخل في الشأن السوري لإعاقتها عن تحقيق أهدافها في أوكرانيا.
يضاف إلى ذلك أن شهر العسل الإيراني الروسي وهما الحليفان للنظام السوري يوشك على الانتهاء بعد استطاعة الغرب وأمريكا تحييد الدور الإيراني ومنعها من إقامة علاقات مثلى مع الروس وإدراكا من الروس أن علاقاتهم مع إيران هي من الأخطاء الاستراتيجية في السياسة الخارجية الروسية لأن إيران كانت وما زالت تتصدر الاهتمام الأمريكي بل إنها تتكافأ مع إسرائيل في الأهمية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية وأوروبا الغربية بصورة عامة.
وهناك بطبيعة الحال أهمية أخرى لخروج روسيا من سوريا وتأييدها لنظام بشار الأسد بل ودعمه أيضا ألا وهي رغبة الجانب الروسي بإقامات أفضل العلاقات مع الدول التي تؤيد المعارضة السورية ومنها المملكة العربية السعودية ودولة قطر، لأن الروس أبدوا قلقا حقيقيا من تردي هذه العلاقات وتأثيره المباشر على الشأن الروسي اقتصاديا.
وأخيرا فإن صمود الأتراك وصدهم الانقلاب واستطاعتهم المحافظة على اقتصاد بلادهم وتجاوز الأزمة الاقتصادية التي أريد لها أن تحصل جراء الانقلاب تدفع بالجانب الروسي إلى توقيع مزيد من الاتفاقيات الاقتصادية مع تركيا وهذه تتطلب مزيدا من التفاهمات السياسية حول مجمل القضايا الخلافية بينها وبين تركيا ومن أهم القضايا العالقة بين الدولتين هي اختلاف وجهات النظر حول المستقبل السوري.
وفي الوقت الذي نؤكد فيه أن الروس والأتراك لم يكونوا على استعداد لقطع علاقاتهما الاقتصادية وهي آخر ما كانوا يتمنونه ولكن حصل الذي ليس بالحسبان، وربما تكون استعادتها في هذا الوقت بالذات ولقاء القمة من مصلحة الشعبين وشعوب المنطقة عموما.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس