جلال سلمي - خاص ترك برس
أثنى رواد حزب العدالة والتنمية وحكومته كثيرًا على فتح الله غولن وجماعته حتى مطلع عام 2012. إلا أن عام 2012 وما تبعه من أعوام شهد تغيّرًا جذريًا في الحوار السياسي والإعلامي المتبادل بين الطرفين.
تدفع هذه المعادلة القائمة على ما قبل 2012 وما بعده الكثير من المتابعين للشأن التركي للتفكير بعمق عن الأسباب التي صدفت حكومة حزب العدالة والتنمية عن إيقاف عملية تغلغل جماعة غولن قبل أن تُشكل خطرًا جسيمًا على تركيا.
يحق لمن يرى الثناء المتبادل بين الحكومة وجماعة غولن ما قبل 2012 طرح هذا التساؤل العاطفي، ولكن إلى جانب هذا التساؤل العاطفي لا بد من الإصغاء إلى المعطيات العقلانية الواقعية البراغماتية التي رسمت قواعد الالتحام الوطيد بين غولن وحكومة حزب العدالة والتنمية لسنوات طويلة.
قبل طرح بعض العوامل التي جمعت بين الطرفين وحالت دون قدرة حكومة حزب العدالة والتنمية على التخلص من غولن، تجدُر الإشارة إلى السبب الرئيس في اشعال فتيل الصراع بين الطرفين هي محاولة اعتقال رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية "هاكان فيدان" الذي يُعتبر الذراع الأمني الأول لتركيا، بتاريخ 7 فبراير 2016.
أما العوامل التي أخرت حكومة حزب العدالة والتنمية عن القضاء على جماعة غولن قبل ذلك:
ـ انعدام الخيارات لدى حزب العدالة والتنمية: تولى حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم عام 2002 في تركيا التي تعاني من الوصاية العسكرية للجيش، والفساد الإداري الذي تلعب الدولة العميقة المتوغلة داخل أذرع الدولة والمتعاونة مع المافيا الدور الأساسي فيه.
بالرغم من تحصين حزب العدالة والتنمية لنفسه ببعض المؤسسات الحكومية المدنية، كالبلديات والوزرات وبعض المؤسسات الأخرى، ومنظمات المجتمع المدني والقاعدة الشعبية القوية عبر حملاته الإعلامية القوية، إلا أن قادته كانوا على يقين بأن حزبهم الذي أمسى القوة السياسية الأولى في الدولة، ما زال عاريًا أمام القوى الأخرى المتشعبة داخل مؤسسات الدولة.
لم يجد حزب العدالة والتنمية حينئذ سوى جهازي الشرطة والقضاء للاتكاء عليهما في تطهير الدولة من براثين الدولة العميقة، والجنرالات العسكرية الخطيرة التي تشكل تهديدًا للانقلاب على حكومته، والداء البيروقراطي الذي يُعيق تحقيق خططه السياسية والاقتصادية والاجتماعية التقدمية بشكل سريع.
تزامنًا مع تولي حكومة حزب العدالة والتنمية لمقاليد الحكم، كانت جماعة غولن قد حققت نفوذًا ملحوظًا في مؤسستي الشرطة والقضاء. اتجهت جماعة غولن من خلال نفوذها في القضاء والشرطة إلى فتح ملفات قضيتي "أرغينيكون" و"باليوز" أو "المطرقة اللتان عادا على حزب العدالة والتنمية بالثمار اليانعة، إذ طالت هاتان القضيتان العديد من الشخصيات العسكرية وشخصيات الدولة العميقة والمافيا التي اتضح أثناء التحقيقات أنها بصدد الانقلاب على حكومة حزب العدالة والتنمية بحلول 2009. فرحة حزب العدالة والتنمية بهذه الفرحة حينذاك لا توصف، الأمر الذي دفعه لاختيار الشرطة والقضاء للعمل المشترك ضد التهديدات الداخلية التي تحيط به، فأعطى جماعة غولن صلاحيات واسعة للتحقيق والاعتقال تحت اسم "المحاكم ذات الصلاحيات الخاصة"، ومضيا معًا نحو تحقيق المصلحة المشتركة المتمثلة في التخلص من العناصر المتغلغلة داخل الدولة.
ـ التقاء المصالح: حزب العدالة والتنمية يهدف إلى إيجاد حاضنة أمنية قوية لتطهير الدولة من التهديدات التي يمكن أن تزيحه عن الحكم في كل لحظة، أما جماعة غولن فتريد التخلص من الجماعات المتغلغلة لتحل محلها. الطرفان البراغماتيان جمعتهما المصالح المشتركة، فانطلقا معًا لتحقيق الغاية المشتركة، إلا أن تنافرت مصالحهم فيما يتعلق بالسيطرة على جهاز الاستخبارات القومية، فبينما حكومة حزب العدالة والتنمية احكمت سيطرتها على الجهاز من خلالها رجلها "هكان فيدان"، لمست جماعة غولن التخلص من سيطرة حكومة حزب العدالة والتنمية، للامساك بأخطر جهاز يمكن له أن يسقط أقوى حكومة بالمؤامرات التي يمكن أن ينصبها لأي شخص يريده بسهولة، لكن حكومة حزب العدالة لم تكن غافلة، إذ من خلال احكام سيطرتها على الشرطة الخاصة استطاعت انقاذ فيدان من الوقوع في أيدي شرطة غولن.
ـ خداع جماعة غولن لحكومة حزب العدالة والتنمية: تمثل هذه النقطة رؤية حكومة حزب العدالة والتنمية التي أكّدت على أن تقربها من جماعة غولن كان بدافع الصورة الدينية للأخيرة، ولم تكن تعلم الحكومة مطلقًا بمسعى جماعة غولن لفرض سيطرة كاملة على الدولة.
من الصعب تناول نقطة الانخداع بالتوقعات، ولكن يمكن القول إن حكومة حزب العدالة والتنمية نجت من مؤامرات جنرالات الجيش والدولة العميقة عام 2007، من خلال قضيتي الأرغينيكون والمطرقة، إذ تمكنت من خلالهما اعتقال عدد كبير من الشخصيات المخطط للانقلاب وفتك مجموعات كبيرة من خلايا الدولة العميقة، بمعنى كان يمكن لحكومة حزب العدالة والتنمية نحو طريق التخلص من جماعة غولن ما بين 2007 إلى 2008، أي بعد التخلص من التهديدات الأخرى، ولكنها لم تقوم بذلك، ربما حفاظًا على جميل الجماعة في مساندتها ضد الأطراف التي كانت تُشكل خطرًا محدقًا على وجودها.
حاولت حكومة حزب العدالة والتنمية الابتعاد عن الاحتكاك بجماعة غولن ما قبل 2012، كمؤشر لشكرها على وقوفها إلى جانبها، إلا أن تمادي جماعة غولن في سعيها للسيطرة على مؤسسات الدولة قطع الحبل الرابط للشريكين اللذَين أصبحا، الآن، العدوين اللدودين لبعضهما البعض.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس