نشأت شوامرة - خاص ترك برس
شكل الزحف التركي على مدينة جرابلس السورية بمساندة أطراف من المعارضة السورية المسلحة نقطة لافتة في شكل الصراع في الشمال السوري بل في سوريا كلها بما فرضه من قواعد اشتباك جديدة على التنظيمات الفاعلة على الأرض ومعادلات جديدة مع الدول الداعمة لتلك الأطراف.
مدينة جرابلس السورية التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في كانون الثاني/ يناير 2014 تقع على الحدود مباشرةً مع تركيا شمال شرق مدينة حلب على الضفة الغربية لنهر الفرات مُشكلةً بذلك ملتقى أهداف قوى عديدة في الصراع الدائر في سوريا إذ تعتبر نقطة انطلاق مهمة بالنسبة للجمهورية التركية في جهدها لمنع تمدد الأكراد غربي نهر الفرات وامتلاكهم مفاتيح قيام كيان سياسي ما وكذلك لمنع تكرارا ما حدث في مدينة منبج الاستراتيجية التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية مؤخرًا من تنظيم الدولة الإسلامية في إطار زحفهم على طول الحدود في الشمال السوري وكذلك تحظى باهتمام تنظيم الدولة بوصفها منطقة جبهة مع أعداء التنظيم، هذه الأحداث المتسارعة سيكون لها أثر مهم على مصالح الدول في المنطقة وتحالفاتها ومن هنا تنبع أهمية دراسة ما حدث في جرابلس وسيناريوهات المستقبل بعد عملية "درع الفرات" التركية.
في الرابعة فجرًا من يوم الأربعاء الماضي بدأت القوات الخاصة التركية بدخول مدينة جرابلس متبوعةً بدبابات الجيش التركي ومدعومة من الطيران التركي الذي يدخل الأجواء السورية لأول مرة منذ أزمة إسقاط الطائرة الروسية وكذلك مدعومةً من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في ظل مباركة ودعم أمريكي وقلق روسي لا يصل مستوى الرفض.
وتتلخص الأهداف التركية في مدينة جرابلس السورية بشكلها المباشر في ضرب تنظيم الدولة الاسلامية وطرده من المدينة الواقعة على حدودها مع سوريا كجزء رئيس من تأمينها لحدودها لا سيما وأن تركيا عانت وقد تعاني مستقبلًا من إجرام التنظيم وعملياته الانتحارية، وربما تشير هذه العملية إلى رغبة تركيا في قطع الطريق أمام أي كيان كردي في الشمال السوري قد يؤثر على التوازنات العرقية والسياسية داخل الدولة التركية فلقد عملت أنقرة من خلال عملية درع الفرات على الوصول إلى جرابلس قبل القوات كردية (قوات سوريا الديمقراطية) خاصةً بعد سيطرة الأخيرة على مدينة منبج المهمة وبداية زحفها غربي الفرات، ما دفع الأكراد لتدشين عملية درع الفرات لصنع حاجز أمام طموحات الأكراد ولدعم حلفاء أنقرة من المعارضة ولإضعاف قوة تنظيم الدولة كذلك.
وتبدو هذه العملية مختلفة عما جرى في فبراير الماضي حين قصف الجيش التركي مجموعات القوات الكردية المتمركزة على أطراف مدينة إعزاز السورية والذي تبعه رفض أمريكي ودعوة لتوقف أنقرة عن قصف الشمال السوري إذ تشير التحولات الاستراتيجية في تركيا والمنطقة لاسيما بعد الانقلاب الفاشل في تركيا والفتور في العلاقات مع الولايات المتحدة وعودة الحياة إلى العلاقات مع روسيا إلى سقوط خطوط حمراء عدة ما منح أنقرة والجيش التركي مساحة أكبر للمناورة وفرض قواعده على الأرض لاسيما بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردغان إلى روسيا وبدأ المصالحة التركية الروسية بعد فترة من الفتور إثر أزمة الطائرة الروسية ما مكن تركيا من إدخال شرط وقف تمدد الأكراد ضمن مطالبها في مفاوضات الغرف المغلقة مع القوى الكبرى في الصراع السوري.
يتجلى الموقف الأمريكي من عملية الفرات على الأرض بمشاركة أمريكية عسكرية مباشرة في قصف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية وكذلك يأتي توقيت العملية قبيل زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى العاصمة التركية أنقرة للقاء المسؤولين الأتراك حيث طالب القوات الكردية بالانسحاب إلى شرقي الفرات مؤكدًا على وجوب إلتزام الأكراد بهذه الشروط حفاظًا على الدعم الأمريكي المقدم للأكراد في حربهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية مؤكدًا على دعم بلاده الكامل للعملية التركية العسكرية في جرابلس، بذلك حصلت تركيا على الضوء الأخضر الأمريكي للعمل على الأرض ودعم قوى وعناصر على الأرض بشكل مباشر ما يمهد لتطورات محورية قد تقود إلى تمكن تركيا من إنشاء المنطقة الآمنة التي تسعى لها في الشمال السوري والتي لطالما رفضتها الولايات المتحدة وروسيا بذرائع عدة إلا أن التغيرات الاستراتيجية في المنطقة من بعد فشل الانقلاب في تركيا تشير إلى بداية رسم شكل جديد لقواعد الصراع وحدوده وبل تضغط بقوة نحو تعزيز مصالح الطرف التركي في الشمال السوري مقابل تسويات مع القوى الكبرى في الصراع ستأثر على كامل الحرب في سوريا والتنظيمات الفاعلة فيها، أما على صعيد الموقف الروسي من عملية الفرات فقد اعربت عن انزعجها بشدة من تصاعد التوتر على الحدود السورية التركية وأكدت على ضرورة حل الأزمة على أساس قواعد القانون الدولي فقط ومن خلال حوار واسع بين السوريين بمشاركة كافة الاطراف القومية والطوائف بما فيها الأكراد ولكن هذا الموقف لا يوازي في حدته مواقف سابقة لروسيا من تحركات تركية في الشأن السوري مما يدل على أثر اللقاء الأخير بين بوتين وأردوغان ويؤكد تبلور خريطة مصالح جديدة في المنطقة.
إن غياب موقف واضح للنظام السوري تجاه العملية العسكرية في منطقة جرابلس، والاكتفاء بالتصريح أن هذه العملية تعتبر اختراق لسيادة الأراضي السورية، وعدم قيام روسيا أو الولايات المتحدة برد حقيقي على الأرض دليل على بدأ مرحلة جديدة من مراحل الصراع الدائر في سوريا بين قوى المعارضة والنظام السوري من جهة والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لكلا الطرفين من جهة أخرى ولكن وفي ظل السعي الحثيث لاستعادة العلاقات التركية الروسية مؤخراً، الأمر الذي يدلل بشدة على تغيرات في خريطة المصالح والتحالفات ما سيدفع تركيا للحضور بشكل أكثر فاعلية وتأثير في منطقة الشرق الأوسط وقضاياه على وجه العموم، وفي الأزمة السورية بشكل خاص، وعليه تكون جرابلس نقطة محورية في حركة الأحداث ضمن الشمال السوري والوضع في سوريا ككل حيث أنها تغير مؤثر على عدة قوى محلية وإقليمية ودولية مرتبطة بالصراع المستمر في سوريا وأنا ما بعد جرابلس مرحلة جديدة في الصراع على الأقل في الشمال السوري إن لم يكن في سوريا كلها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس