أحمد الزعتري - خاص ترك برس

ما إن أنهت السلطات التركية جهودها الحثيثة المركزة في إطار القضاء على "الكيان الموازي" والذي تتهمه بالوقوف وراء الانقلاب العسكري الفاشل على السلطة المنتخبة في تركيا، وبعد أن شعرت أنقرة بالخذلان من العديد من المواقف الدولية ولا سيما حلفاؤها المفترضون في حلف الناتو أمريكا والغرب وبعض العرب أيضا، وما إن انقشع غبار الانقلاب وتكشفت أسرار كثيرة وخطيرة لدى الدولة التركية في كافة المجالات وخصوصا على الصعيد الخارجي، حتى بدأت السلطات التركية باتخاذ خطوات جرئية نحو الأمام في إطار تعزيز وتغيير وتطوير سياستها الخارجية نحو دول الجوار وخصوصا في الملف السوري.

كانت أولى تلك الخطوات في القمة التركية – الروسية في (سان بطرسبرغ) مطلع الشهر الحالي في إطار المساعي لتعزيز وتطوير العلاقات بين البلدين وهذا ما تجلى لاحقا بالتطورات الميدانية على الملف السوري، حيث لم تتأخر طويلا ثمار هذه القمة وهذا ما بدا واضحا إزاء العملية العسكرية السريعة في جرابلس والتي أطلقت عليها القوات التركية "درع الفرات" إثر دخول القوات التركية بريا إلى مدينة جرابلس السورية في محاولاتها لطرد قوات داعش من المدينة ومن المناطق المحاذية للحدود التركية، وأيضا من أجل إبعاد القوات الكردية من تلك المنطقة التي كانت تخطط للسيطرة عليها، وتأتي هذه العملية في إطار تأمين الحدود التركية من اختراقات الإرهابيين ومنعهم من التسلل إلى الأراضي التركية، وأيضا في إطار مساعي دعم المعارضة السورية المسلحة المعتدلة وهذا ما بدا من خلال ما دار على أرض المعركة.

لم يكن الاستنكار الروسي- السوري لهذا الإجراء كالسابق إذ بدا وكأنه إعلامي أكثر منه إجرائي أو تهديد ضد التدخل التركي المباشر في الأراضي السورية وتأمينها للمسلحين الموالين لها، وهو ما يشي بأن هذه الخطوة التركية الهامة تأتي عقب تفاهم مشترك نتج عن تحولات الموقف التركي تجاه الملف السوري مؤخرًا، انطلاقًا من قاعدة الاتفاق على عدم السماح بنشأة كيان كردي في شمال سوريا يهدد كلًا من دمشق وأنقرة وطهران، وهو ما جاء صريحًا على لسان أردوغان في كلمة متلفزة عن العملية العسكرية التركية، قال فيها: تركيا ستتولى الأمر بنفسها إذا اقتضى الأمر لحماية وحدة سوريا والعملية العسكرية اليوم في سوريا تستهدف فقط قوات "داعش" وحزب "الاتحاد الديمقراطي".

في المقابل فإن دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية سبق بيوم وصول نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" والذي جاء لدعم أنقرة في مساعيها لمعاجلة آثار الانقلاب ومحاربة الإرهاب، وأعلن بايدن أن بلاده تدعم وتقدّر تحركات القوات المسلحة التركية في جرابلس، وهذا يعني أن هذا التحرك ليس بعيدا عن الموافقة الأمريكية، وقد تكون أمريكا اضطرت للموافقة على هذا الطلب التركي في إطار تخفيف الاحتقان في العلاقات بين البلدين بعد الإصرار التركي المتواصل على الإدارة الامريكية بشأن تسليم فتح الله غولن، فليس خافيا على السطات التركية أن تسليم غولن من قبل الادارة الأمريكية ليس بالأمر المتيسر، لكن الإصرار التركي المتواصل على طلب تسليم غولن قد يكون في إطار المساعي التركية لتحصيل مكاسب سياسية من الإدارة الأمريكية وخاصة في الملف السوري وهذا ما بدأ ملاحظته من قيام تركيا بإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية دون الإعلان عن ذلك رسميا والطلب الأمريكي من القوات الكردية بالعبور إلى مناطق شرق نهر الفرات، الأمر الذي كانت ترفضه أمريكا وروسيا سابقا على حد سواء.

لكن لا يزال من المبكر القول إنّ التفاهمات الروسية-التركية قد وصلت إلى مستوى الحلف الاستراتيجي، لكن من المرجح أن يكون هناك اتفاق على المبادئ الأساسية "فيما يتعلق بوحدة الأراضي السورية والحفاظ على ما تبقى من مؤسسات ومحاربة الإرهاب وخصوصا داعش، وإطلاق عملية انتقال سياسي تفضي إلى حل الأزمة السورية.

لا أعتقد أن هذا التحول وبهذا الحجم على صعيد السياسة الخارجية التركية، لم يكن لولا التغييرات التي حصلت في قيادة الجيش التركي نتيجة الانقلاب العسكري الفاشل وكم المعلومات التي حصلت عليها السلطات التركية في كيفية تعامل جنرالات الكيان الموازي مع الملفات الخارجية ولا سيما في الملف السوري على وجه الخصوص، يبدو أن تركيا أجرت انقلابا في سياستها الخارجية كرد على الانقلاب الداخلي الفاشل وأرادت أن تلقن أطرافا عديدة دروسا عملية إزاء ما اعتبرته أنقرة خذلانا أو خيانة لها، فالتقارب التركي – الروسي هو بمثابة صفعة عملية لأمريكا وحلفائها الأوروبيين، وفي المقابل أن تركيا لن تجد نفسها ضعيفة أمام حواراتها مع الروس وذلك لأن أمريكا وأوروبا لن تضحيا بعلاقاتهما مع تركيا فليس من مصلحتهما التضحية بها برغم الإحباط الذي يشعرون به جراء فشل الانقلاب.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس