مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس
ختم الرئيس التركي "الطيب رجب أردوغان" خطابه في7 آب / أغسطس في تجمع "الديمقراطية والشهداء" بساحة "يني قابي" بإسطنبول، بقوله: "وضعنا هذا المساء فاصلةً على سطر مظاهرات "صون الديمقراطية" وسنضع نقطة ختامها مساء الأربعاء".
تركيا ما قبل الفاصلة:
تركيا "ما قبل الفاصلة" بدأت مرحلتها الأخيرة مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، كانت تركيا وقتها تعاني من أزمة اقتصادية ومالية حادة، وثقل ديون وصلت 16مليار دولار، وغياب الاستقرار السياسي، وتدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، مما دفع كثير من الأتراك إلى الهجرة وترك بلدهم، لكثرة البطالة وتأزم الأوضاع بالبلاد.
فعمل رئيس الوزراء "الطيب أردوغان" آنذاك وباقي فريقه الحكومي على تحويل تركيا إلى ورش كبيرة نشطة، أوصل تركيا إلى مجموعة العشرين بدون دين خارجي للمؤسسات المالية العالمية، وبنية تحتية واسعة ومتنوعة، واقتصاد قوي، واستقرار سياسي واجتماعي لم تعرفه تركيا منذ إعدام عدنان مندريس في بدايات الستينيات من القرن الماضي.
وبعد مسلسل فوز أردوغان وحزبه بأكثر من إحدى عشر استحقاق ديمقراطي، ما بين انتخابات بلدية وبرلمانية ورئاسية واستفتاءات، شهد العالم بنزاهتها ومصداقيتها، واستمرار الأتراك في طريق تحقيق رؤية "تركيا الجديدة 2023"، والتي ظهرت إنجازاتها العظمى، ونتائجها الكبرى أمام هذه الانجازات تحرك حلف الطاعنيين في الظهر (بمكوناته الإقليمية والدولية) لوقف القطار التركي قبل أن يصل إلى كل أهدافه و يحقق كل مشاريعه، والتي طبعا ليست في صالح هذا الحلف.
فلم يجد هذا الحلف طريقة يسقط بها أردوغان ويحتل بها تركيا، أفضل من طريقة مجربة قبل بتركيا، فكانت الطريقة القديمة الجديدة "الانقلاب العسكري" لكنه انقلاب مقوى باغتيالات ومظاهر حرب واحتلال، أسميتها "ثالوث النار والموت"، وفي منتصف يوليو/ تموز الماضي تحرك الطابور الخامس- جماعة الخدمة أو الكيان الموازي- لتنفيذ ثالوث الموت هذا، بعد أن فشل في عدة محاولات من أجل تحقيق انقلاب أبيض عبر شبكات أتباعه بمؤسسات الدولة التركية، فمر لسرعة القصوى حينما أيقن أن أجله قرب، ونفوذه إلى زوال مع الاجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية منذ عام 2010 .
أمام ضغط هذه الإجراءات، ارتكبت الجماعة خطأ عمرها، وأفشلت مشروعها الذي سعت فيه ولأجله منذ 46 عاما على يد زعيمها "فتح الله غولن" فجنت براقش على نفسها، بقيامها بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، أفشلها قائد حكيم وشعب عظيم وبينهما هاتف وتطبيق حديث، أسقوا الانقلاب في أقل من ست ساعات، حيث لبى الشعب التركي نداء رئيسهم، وخرجوا للشوارع نصرة لديمقراطية وحماية لشرعية، فاعتقلوا الدبابات والانقلابيين، ورفضوا أن يستبدلوا سنوات الديمقراطية والحرية بعقود الانقلابات والتبعية.
لقد حول الشعب التركي "15 تموز" من يوم أُريد له أن يكون أسود كارثيا على تركيا والأتراك، إلى يوم"عيد الديمقراطية والشرعية" كما رمى حقبة الانقلابات بتركيا إلى مزبلة التاريخ، وحمى البلاد والشرعية والديمقراطية من ثالوث النار والموت.
ثم انتظم الأتراك في مظاهرات يومية بكل ميادين وساحات المدن والولايات التركية طيلة 22 يوما يتناوب فيها الشباب والشيوخ والنساء والرجال والأطفال والمعمرين على صون الديمقراطية وحمايتها من ارتدادات زلزال الانقلاب الفاشل.
7 أغسطس ووضع الفاصلة بحشد مليوني تاريخي
ويوم السابع من آب وفي مظاهرة مليونية وتجمع بشري تاريخي بلغ أكثر من 5 مليون شخص بحسب تحليل ميداني أجرته الشرطة التركية، وفي سابقة بتاريخ تركيا الحديث، اجتمع رئيس الجمهورية وقادة الحزب الحاكم وزعماء أهم الأحزاب المعارضة ورئيس الأركان بمجلس واحد، وخطبوا من منصة واحدة شعبا واحدا، بعلم واحد من أجل هدف واحد هو الاحتفال بـ"الديمقراطية والشهداء"، فوضع الشعب التركي بكل أعراقه وألوانه السياسية والإيديولوجية المختلفة يومها، فاصلة كبيرة تاريخية، بين تركيا الانقلابات والأزمات المتتالية وعدم الاستقرار طيلة 60 عاما، وتركيا الجديدة ورؤيتها الاستراتيجية القريبة والمتوسطة والبعيدة الأمد: "تركيا :2023-2053-2071"، حيث يسعى الطيب أردوغان وقادة حزب العدالة والتنمية لتحقيق الرؤية الاستراتجية القريبة عام 2023، ثم تسليم المشعل للأجيال القادمة من أجل إتمام تحقيق رؤى عامي 2053 و2071.
قبل 15 تموز كان الرئيس التركي "الطيب أردوغان" عاجزا طيلة 14عاما، عن تطهير الأجهزة الدولة التركية من نفوذ أتباع غولن، والوصول إلى القاعدة الأساسية للكيان الموازي في القضاء والجيش والشرطة وباقي مؤسسات الدولة السيادية، والسبب الجدار الصلب المغطى بذريعة "علمانية الدولة التركية"، والذي يتهدد كل من حاول اختراقه بالسقوط عليه، لكن الانقلاب الفاشل قدم هدية كبيرة لأردوغان لتطهير مؤسسات الدولة بتفويض شعبي كبير وقوة القانون والديمقراطية.
ما بين الفاصلة والنقطة
وفي أول زيارة للرئيس التركي إلى خارج البلاد في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة، وفي تطبيع عالي المستوى للعلاقات بين أنقرة وموسكو منذ التوترات التي شابت العلاقة بين البلدين في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية من قبل الطيران التركي، كانت زيارة أردوغان لروسيا وما تحقق فيها وكيفية عرضها وتاريخها ومؤتمرها الصحفي، أبرز حادث يقع ما بين فاصلة 7 آب ونقطة 10 آب.
حدث أشغل الإعلام العالمي، وتعددت التحليلات والآراء حول أهدافه ورسائلها، لكن غالبها اتجه إلى أن تركيا دشنت بداية مرحلة الابتعاد عن حلفائها التقليديين، ردا على الموقف المخزي للغرب تجاه المحاولة الانقلابية الفاشلة، وتصريحاته الحزينة على فشل الانقلاب، الخالية من الابتهاج بانتصار الديمقراطية،والضغط على تركيا بالمناقشة الجدية لعضويتها بالحلف الأطلسي.
بالإضافة إلى تلويح تركيا بوقف اتفاقها مع أوروبا بشأن اللاجئين، فإذا لم ينفذ اتفاق رفع التأشيرة فلن يعمل باتفاق إعادة اللاجئين.
10 آب وضع نقطة على سطر مظاهرات "صون الديمقراطية".
وكما وعد، وضع الرئيس التركي الطيب أردوغان بساحة المجمع الرئاسي بأنقرة، نقطة نهاية مظاهرات "صون الديمقراطية" والتي بدأت صبيحة 16 تموز، بإشادته بالشعب التركي وملامح البطولة التي رسمها ليلة 15 تموز، والتي اعتبرها ليلة استقلال جديد، كانت بشجاعة وعزيمة شعبه، التي وقفت أمام من حاول احتلال العاصمة أنقرة للمرة الأولى في تاريخها.
بعد وضع نقطة نهاية مرحلة الاستعمار والخيانات والتحكم ومحاولات تطويع تركيا وشعبها، بدأ أردوغان والشعب التركي سطرا جديدا عنوانه: "تركيا الجديدة المستقلة التي يحكمها شعبها، ويقرر مصيرها مواطنوها عبر صناديق الاقتراع ضمن العمل السياسي الديمقراطي النزيه".
تركيا وقصة "فاصلتها ونقطتها" أثبتت بما لاشك فيه، أن الغرب لن يقبل ولن يساعد على وجود ديمقراطية حقيقية في المنطقة، ولن يرضى بدول عربية وإسلامية قوية وناجحة سياسيا واقتصاديا، ومتفوقة علميا وعسكريا، ومستقرة اجتماعيا.
تركيا وفاصلتها ونقطتها أثبتت أن الإنسانية والديمقراطية والحضارة منتوجات محلية خاصة بالغرب المسيحي، وهي غير قابلة لتصدير الحقيقي، أما الضجيج والنباح بهذه المفهومات، فقد ضجرنا من سمعه، وتيقنَا ليلة 15 تموز وما بعدها، أنها ادعاءات ووعود، كوعود عرقوب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس