مصطفى أيكول - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
منذ أن أسسه مصطفى كمال أتاتورك في عام 1932 كان حزب الشعب الجمهوري مدافعا قويا عن العلمانية على الطريقة الفرنسية في تركيا. عارض الحزب دائما استخدام المراجع الدينية في الحياة السياسية، بحجة أنه سيصل إلى "استغلال" الدين لأغراض سياسية. كما عارض الحزب، على مدى عقود، استخدام الرموز الدينية في الأماكن العامة، مثل ارتداء الحجاب.
لكن حزب الشعب الجمهوري تغير في الآونة الأخيرة، وخاصة منذ تولي كمال كليجدار أوغلو قيادة الحزب في عام 2010. في البداية تخلى الحزب عن عدم تسامحه مع الحجاب، وقبِل بحق النساء المحجبات في الذهاب إلى الجامعات، أو الحصول على الوظائف العامة. بعد ذلك رحب الحزب بانضمام بعض السياسيين المحافظين ذوي التوجهات الإسلامية إلى صفوفه، مثل محمد بيكار أوغلو. وعلاوة على ذلك بدأ كليجدار أوغلو يشير إلى القيم الإسلامية لدعم حججه.
وثمة مثال بارز على هذه التوجه الجديد حدث في نهاية الأسبوع الماضي، عندما عقد كليجدار أوغلو مؤتمرا صحفيا انتقد فيه عمليات التطهير والاعتقالات الجماعية التي بدأت الحكومة بتنفيذها بعد محاولة الانقلاب الساقط في ال15 من يوليو/ تموز. إحدى حالات الانتهاكات التي انتقدها كليجدار أوغلو كانت اعتقال بعض من أفراد أسر المتهمين بالتخطيط للانقلاب، أو إيقافهم عن العمل. فمثلا عندما لم تتمكن الشرطة من العثور على أديل أوسكوز المشتبه في انه العقل المدني المدبر للانقلاب والذي تمكن من الفرار، احتُجزت حماته وحموه وأخوات زوجته. وقال كليجدار أوغلو إنه يعارض هذا التعسف.
وقال كليجدار أوغلو "هناك مبدأ يسمى المسؤولية الجنائية الفردية، ومع ذلك خلقت الحكومة فكرة الجريمة الجماعية... واسمحوا لي أن أشير إلى خطبة الوداع لنبينا الحبيب، التي قُبلت بوصفها واحدة من أهم إعلانات حقوق الإنسان في التاريخ. هنا قال نبينا الحبيب "كل امرئ مسؤول عن جرمه. وجريمة المرء لا يمكن أبدا أن ترتبط بأمه أو أبيه أو ابنه". وأضاف كليتشدار أوغلو هذه في الواقع قاعدة عالمية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعلن القاعدة نفسها."
خطبة الوداع التي أشار إليها كليجدار أوغلو ألقاها النبي ﷺ على أتباعه بالقرب من مكة في عام 632 ميلادية، قبل وقت قصير من وفاته. كانت هذه الخطبة واحدة من أهم الوثائق في التاريخ الإسلامي، اشتملت على وصايا أخلاقية مهمة حول مختلف المسائل، بما في ذلك، في الواقع، حقوق الإنسان، فقد جاء فيها على سبيل المثال "أيها الناس! إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد. لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض" (أو كما قال النبي ﷺ).
هناك روايات مختلفة للخطبة. ولا تشتمل جميع الروايات على النص الذي أشار إليه كليجدار أوغلو، ولكن الرواية موجودة في الموسوعة الإسلامية التي أصدرتها تركيا بصيغة "لا يؤخذ الأب بجريرة ابنه، ولا الابن بجريرة أبيه".
الأمر الأكثر أهمية اليوم في السياسة التركية، بطبيعة الحال، ليس مضمون حجة الوداع، ولكن كيف صارت الخطبة مرجعا لحقوق الإنسان لدى حزب الشعب الجمهوري العلماني تماما من بين جميع الأحزاب السياسية. وأعتقد أن هذا يشير إلى حقيقتين مهمتين:
الأولى أن حزب الشعب الجمهوري "اكتسب الدين"، وبعبارة أخرى أدرك أن الدين، وخاصة الإسلام، متجذر بعمق في المجتمع التركي، وأن الحزب التركي الذي لا يفهم هذه الحقيقة محكوم عليه بالتهميش. يمكن للبعض أن يدعي أن حزب العدالة والتنمية الحاكم هو من أجبر حزب الشعب الجمهوري على هذا التغيير، فالعدالة والتنمية لم ينه الهيمنة العلمانية على الدولة فقط، بل قاد صعود الخطاب الديني في المجتمع. لكن حزب الشعب الجمهوري كان حكيما فقط بالتأقلم مع هذا التحول، حيث إن علمانيته القديمة الجامدة صارت بالفعل صيحة قديمة.
الحقيقة المهمة الثانية أن حزب الشعب الجمهوري طرح نفسه في السنوات القليلة الماضية تدريجيا على أنه حزب يدافع عن حقوق الإنسان والحريات المدنية وسيادة القانون ضد دولة الاستبداد. وهذا أيضا بدعة في التاريخ السياسي التركي، لأن – باستثناء فترة الغزل القصيرة "للديمقراطية الاجتماعية" حزب الشعب الجمهوري كان تقليديا الحزب المدافع عن الدولة في مواجهة من يدافعون عن حقوق الإنسان والحريات المدنية وسيادة القانون. كان هذا صحيحا حتى العقد الأول من هذا القرن، عندما سيطر حزب العدالة والتنمية على الحكومة، وكان حزب الشعب الجمهوري في المعارضة. وفي ما يبدو على أنه تناقض، كان حزب العدالة والتنمية المدافع عن القيم الليبرالية في تلك السنوات، بينما كان حزب الشعب الجمهوري مع الدولة شديدة القسوة التي كانت آنذاك لا تزال تحت سيطرة الجيش والقضاء العلمانيين. ومع الهيمنة الكاملة لحزب العدالة والتنمية على الدولة انتهى هذا الوضع الشاذ، وصار حزب الشعب الجمهوري هو حزب المعارضة الحقيقية الذي يعارض الدولة الاستبدادية.
وبعد فإن حزب الشعب الجمهوري الجديد الذي وعد كليجدار أوغلو بتشكيله تزداد تبلورا. وحقيقة أن الحزب يدافع الآن عن حقوق الإنسان، مع إشارات إلى "نبينا الحبيب" ﷺ هي مؤشر لافت للنظر على هذا الواقع الجديد في السياسة التركية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس