مصطفى أيكول - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
إذا كان المرء يحتاج إلى تعريف لما يجري في تركيا في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من تموز/ يوليو، إلى جانب اعتقال الانقلابيين، فها هو مصطلح دقيق "استئصال الغولنية من تركيا". ومثلما حدث تماما في عملية اجتثاث البعث في العراق بعد الاحتلال، فإن الهدف من هذه العملية في تركيا تطهير القطاع العام كله من الكادر الذي يعد عدوا للدولة.
أولا دعونا نرى كيف وصلت تركيا إلى تلك العملية. إن تسلل جماعة غولن إلى مؤسسات الدولة لاسيما المؤسسات الاستراتيجية مثل الشرطة والقضاء والجيش، هي حقيقة يجمع عليها الصحفيون العلمانيون منذ عقود. عندما وصل الرئيس، رجب طب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في عام 2002 ، ذهب تسلل جماعة غولن إلى مدى أبعد، لأن أردوغان اعتبر فتح الله غولن حليفا رئيسا.
ومع هزيمة العدو العلماني المشترك، بدأت هاتان القوتان الإسلاميتان في النزاع،ووصل الأمر في النهاية إلى امتعاضها من بعضها بعضا. كان حزب العدالة والتنمية يملك شرعية الدعم الشعبي، بينما كان لدى أتباع غولن ثقة الطائفة بالنفس التي وصلت إلى حد أنهم كانوا يعرفون كل شئ بشكل أفضل.
عندما اندلعت الحرب السياسية بين هاتين المجموعتين في أواخر عام 2013 مع تحقيقات الفساد التي دبرتها جماعة غولن، اتخذت موقفا غير منحاز. كان الفساد حقيقة، لذلك كان على حزب العدالة والتنمية أن يكون صادقا في هذا الموضوع. وفي الوقت نفسه كان واضحا أن أتباع غولن قد خلقوا في الواقع " كيانا موازيا" داخل الدولة، لذلك كان لابد من تطهيرها، لكن جناح الغولنيين المدني (المدارس، والجمعيات الخيرية، ووسائل الإعلام والموارد الاقتصادية) كان لابد من احترامها. ومن بين القادة السياسيين في ذلك الوقت كان عبد الله غُل فقط الذي بدا أنه يؤيد هذا الموقف. ومع ذلك فإنه بعد الانقلاب الدموي في 15 من تموز، فمن الصعب متابعة مثل هذه الفروق الدقيقة في تركيا، فحتى "مؤسسات المجتمع المدني" التابعة لجماعة غولن تستولي عليها الدولة، لأنها تنظر إليها- وهذا ليس خطأ- بوصفها أرضا خصبة أو واجهات للجانب المظلم داخل الدولة.
يجب فهم السبب في عملية التطهير وساعة النطاق أولا قبل توجيه النقد إليها. كانت مؤامرة انقلاب 15 تموز، كما يقال، أكبر اعتداء شهدته الدولة التركية منذ تأسيسها في عام 1932 .لم يحدث في أي انقلاب سابق أو في أي محاولة انقلابية أن قصف برلمان الأمة أو سحقت الدبابات المواطنين. وعلاوة على ذلك فإن رئيس الأركان، والاستخبارات الوطنية، وجميع أحزاب المعارضة الرئيسية، والاتجاه السائد في وسائل الإعلام العلمانية، وكثير من الصحفيين المعارضين لأردوغان، ومعظم المنظمات غير الحكومية تتفق جميعا، وليس الحكومة فقط، على أن الانقلاب كان عملية دبرها أتباع غولن في محاولة أخيرة لإسقاط أردوغان الذي صار العدو الأول لأتباع غولن.
قد يتساءل المرء لماذا لا ينعكس هذا التوافق الوطني الموجود في تركيا على الإطلاق في وسائل الإعلام الغربية. وجوابي أنه بينما يبدو تسلط أردوغان، الذي طالما انتقدته، واضحا، فإن عمليات أتباع غولن خفية دائما تغطيها جيدا العلاقات العامة الناجحة وإصرار على إنكار التورط. وهذا هو السبب في أن كثيرا من الصحفيين الغربيون يواصلون الاعتقاد بأن المشكلة الوحيدة في تركيا يجب أن تكون أردوغان، وأن كل من يعارضه يجب أن يكون من "الأخيار". وهذا ما يدفعهم إلى الانفتاح على نظريات المؤامرة المعادية لأردوغان مثل أنه دبر هذا الانقلاب من أجل الحصول على دعم سياسي، وهو أمر مثير للسخرية تماما بالنظر إلى حقيقة أن الانقلاب نظم جيدا، وكان على وشك النجاح.
وبالطبع فإن الحقيقة لن تظهر إلا في نهاية محاكمة عادلة، كما قلت في صحيفة نيويورك تايمز، ولكن حتى عند هذه النقطة فإن الدولة التركية لديها الحق في الدفاع عن نفسها باستبعاد الأشخاص الذين يشتبه أنهم أعضاء في شبكة غولن. مجرد العضوية في حركة غولن لا يعد جريمة في حد ذاته، ولهذا أتفق مع على بايرام أوغلو العلماني الليبرالي البارز، الذي كان أول من كشف عن "الكيان الموازي" في عام 2010، والذي انتقد أردوغان في الآونة الأخيرة، الذي كتب:
"لا مفر من تخفيض درجات الموظفين الحكوميين الذين تتوافر حولهم شبهات جدية بأنهم أعضاء في حركة غولن أو إقالتهم من وظائفهم. وإصدار تشريع بذلك سيكون في نهاية الأمر مسألة طبيعية. لكن هذا المنطق لا يمكن استخدامه في المقاضاة. لا يمكن أن يكون العمل في مؤسسات غولن جريمة أو أن يكون وجود علاقة مع الغولنيين جريمة، كما أن العضوية في جماعة غولن ليست جريمة كذلك. لكن الجريمة فقط أن تكون عضوا في تنظيم غير مشروع, وشريكا في الأعمال غير القانونية للجماعة. وحتى ذلك الحين فإنه يجب دعم مبادئ من قبيل البراءة المفترضة والمسؤولية الجنائية الفردية".
لكن هل تدعم الحكومة الساخطة على غولن هذه المبادئ ضد جماعة غولن؟
أولا: هناك بعض العلامات المثيرة للقلق . أولا يشير تقرير صدر أخيرا عن منظمة العفو الدولية إلى أن بعض المشتبه بهم تعرضوا للتعذيب، وحتى الاغتصاب وهو أمر مرعب. يجب على الحكومة أن تمنع كل هذه الجرائم ضد المعتقلين بغض النظر عن مدى الجرم الذي ارتكبه المشتبه بهم، و"السماح لمراقبين مستقلين بمقابلة المعتقلين"، كما طالبت منظمة العفو الدولية.
ثانيا: قائمة الذين رهن الاعتقال حاليا تشمل صحفيين كتبوا في وسائل إعلام تابعة لغولن، وهؤلاء إما من أتباع غولن أو من المناهضين لأردوغان الذين ليس لهم رابط ديني بهذه الجماعة. وهذا أمر غير مقبول ما لم تكن هناك إشارات خطيرة على أن هؤلاء الصحفيين كانوا يعرفون بمؤامرة الانقلاب وحاولوا مساعدته. ومن الأخبار السارة في هذا الصدد أن أحد هؤلاء الصحفييين والمدافع الشهير عن حقوق الإنسان، أورهان كمال جينكيز الذي لم تكن لديه أي علاقة دينية بجماعة غولن، قد أفرج عنه بعد احتجازه لمدة ثلاثة أيام.
ثالثا: من الواضح أن هناك حالة مزاجية غاضبة بين مؤيدي أردوغان، قد تحول محاكمة مؤامرة الانقلاب إلى حملة على كل "الخونة" وهي حملة قد تشمل بسهولة مجرد انتقاد أردوغان. يجب على الحكومة ألا تستسلم لهذا الحماس، بل على العكس من ذلك يجب أن تستغل هذه الفرصة لبناء توافق ديمقراطي واسع في تركيا، وهو ما يدعو إليه الاتجاه العام لمعظم المعلقين.
يمكن لوسائل الإعلام الغربية والمنظمات غير الحكومية والحكومات الغربية أن تساعد تركيا في هذه الفترة الحرجة من خلال الدعوة إلى ضبط النفس والالتزام بالقانون، وانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن يجب عليها أن تفهم أولا خطورة المؤامرة الانقلابية، وتشابك المجموعة الدينية التي تقف وراء الانقلاب وتعقدها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس