محمد بارلاص – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس
لا شك أن الالتباس والتشويش قد يصيب البعض، وربما هناك عوامل مساعدة لهذه الحالة، مثل الحياة السياسية والاقتصادية التي نعيشها اليوم. فعندما نرى أن رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض يتحدث عن "خيانة الوطن" عندما قال "إن الخيانة العظمى للوطن هي استقبال أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ من السوريين".
لكن على ما يبدو أن هذه الحالة المرضية ليست خاصة بنا، فقد بدأت ألمانيا تفكر في تزويد حزب العمال الكردستاني بالأسلحة، وهذا يدل على أن هذه الحالة المرضية أصبحت عالمية، فكيف لدولة مثل ألمانيا أن تدعم منظمة مدرجة على قائمة الارهاب في العالم؟ ألا يشكل ذلك اختراقا للقوانين الدولية؟ أم أنّ الأمر مقتصر فقط على منظمات المقاومة في فلسطين؟
تصورات خاطئة
ماذا سنقول إذاً عن حالة الالتباس التي تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المسألة السورية؟ فهم أعطوا الضوء الأخضر لبشار الأسد من أجل ارتكاب المزيد من المجازر التي يقوم بها ضد شعبه حينما قالوا له :"حذار أن تقتل شعبك بالغازات السامة، اقتلهم بالمتفجرات العادية فقط"، وكأنه لا مشكلة بارتكاب الجرائم والمجازر ضد الشعب السوري، لكن المشكلة في آلية تنفيذ تلك الأعمال الإجرامية. لا شك أن عدم التمييز والخلط هذا هو من قادهم إلى الاعتقاد بأن قصف داعش بالقنابل العادية سيؤدي إلى القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" بصورة نهائية.
هؤلاء الذين يعانون من اختلاط الأمور عليهم، والذين يعانون من تشوّش الأفكار في رؤوسهم، يعتقدون أنهم سيصلون إلى أهدافهم من خلال تجربة كل الطرق الممكنة والمتاحة ولو كان ذلك على حساب الأخلاق الإنسانية والأعراف الدولية.
وهنا نستذكر القصة التي تدور حول شخص كان يجمع الحطب لسيّده، وفي يوم من الأيام لم يجد أي أغصان جافة، فاضطر إلى جمع أغصان خضراء يانعة في خرقة وثبتها على ظهر حماره، وهو في طريقه إلى بيت مشغله، كان يسأل نفسه سؤالا :"هل ستشتعل هذه الأغصان الخضراء، كما لو أنها كانت جافة تماما؟"، ولكي يتجنب غضب مشغله إن لم تشتعل، استخرج من جيبه الكبريت، وقام بإشعال الخرقة فبدأت فعلا بالاحتراق على ظهر الحمار الذي بدأ بالركض يمنة ويسرة بسبب اللهيب، ليفزع صاحبه ويصرخ عليه "إن كان لديك عقل فعليك الركوض نحو البحيرة لكي تطفئ النار".
المعلمون المتحضّرون
صاحبنا في القصة أعلاه يعتبر نفسه من المعلمين المعاصرين، وهو لا يختلف أبدا عن الذين طلبوا من الناس النزول إلى الشارع من أجل "الاحتجاج على التطورات في كوباني"مرتكبين أعمال عنف وإجرام في أزقة المدن التركية، ليقوم نفس الأشخاص من "المعلمين المعاصرين" باتهام الحكومة بأنها هي السبب وراء أعمال العنف تلك، لكن الحقيقة هي أنهم بدؤوا بالغرق في أعماق التصريحات التي قاموا بها، ويستنجدون اليوم بالحكومة من اجل إنقاذهم من الوحل الذي صنعوه بأيديهم وأغرقوا أنفسهم بأنفسهم فيه.
لا شك أن هؤلاء أيضا مصابين بمرض "الخلط السياسي"، وهذا ما نستطيع تشخيصه بصورة واضحة وجلية من خلال أفعالهم وتصريحاتهم، ودون اللجوء إلى أي فحوصات أو دلائل أخرى، فكيف لشخص أن يصف مساعدة اللاجئين "بخيانة وطن"؟ وكيف لآخر أن يطلب من الجمهور ببدء أعمال العنف، ثم يتهم بالحكومة بأنها هي السبب وراء تلك الأعمال؟
أحد المارين بجانب سور سجن المجانين، سأل أحد المجانين الواقفين هناك "أنتم كم شخص في الداخل؟" فتبسم المجنون باستهزاء ورد عليه بسؤال "كم شخص أنتم في الخارج أصلا؟". وعلى ما يبدو أن عدد الذين في الخارج كبير جدا!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس