طه ميلي أرفاس - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
بعد أن أمضيت بعض الوقت في المكسيك والولايات المتحدة، أردت أن أعقد مقارنة ومقابلة بين اقتصاديات تركيا والمكسيك والولايات المتحدة. الروايات الشائعة أن اقتصاد تركيا يشبه كلا من المكسيك والولايات المتحدة إلى حد كبير في كثير من النواحي، بينما أرى أن المقارنة بين الدول، ومسارات النمو مفيدة دائما. اقتصاد تركيا، مثله مثل الاقتصاد الأمريكي، اقتصاد استهلاكي، وما يقارب 70% من الناتج الإجمالي المحلي للبلدين يأتي مباشرة من استهلاك المستهلكين. ويعني هذا أن انخفاض الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 10% يمكن أن يؤدي، في أحسن الأحوال، إلى انخفاض الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 7%. نعلم أنه حتى مع حدوث انخفاض طفيف في الإنفاق، فإن الناتج المحلي الإجمالي لا ينخفض خطيا، ولكنه ينخفض مع تفاوت في القوة. وبعبارة أخرى، فإن انخفاض الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 10% قد يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10% أو أكثر، مثلما كان الحال في الآونة الأخيرة في اليونان.
في أحدث بيانات البنك الدولي بلغت نسبة الاستهلاك في تركيا 68.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي الولايات المتحدة 68.4%، أما في المكسيك فتكاد تتطابق معهما، حيث بلغت نسبة الاستهلاك 67.3%. في عام 1980 بلغ نصيب الفرد من الناتج الإجمال المحلي في المكسيك 2803 دولارات، فيما وصل في تركيا 1566 دولارا. أما في عام 2014 فبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المكسيك 10.197 دولارا، في حين وصل في تركيا إلى 10.800 دولار، وعلى هذا فإن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي في المكسيك زاد بنسبة 3,6%، في حين زاد نصيب الفرد في تركيا بنسبة 6.9% خلال الفترة نفسها. فلماذا نمت تركيا أسرع؟
تعد تركيا والمكسيك مشغلا لجيرانهما الأكبر منهما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على التوالي. وعلى حين يعرف البلدان بأنهما مصدران مهيمنان، فإنهما يواجهان عجزا هائلا في الميزان التجاري، وإن كان هذا العجز في تركيا أقل بكثير مما كان عليه في السنوات السابقة. سمح قرب المكسيك من الولايات المتحدة، واتفاق التجارة الحرة التي وقعتها مع كندا بالتجارة الحرة مع كلا البلدين. وهذا يسمج أيضا للبلدين بالتصدير إلى المكسيك بحرية. وبالمثل تملك تركيا اتفاقييت تجارية مع كثير من جيرانها الأوروبيين.
ثمة مقارنة أخرى عرضتها من قبل في هذا العمود الصحفي، وهي مقارنة حيوية في هذا النقاش، وهي المقارنة مع كوريا الجنوبية. كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1980 في كوريا الجنوبية 1788 دولارا، وبلغ الآن 25.997 بمعدل نمو 14.5%. وفي حين تملك المكسيك موارد طبيعية لا تمتلكها تركيا وكوريا، فإن قدرة كوريا على تحقيق نمو ضخم مقارنة بتركيا التي تتمتع بمعدل نمو أعلى من المكسيك، يرجع إلى استثمار كوريا في شيء بسيط واحد هو التكنولوجيا. التكنولوجيا هي ما جعلت كوريا الجنوبية في المكانة التي هي عليها اليوم، وهي ما ستجعل تركيا في المستقبل. الاستثمار في أحدث التقنيات هو السبيل الوحيد أمام تركيا للتطور، ولا خيار أمام صانعي السياسة التركية سوى الاستثمار فيه.
وإذا كانت تركيا قد اتخذت خطوات جادة في مجال الاستثمار في التكنولوجيا، فإن هناك الكثير مما يمكن عمله. المؤسسة الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة ومعاهد الصحة الوطنية الأمريكية هما مؤسستان كبيرتان تديرهما الحكومة، وتستثمران المليارات في مجال البحث، وتوزعان المنح على الشركات التي تستثمر في مجال العلوم والصحة. تصل الميزانية المجمعة لهاتين المؤسستين إلى قرابة 50 مليار دولار، وهما تقدمان المنح والمكافآت للقطاعين العام والخاص للاستثمار في مجال العلوم والتكنولوجيا. وحيث إنني كنت أحد المستفيدين من منح هاتين المؤسستين خلال سنوات دراستي، يمكنني أن أقر بصراحة أن أبواب هذه المنح مفتوحة لجميع أنواع البحوث،وكذلك للأبحاث التي من المستحيل تنفيذها لأنها غير جذابة من الناحية التجارية. على أن الاستثمار في البحوث الأساسية ينتج أعظم الأرباح، وهو أمر لم تفعل تركيا سوى القليل منه.
في الأسواق الناشئة غالبا ما تكون هناك كثير من الاستثمارات المطلوبة في العديد من المجالات، لكن لا توجد موارد كافية لإطلاقها. ومثلما هو الحال مع أي استراتيجية للاستثمار، فإن تحديد الأولويات هو مفتاح الحل. إن الرسالة التي ينبغي أن توجه إلى الحكومة التركية الحالية وإلى الحكومات في المستقبل" الاستثمار في التكنولوجيا له الأولوية قبل كل شيء". وإذا كانت تركيا تريد تحقيق أهدافها الاقتصادية في عام 2023 و2073، فليس لديها من خيار سوى تحرير السياسة الاقتصادية المتعلقة بالاستثمار في التكنولوجيا، وبذل قصارى جهدها في تشجيع القطاعين العام والخاص على السواء في أن يحذوا حذوها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس