محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
وصفت الانتخابات الأمريكية الأخيرة بأنها أسوء وأكره انتخابات في تاريخ الولايات المتحدة بسبب انعدام ثقة الناخب الأمريكي بأي من المرشحَين، فحين تكون المرشحة كلينتون الديمقراطية امتدادا لعهد أوباما، فمعنى ذلك أنّ الأمريكيين سيواجهون المزيد من الهزيمة والانكسار اللذين لم يألفها الأمريكان من قبل, أما المرشح الجمهوري ترامب فوصف بأقبح النعوت لدرجة اتهم بقدراته العقلية وفضائحه مع النساء.
على الرغم من أن المرشحين لم يكونوا على مرام المنتخبين الأمريكان ولا على مرام المراقبين الدوليين، إلا أن الكثير من الأمريكان والدول قد رضيت بالأمر الواقع وأرادت لكلينتون الفوز في الانتخابات الأمريكية، على اعتبار أنها كانت تحمل حقيبة دبلوماسية في الحكومة الأمريكية، ولها تجارب سابقة مع مسؤولي الدول كافة، ولاتحتاج هذه الدول إلى فتح قنوات اتصال جديدة لشخصية جديدة, هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن معظم الأمريكان كانوا تواقين إلى رؤية امرأة تكون هي( سيدة البيت الابيض) لأول مرة منذ نشوء الولايات المتحدة.
ولكن الرياح جرت بما تشتهي السفن لتكون هذه المرأة -زوجة أحد الرؤساء السابقين والمشهورين من الديمقراطيين الذين استطاعوا انتزاع مفاتيح البيت الأبيض من يد الجمهوريين بكل ثقة واقتدار- ضحية من ضحايا العهد الأسود في تاريخ الرؤساء الأمريكان قاطبة.
كلينتون لم تكن سوى ضحية من ضحايا اخفاقات أوباما على مدار السنين الثمانية، ذلك لأنها شغلت منصب وزيرة في الخارجية الأمريكية في أول عهد أوباما، والذي يعدّ ثاني الرؤساء الأمريكان الذين نالوا من هيبة الولايات المتحدة بعد كارتر.
لم يكن ترشحه للولاية الثانية وانتخابه كرئيس من قبل الأمريكيين على الرغم من تلكئه في إدارة الكثير من الملفات إلا بسبب هيمنة الجمهوريين على الكونغرس الأمريكي، والذين استطاعوا تقييد أوباما طيلة فترة رئاسته الأولى، وخصوصا في الإصلاحات الداخلية لشؤون الاتحاد، وبقي أوباما داخل الطوق الحديدي الذي صنعه الجمهوريون، الأمر الذي أزعج الناخب الأمريكي، وأدى به إلى دعم أوباما مرة جديدة, وفي ولايته الثانية غير أوباما من استراتيجته غير المعهودة تجاه المواطنين لينقل معركته مع الجمهوريين إلى خارج الولايات المتحدة. كمت أثر البقاء خارج النزاعات المباشرة سواء في سوريا أو في شبه جزيرة القرم أو غيرها من الساحات التي استطاعت موسكو أن تمد أذرعها بسهولة في ظل غياب الأمريكان، وبهذه العقلية التبعية وغير الرائدة خسر الأمريكان معظم أصدقائهم وبات الحلف الاستراتيجي مع معظم الدول الصديقة على حافة الانهيار التام، أو انهيار الثقة بينهما على أقل تقدير .
وهنا اشتط الجمهوريون من جديد، وخوفا من عاقبة الأمور كرس أوباما مابقي من ولايته إلى إطلاق التصريحات واللعب بالألفاظ والتهرب من الفروض التي تحتم عليه إنجازه إلى أجل غير مسمى، وترك مصير هذه الأولويات إلى التقادم الزمني، ظنا منه أنها المخرج الوحيد له, وبذا حول هذه الدولة القوية إلى دولة هامشية لاتقوى عن الدفاع عن نفسها, فقط باستطاعتها أن تقتل الأبرياء والآمنيين في ديارهم في كل من سوريا والعراق وأفغانستان والذين لايستطيعون رد الظلم عن أنفسهم ولم تقم أية جهة بالدفاع عنهم - بل إنها سمحت بكل إذلال للطائرات الروسية والسورية بصف هؤلاء المدنيين، وبعض من الفصائل المسلحة المعارضة المعتدلة والمعترفة بها دوليا كممثل شرعي للمعارضة السورية.
الأكثر خيبة والتي أدت إلى سيلان عيون و جبين الأمريكان دموعا حارقة وعرقا خجولا هو اعتقال البحرية الإيرانية للفرق الأمريكية من البحارة في مياه الخليج العربي بحجة الدخول في المياه الدولية, هذه العملية غير المشرفة للأمريكان أعطت دافع قوي للإيرانيين ليتصوروا أنهم أسياد الخليج العربي والمنطقة بصورة عامة، ومما دعا إلى الخجل أكثر من ذلك هو إطلاق سراحهم من قبل الإيرانيين بعد التوسلات الدبلوماسية المهينة.
أدت سياسة أوباما الخارجية غير المسؤولة إلى تشتت ميادين القوى، وأصبح العالم على شفا حروب عالمية بسببها، بل إن الكثير من المنظمات التي تعد إرهابية في التقييم الدولي أصبحت لاعبا رئيسا في سوح المعارك، وهذا دليل آخر على مدى ضعف الإدارة الأمريكية منذ نهاية الحرب الفيتنامية، والأبلى من ذلك أن هذه الإدارة هي التي بدأت بدعم بعض هذه المنظمات الإرهابية والأمر الأكثر غرابة وفضاحة في تاريخ الأمريكان هي أن تلك المنظمات كانت ومازالت تعادي دولا تنتمي إلى دول حلف الشمال الأطلسي وهما العضوان بها.
وهناك من الدول التي تخلت عنها أمريكا في عهده والتي تربطها علاقات استراتيجية معها منذ عشرات السنين . ولم تكتفي بهذا القدر من اللامبالاة بل عمد الجمهوريون إلى مسح تاريخ أوباما على البلاط عندما أرغمته إلى الامتثال إلى قرارات الكونغرس بإصدار قانون جاستا الذي هزّ أوساط الرأي العام العالمي بسبب فداحته وتأثيره المباشر على العلاقات الأمريكية مع دول العالم .
مبروك عمنا شيخ ترامب ومبروك لكلينتون منصبها الجديد القادم كرئيسة حملة انتخابية لحواء جديدة شقراء تسعى إلى الوصول إلى البيت الأبيض.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس