محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
لم تكن الاخفاقات الأمريكية المتتالية في إيجاد حلول للمشاكل الدولية سواء كانت في سوريا أم في شبه جزيرة القرم أم في غيرها من المواقع التي تتعرض دوما لمنافسات بين الروس والأمريكان, إلا نتيجة حتمية لضعف أداء الإدارة الأمريكية ورئيسها أوباما ومعاونيه ومستشاريه .
زاد من وهن هذه الإدارة الأمريكية التسلط المستديم لأعضاء الكونغرس من الجمهوريين على سلطة ولاية أوباما طيلة فترتي رئاسته وشغفهم اللامحدود بتوديع أوباما بسيل من الاخفاقات.
ربما كانت هناك بعض من المسائل التي اتفق فيه الطرفان -أوباما والكونغرس- على إيجاد صيغ متوافقة تهم المواطن الأمريكي أو السياسة الداخلية الاقتصادية وربما الاجتماعية. لكن على الرغم من كل هذا فإن تأثير الرئيس كان محدودا جدا في ما يخص مكافحة الإرهاب الجنائي إن صح التعبير وخصوصا بعد تزايد الجرائم وتزايد نسبة الإدمان بين المراهقين والشباب على شتى أنواع المخدرات .
أما فيما يخص السياسة الخارجية فإننا إن تحدثنا عنها فسنتحدث عن كوارث في هذا الجانب المهم والتي تعدّ بدورها أيضا من أولويات الاهتمامات الأمريكية. والمتتبع للسياسة الأمريكية يدرك بأن الرئيس أوباما والوزراء المعنيين لهم تأثير مباشر على مجمل سير الأحداث الخارجية، والانتكاسات المتتالية لإدارتها هو خير دليل على ضعف هؤلاء جميعهم، كساسة ومفاوضين ومهيمنين مقارنة بجهابذة أمريكا السابقين أمثال "هنري كيسنجر" أو غيره من الذين استطاعوا فرض اتفاقيات ومعاهدات مع دول كالاتحاد السوفيتي أو الصين أو أوربا الغربية .
لم يكن إقرار قانون جاستا هو الأول في سلسلة التخبطات الأمريكية والتي عكست سوء وضعف إدارة أوباما, ولكنها كانت الأقوى والأشد لأنها أنهت مصداقية وسطوة مكانة الرئيس, كما من المؤكد أن تشريع القانون المذكورلم يلقَ الاستحسان من الرئيس على الأقل، وهو مايعطي دلالة واضحة على الخلافات الشديدة بين السلطتين إضافة إلى ظهور الكونغرس كسلطة مهيمنة حتى على سلطة الرئيس. ويبرز في الوقت نفسه ضعف إرادة الرئيس أوباما, رغم أن القانون ربما سيكون وبالا في المستقبل على الأمريكين، إلا أنهم سيجدون طرقا للإفلات من تأثيرها المباشر وغير المباشر .
تبقى المسألة السورية هي إحدى أعظم الانتكاسات في السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية، ورغم الكثير من التبريرات حول ضعف إدارة أوباما للمسألة السورية، والادعاء بأنها هي التي سحبت روسيا عنوة للخوض في المستنقع السوري لاستنزافها، أو لربما لغاية في نفس يعقوب، لكن الحقيقة تشير إلى أن هناك ضعفا حقيقيا في قدرات أوباما شخصيا، ويظهر ذلك جليا في تخبطه بالتصريحات المتتالية التي تدين وتشجب وتندد وتبرر وتوعد وتنذر، والتي عادت بـ هيبة الولايات المتحدة إلى مصاف دول العالم الثالث، بل بدت وكأنها إحدى المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية على سبيل المثال أو كأمين عام الأمم المتحدة كمنظمة دولية .
أما بالنسبة إلى المسالة الإيرانية والتي كانت إحدى علامات ضعف شخصية أوباما أمام الكونغرس، فاستعجال أوباما التاريخي لتوقيع الاتفاقية كانت بسبب توافق آراء نواب الكونغرس الأمريكي معه، وإرضاء لهولاء وطمعا لخلق أرضية مشتركة بينه وبينهم. فيمابعد التوقيع لجأ إلى أسلوب الضغط على المفاوضين الأوربيين لتمرير الاتفاقية بالسرعة الممكنة، ورغم أن توقيع الاتفاقية كان لصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأولى لأنهم استطاعوا تحييد إيران في علاقتها مع روسيا، وكذلك إدخال الإيرانيين في قفص السجن الأمريكي بعد إقرار الاتفاقية .
بعد هيمنة الكونغرس على إدارة أوباما، والسيطرة على مجمل نشاطاته أضحى الكونغرس كطير يحلق فوق رأس أوباما على الدوام، مما زاد الطين بلة، فاتجه إلى سلسلة من الأفعال الآنية غير المجدية، والتي حققت تراكمات من السلبية أدت بدورها إلى نفور حلفائها قبل اصدقائها وقبل أعدائها من هذه التصرفات، والتي بالتأكيد ستكون وبالا على الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي ستشغل جل فترتها في إصلاحها، أو سيكون البناء عليها بداية لأزمة عالمية ستسبب كوارث على الأمريكان قبل غيرهم، ومن هذه التصرفات اللاعقلانية هي تزويدهم ودعمهم للأطراف الكردية في سوريا رغم العداء الواضح لحلفائهم الأتراك لهذه الجماعات .
وعلى أية حال لم يكن من الممكن لأي مراقب سياسي أن يتصور مدى تراجع الديمقراطيين وسلطة أوباما بإدارة الملفات الدولية والاستراتيجية لولا التغييرات المفاجئة التي أطلقتها المنصات الصحفية للمسؤولين عن الإعلام في البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، وحتى البنتاغون والتي وضحت بشكل لايقبل الجدل سوء تقييم تلك الإدارات وتخبطها في اتخاذها للقرارات المهمة والفاعلة والغنية، فمنها على سبيل المثال لا الحصر: المسألة العراقية ودخول القوات التركية إلى منطقة بعشيقة والتي أحدثت جدالات واسعة قبل إقرار أحد الناطقين بتصريح خجول في وزارة الخارجية الأمريكية، والذي أيد الادعاء التركي بأن تلك القوات قد دخلت بطلب من الحكومة العراقية وبعلم الأمريكان, لأنه من المعروف أن لتركيا أربعة جيوش، ثلاثة منها من ضمن جيوش حلف الشمال الاطلسي وترفع درجة الاستنفار مع رفعها من جانب الحلف مباشرة، وكلنا نتذكر أن العمليات العسكرية التي كانت تجريها هذه القوات في شمال العراق لم تكن لتتم إطلاقا قبل وصول الفنيين الأمريكيين إلى مقرات هذه القواعد العسكرية التركية, أما الجيش الرابع التركي والتي يتخذ من منطقة جنوب إزمير موقعا لانتشاره كان قد تأسس عام 1974 بعد زيادة النزاعات التركية مع اليونان حول جزر بحر إيجه .
في الختام هناك شعور عربي وتركي بأن الولايات المتحدة قد طعنت هذه الدول من الخلف هذه المرة، وهناك توجه ورد فعل قوي تجاه مايجب عمله للمحافظة على المكانة اللائقة لهذه الدول، ولربما سيكون هناك تقارب مع روسيا مستقبلا إذا استمرت الإدارة القادمة على الأخطاء نفسها، وفي اعتقادي أنها ستغير تغييرا حقيقيا لكل المواقف الأمريكية، ولكن الذي يطمئن الشارع الشرق أوسطي أن هناك ثلاث دول قد وحدت مساراتها وفق مصالح مشتركة، وأصبحت تعطي مفهوما أبعد من التعاون الاستراتيجي وهي الوحدة غير المعلنة بين تركيا وقطر والسعودية بصورة خاصة ودول الخليج معها مستقبلا وربما المغرب أيضا.
وشتان بين الرئيس الامريكي الذي طلب من دول الاتحاد الاوربي الموافقة على انضمام تركيا والكف عن ابتزازها وبين رئيس أمريكي يدعم إحدى المنظمات الإرهابية التي تعادي تركيا علنا .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس