ترك برس
شهدت الساحة السياسية في الآونة الأخيرة ارتفاعا في حدة الهجمات السياسية الإعلامية النمساوية على الحكومة التركية التي تصفها النمسا "بالحكومة الدكتاتورية"، وقد ترجمت النمسا تصعيدها السياسي ضد تركيا من خلال تصويتها المنفرد بنعم لصالح قرار إلغاء التفاوض مع تركيا لضمها كعضو كامل إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، عزت وكالة الأناضول هذه الموجة النمساوية المضادة إلى اقتراب الانتخابات الرئاسية في النمسا، حيث أشارت إلى أن بعضًا من أعضاء الحكومة الحالية يحاولون منع فوز اليمين المتطرف عبر التصريحات المضادة لتركيا، مبينةً أن معظم المؤشرات تُشير في الوقت الحالية إلى حتمية فوز مرشح حزب الحرية النمساوي "المتشدد" "نوربيرت هوفار" على المرشح من حزب الخضر "ألكسندر فاندر بالان".
وأوضحت الوكالة أن الحكومة النمساوية الاشتراكية المحافظة التي عجزت عن إيجاد حل لأزمة اللاجئين والبطالة والتضخم هاجمت تركيا بشكل لاذع مؤخرًا على لسان رئيس الوزراء النمساوي "كريستيان كارن" ووزير خارجيتها "سيباستيان كورز"، مضيفةً أن النمسا التي لم تستنكر محاولة الانقلاب الفاشلة على الحكومة التركية المنتخبة، انتقدت تركيا بلغة شديدة بعد محاولات وقاية نفسها من محاولة انقلاب أخرى عبر حملاتها الأمنية التي طالت عددًا من عناصر جماعة غولن.
وفي هذا الصدد، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة سالزبورج "فريد حافظ" لوكالة الأناضول إن التصريحات اليمينية المتطرفة المضادة للدين الإسلامي ساهمت بشكل كبير في استقطاب الجماهير نحو الأحزاب اليمينية، وما تحاول حكومة النمسا فعله هو الحيلولة دون فوز الحزب اليميني بالرئاسة ولكن من خلال نفس الأسلوب الذي تتبعه الأحزاب اليمينية، مشيرًا إلى أن ذلك تقليد واضح لدى الأحزاب الاشتراكية والمحافظة الأوروبية، واصفا إياه بأنه أمر جد خطير يدل على احتمالية تنامي الفكر اليميني داخل أوروبا بانتشاره حتى بين الأحزاب الاشتراكية التي لم يتوقع أحد أن تنجر إلى هذا المستنقع.
ووفقًا لحافظ، فإن انجرار الأحزاب النمساوية نحو الفكر اليميني المتطرف يظهر من خلال توقيع الأحزاب النمساوية الستة غير المتفقة في أي موضوع على وثيقة إدانة تركيا ومطالبتها بوقف حملات الاعتقال ضد عناصر جماعة غولن وضد العناصر السياسية الداعمة لحزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى موافقتهم على إيقاف المفاوضات الأوروبية مع تركيا.
وفي السياق ذاته، أوضح الخبير السياسي "مراد باتور" أن ثمة عوامل عدة أدت إلى تنامي التيار اليميني المتطرف داخل دول الاتحاد الأوروبي كالمشاكل الاقتصادية المتفاقمة ونقاشات الهوية وضعف مفهوم دولة الرفاهية وبدء هجرة العقول وتلاشي الهوية القومية.
ورأى باتور أن المجتمع الغربي يتهم المسلمين في المقام الأول بهذه الأزمات التي يمر بها، موضحًا أن حزبي النمسا الديمقراطي الاجتماعي وحزب الشعب النمساوي اللذين يشكلان الحكومة عملا على توقيع قوانين تعادي المهاجرين والمسلمين بغية منع حزب الحرية اليميني "المتطرف" من اعتلاء سلم السلطة أو هز شرعية حكومتهم.
وأرجع رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة "سالزبورغ" البروفسور "رينهار هينيستش" تنامي السياسة الهجومية النمساوية ضد تركيا إلى كونها تمثل المحور الأساسي للدول الإسلامية، موضحًا أن الحكومة النمساوية تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية عدة، أبرزها ارتفاع معدلات البطالة والجريمة، وتعمل على تغطية فشلها من خلال الاكتساء بالثوب اليميني المطرف.
وأشار هينيستش إلى أن الحكومة النمساوية لن تستطيع تحقيق ذلك، فالإحصاءات تشير إلى أن 35% من الشعب النمساوي يؤيد حزب الحرية اليميني، وبتنامي المشاكل الاجتماعية والاقتصادية فإن شرائح عدة من المجتمع النمساوي ستميل إليه، ولن ينفع الحكومة التوافقية ما تقوم به للحفاظ على موقعها.
وعبر أستاذ العلوم السياسية والدراسات القومية في جامعة بودابست "أنتون بلينكا" عن قلقه الشديد حيال ارتفاع النفوذ السياسي لليمين المتطرف في أوروبا، موضحًا أن التيار المتطرف ليس حكرًا على النمسا، بل هو تيار أصبح متناميًا في جميع الدول الأوروبية، وقد يكون لذلك التيار تأثير كبير على السلام العالمي.
وجرت مؤخرً اهجمات إعلامية وقانونية عديدة من النمسا ضد تركيا، حيث وافق البرلمان النمساوي بتاريخ 23 نيسان/ أبريل 2015 على قانون يسمح بوصف أحداث 1915 بأنها "إبادة جماعية"، ومنحت عناصر حزب العمال الكردستاني الذي تدرجه تركيا والاتحاد الأوروبي على قوائم الإرهاب حق القيام بالفعاليات والدعايات.
وردًا على تجاوزات الحكومة النمساوية احتجت تركيا على ذلك بسحب سفيرها من فيينا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!