ترك برس
حذر مركز أبحاث موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا حلف الناتو من توجه تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى اعتماد سياسة تسليح أكثر استقلالا عن حلف الناتو وتحقيق الاكتفاء الذاتي في تصنيع السلاح مما سيضعف نفوذ الحلف على أنقرة.
واستعرض المركز في دراسة بحثية أعدها حاي إيتان كوهين ياناروجاك، وترجمتها ترك برس، برامج التسليح التي تنفذها تركيا منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة، وأبرزها مشروع ميلجيم لإنتاج أول سفينة حربية محلية الصنع هايبلي آدا في عام 2011 ،وإنتاج البندقية إم تب بي 76، وتصنيع طائرات بدون طيار، وغيرها.
وأشارت الدراسة إلى أن تركيا تسعى إلى استغلال مشروع ميلجيم لكي تصير موردا نشطا للسلاح إلى عدد من الدول الآسيوية ولا سيما باكستان وأذربيجان والسعودية والبحرين.
وقالت الدراسة إن أنقرة لا تكتفي بإنتاج أسلحتها الخاصة فقط بل تسعى إلى تسعى تركيا إلى إثراء ترسانتها من الأسلحة بتنويع وارداتها من الأسلحة من الدول غير الأعضاء في حلف الناتو، وإنهاء اعتمادها على أسلحة الحلف، ما من شأنه أن يضعف على المدى الطويل نفوذ الناتو على تركيا.
وخلصت الدراسة إلى أن هدف أنقرة من مشاريعها الطموحة للتسليح هو تحويل تركيا إلى لاعب بارز في السياسية الإقليمية والعالمية، والتوقف عن النظر إليها بوصفها حليف الغرب العاجز التقليدي منذ الحرب الباردة والمعتمد على الحماية الدولية.
بدون قيود: مشاريع التسليح التركية أداة للسياسة الخارجية
توترت العلاقات بين تركيا والغرب منذ محاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو/ تموز. في أعقاب الانقلاب أثارت حملة الاعتقالات المستمرة والاعتقالات وإغلاق وسائل الإعلام انتقادات أوروبية قوية تجاه أنقرة. تنظر أنقرة إلى هذه الانتقادات بارتياب، إذا أخذ في احسبان رغبة القادة الأمريكيين والأوروبيين في منح اللجوء للمتهمين بتدبير الانقلاب، والتردد في إدانة الانقلاب عند وقوعه. في الرابع والعشرين من نوفمبر ساءت العلاقات عندما قدم البرلمان الأوروبي توصية إلى الاتحاد الأوروبي بتعليق عملية انضمام تركيا، وفي الوقت نفسه أدى قرار البرلمان النمساوي بفرض حظر على تصدير السلاح إلى تركيا إلى إضافة مزيد من التوتر. ونتيجة لذلك زاد صناع القرار التركي جهودهم لتعزيز استقلال تركيا في تطوير السلاح.
وفي هذا السياق علّق الرئيس، رجب طيب أردوغان، على ضرورة كسر اعتماد تركيا على الدول الأجنبية في حديثه بعد إطلاق القمر الصناعي غوكتورك 1 للأغراض الاستخباراتية من قاعدة غوايانا الفرنسية. وفي سياق مماثل انتقد وزير الدفاع، فكري إيشيك، قرار النمسا حضر تصدير السلاح واصفا إياه بالدافع لبناء صناعة الأسلحة في تركيا.
أما عن خلفية بداية صناعة التسليح في تركيا، فقد أدى الحظر الأمريكي على تصدير السلاح إلى تركيا في أعقاب التدخل التركي في قبرص عام 1974 إلى ولادة رائدة صناعة الأسلحة في تركيا وهي شركة أسيلسان. وتشير تصريحات أردوغان وإيشيك إلى اعتماد سياسة تسليح أكثر استقلالا لتركيا. ويكشف بيانات حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2011 و2015 أن الحزب يرى أن الاستقلالية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في تصنيع السلاح يعد أمر أساسيا لتحويل تركيا إلى لاعب بارز في السياسة الإقليمية والعالمية. ونتيجة لأهداف السياسة الخارجية التركية كلفت أهم شركات السلاح في تركيا التي تضم شركة أسيلسان، وتوبيتاك وروكستان وهافيلسان وتوساش وتومسان وميتيكسان بتطوير الأسلحة الأصلية وأنظمة الدفاع.
يعد مشروح ميلجيم الطموح الذي أنتج أول سفينة حربية محلية الصنع " هايبلي آدا" عام 2011 أبرز مثال ملموس على هذه السياسة. وتعرف السفينة هايبلي آدا أيضا باسم "السفينة الشبح" لقدرتها على التخفي عن الرادار. وبعد نجاح انتاج السفينة هايبلي بدأ المشروع انتاجا ضخما، ففي عامي 2013 و2016 على التوالي أنتج المشروع الفرقاطة الحربية بويوك آدا والسفينة بورغاز آدا اللتين دخلتا الخدمة في القوات المسلحة التركية. وبعيدا عن تلبية احتياجاتها الخاصة تسعى تركيا إلى استغلال مشروع ميلجيم لكي تصير موردا نشطا للسلاح. بالنسبة إلى تركيا تعد الدول الآسيوية، ولاسيما باكستان سوقا مهما للسلاح، كما أن أذربيجان والبحرين وبنغلاديش وعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أسواق محتملة لشركات السلاح التركية لبيع الاسلحة البحرية وغير البحرية.
وإلى جانب تحسين قدراتها الحربية البحرية طورت حكومة أردوغان أسلحة لقواتها البرية، وباستخدام مخزون الجيش التركي من الأسلحة الغربية نماذج، نجح المهندسون الأتراك في تطوير الأسلحة الأصلية، فعلى سبيل المثال أنتجت تركيا البندقية الوطنية إم تي بي 76 على غرار البندقية إم 16، وفي شهر مايو/ آيار عام 2016 بدأت تركيا انتاجا ضخما لهذه البندقية. يصنع الجيش التركي أيضا مدافع الهاوتزر" فيرتينا" التي تستخدم كثيرا ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على الحدود السورية. وعلى حين ترفع هذه المدافع من القوة النيرانية للجيش التركي وتزيد من مداها، فإنها تلقي الضوء على على حاجة الجيش إلى صواريخ ببعيدة المدى.
دفع رصد قدرات الصوارخ الإيراني شهاب3 تركيا إلى تطوير مدى صاروخها الباليستي يلدريم. وفي حين يصل مدى الصاروخ يلدريم1 إلى 150 كم، فإن الصاروخ يلدريم2 قادر على الوصول إلى مدى 300 كم ، وتسعى تركيا إلى أن يصل مدى الصاروخ يلدريم 3 إلى 900 كم، وأخيرا تسعى أنقرة من خلال الصاروخ يلدريم4 إلى تطوير الصواريخ البالستية متوسطة المدى لتصل إلى 2500 كم. أطلقت القوات المسلحة التركية أيضا مشروع الدبابة الوطنية ألتاي. وعلى الرغم من أن هذا المشروع يصور على أنه مساهمة تركية حصرية، فلا بد من الإشارة إلى مساهمة ألمانيا وكوريا الجنوبية في محرك الدبابة ومدفعها. بدأ الإنتاج الضخم للدبابة ألتاي في في شهر أغسطس/ آب ، وسيتسلم الجيش التركي 250 دبابة من هذا النوع خلال السنوات الخمس المقبلة.
وبالمثل يشارك سلاح الجو التركي في عملية تطوير الأسلحة، وفي عام2011 طور الجيش التركي نظام التمييز الإلكتروني الخاص بها المعروف بنظام تمييز الصديق من العدو ردا على الصدامات المتكررة مع سلاح الجو اليوناني في بحر إيجة، كتلك التي وقعت في مارس وديسمبر عام 2015 ، وبعد حادثة أسطول مافي مرمرة التي وضعت إسرائيل عدوا محتملا. حتى عام 2011 كانت تركيا تستخدم نظام التمييز الإلكتروني الخاص بحلف الناتو الذي لم يكن يسمح لتركيا بإعادة تحديد الدول الصديقة لحلف الناتو. وبتصنيعها نظام التمييز الإلكتروني الخاص بها اكتسبت أنقرة القدرة على تحديد طاائرات أصدقائها وأعدائها. وفيما يتعلق بالطائرات بدون طيار، فقد أقنع الخلاف بين أنقرة وتل أبيب صناع القرار في تركيا بإنهاء الاعتماد على إسرائيل. في عام 2008 اشترت تركيا من إسرائيل عشر طائرات بدون طيار من نوع هيرون بـ183 مليون دولار. لكن تركيا بتطويرها طائرة البيراقدار في عام 2014 صارت مستقلة في تصنيع هذا النوع من الطائرات. وبالإضافة إلى ذلك فبتطوير المروحية الهجومية التركية أتاك، تعززت قوة الجيش التركي في حربه غير المتكافئة مع حزب العمال الكردستاني.
وفي الوقت الذي تعتمد فيه تركيا على الطائرات المروحية والطائرات بدون طيار في حربها مع حزب العمال الكردستاني، فإنها تسعى إلى السيطرة على مناطقها الحدودية الجبلية باستخدام الأقمار الصناعية العسكرية ذات الدقة العالية. أطلق القمر الصناعي غوكتورك2 إلى الفضاء في عام 2012، وأخيرا أطلقت شركة تليسبازيو الإيطالية قمرا صناعيا أكثر تعقيدا هو القمر غوكتورك 1. وعلى الرغم من نجاح إطلاق الشركة الإيطالية للقمر الصناعي لصالح تركيا، فإن الرئيس رجب طيب أردوغان أعلن عن نيته إنهاء اعتماد تركيا على الدول الأجنبية.
وبالإضافة إلى إنتاج أسلحتها الخاصة، تسعى تركيا إلى إثراء ترسانتها بتنويع وارداتها من الأسلحة من الدول غير الأعضاء في حلف الناتو، وإنهاء اعتمادها على أسلحة الحلف. هذه الخطوة ستضعف على المدى الطويل نفوذ الناتو على تركيا، وتتيح قدرا أكبر من المناورة للسياسة الخارجية التركية. ويقال إن جهود أنقرة للحصول من الصين على نظام مضاد للصواريخ البالستية قد توقفت بضغوط قوية من حلف الناتو.
في ضوء التوتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإن رغبة أنقرة في توثيق العلاقات مع موسكو وبكين تمثل تهديدا واضحا إلى الغرب. تسعى تركيا بمشاريعها الطموحة للتسليح إلى إعطاء انطباع بأنه لا ينبغي النظر إلىها على أنها حليف الغرب العاجز التقليدي منذ الحرب الباردة والمعتمد على الحماية الدولية. وحيث إن أنقرة تعيد تعريف علاقاتها مع الغرب، فإن الأمن لم يعد يحدد هذه العلاقة. وبدلا من ذلك يبدو أن تركيا ستشدد على العلاقات الاقتصادية والتجارية، وترسم مسارا أكثر استقلالية من حيث أمنها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!