عبدالله عيسى السلامة - خاص ترك برس
دار الزمن دورته من جديد، وعادت أطراف الصراع الثلاثة، إلى ما كانت عليه قبل خمسة عشر قرنا!
إمبراطورية الروم الأمريكية، تهيمن على المنطقة العربية، منذ نصف قرن أو يزيد. وقد ورثت تركتها هذه، عن إمبراطورتي الروم الآفلتين، بريطانيا وفرنسا، بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت دولة الفرس بقيادة آل بهلوي، ما تزال مجرّد دولة، لم تصبح إمبراطورية بعد! وقد خضعت لإمبراطورية الروم الجديدة الناشئة، كما خضع كثير غيرها من الدول الإسلامية والمحسوبة على الإسلام.. حوالي أربعين سنة، حتى قامت ثورة الخميني، في أواخر السبعينات من القرن العشرين المنصرم.
إمبراطورية فارس الجديدة، خرجت من تحت الهيمنة الرومية الأمريكية، منذ هيمن الخميني على بلاده، عبر ثورة الملالي! وبعد نيّف وعشرين عامًا، بدأت تنافسها على (أسلاب!) المنطقة العربية المبتلاة بفراغ القوّة الذاتية، والمستنيمة لحماية الإمبراطورية الرومية المتفرّدة المهيمنة. وأول فتوحات الإمبراطورية الفارسية دولة العراق. ومن طرائف الأحداث أنها فتحت العراق بالطائرات الأمريكية والدبابات الأمريكية والمارينز الأمريكي! واحتلته، وهيمنت عليه، بهذه القوات الأمريكية، وبساسةٍ فرس، يحملون الجنسية العراقية، ويلبسون الملابس العراقية، ويتسمّون بأسماء عراقية، ويخفون أصولهم الفارسية، ورتبهم العسكرية والأمنية الفارسية. وتتمدّد الإمبراطورية الفارسية الناشئة، داخل المنطقة العربية، بدءًا بسورية التي يحكمها نظام متفرّع مذهبيًا، عن مذهب دولة فارس، ويعربد في الدولة المجاورة لها (لبنان)، حزب موال لإمبراطورية فارس بشكل تامّ، مذهبيًا وسياسيًا، وولاء وانتماء...! ويستمدّ منها القوة، تمويلًا وتسليحًا، ويتلقّى منها القرار والتوجيه، والحماية والدعم، والإسناد الداخلي اللبناني، والإقليمي والدولي... وهو حزب الله!
المنطقة العربية مشرذمة، موزّعة على دول ودويلات، عريقة وناشئة، غنيّة وفقيرة، صغيرة وكبيرة... وكلها نَهب للتنازع الجديد بين الإمبراطوريتين!
الفرق بين الأمس، قبل خمسة عشر قرنًا، واليوم... هو أن المنطقة العربية تدين أكثريتها بالإسلام، وأن دولة فارس تدّعي بمذهبها الصفوي الذي تعتنقه، الانتماء إلى الإسلام! وهي، بهذه الصفة، ترى نفسها أحقّ من الروم النصارى، بالهيمنة على الأمّة العربية!
وإذا كانت إمبراطورية الملالي، الفارسية الصفوية المعمّمة، قد بدأت تمدّ أذرعها الأخطبوطية إلى شمال إفريقية... وإذا كانت تطالب الآن، مصرَ بأن تعيّن وزيرًا شيعيًا، لِما تسمّيه العتَبات المقدّسة: (وهي أضرحة آل بيت النبوّة)... وترى ذلك حقًا مشروعًا لها، لأن المصريين، أتباع المذهب السنّي، لا يؤتمنون، على هذه الأضرحة... فمن باب أولى، أن تَرى إقليم الشام كله، بسائر دوله، مرتعًا شرعيًا لمبشّريها الصفويين! لأن هذه الدول مجاورة لمستعمرتها الجديدة العراق... فهي امتداد طبيعي لنشاطها المذهبي والسياسي، فضلًا عن كون أكبر دولة، في هذا الإقليم الشامي، يحكمها مذهب متفرّع عن مذهبها الصفوي عقَديًا، ونظامُ حكم موالٍ لها سياسيًا، مرتبط بها أمنيًا...! وفضلًا عن كون حزب الله الصفوي يعربد في لبنان، مسلّحًا بصواريخ فارس، ويحاصر الحكومة اللبنانية المنتخبة، ويهدّدها بالإسقاط عنوة، إذا لم تسقِط نفسَها بنفسها...! إذا كان هذا كله يجري صباحَ مساءَ، على مسمع من الدول العربية، حكومات وشعوبًا... فما دول الخليج العربي (الذي تسمّيه إيران: فارسيًا) بمجموعها، إلاّ لقمة طريّة شهيّة، في نظر الإمبراطورية المعمّمة و(شاهِها) الوليّ الفقيه! وهي (أي: دول الخليج، اللقمة الطرية الشهية)، تنتظر فرصة سانحة، لإمبراطورية الملالي، لتلتهمها بوثبة واحدة، ثمّ تشرب فوقها كأسًا دهاقًا، من ماء النيل، بعد أن تَضلّعت، من مياه الفرات وبردى، وأنهار لبنان كلها...!
فهل تَجهل الدول العربية، كلها أو بعضها، بسائر أقاليمها، في إفريقية وآسيا... هل تجهل هذه المطامح الإمبراطورية الفارسية الصفوية!؟ وإذا كانت غير غافلة ولا جاهلة، فماذا هي فاعلة!؟ سؤال، نحسبها تجهد أذهان ساستها ومحلليها، وقادة عسكرها وأمنها، في محاولة الإجابة عليه! لكن الخشية هي أن تتأخر الإجابة، إلى ما بعد اجتياح الطوفان، المنطقةَ برمّتها، ووصولِ المياه الصفوية الآسنة، إلى كل غرفة نوم، لكل حاكم، وكل محكوم...! وعندئذ لا تجدي الدموع، لو كانت أشدّ ملوحةً من البحر الميّت، وأغزر من أنهار الدنيا جميعًا! فهل تفكّر دول العرب بحشد شعوبها، وعلمائها، ونخَبها الفكرية والسياسية... لمواجهة الطوفان، الذي يَحشد فيه الملالي كلّ قوّة، وكل ذي قوّة من أيّ نوع...! أم تكتفي بحشد عساكرها ورجال مخابراتها، ليكون مصيرهم مصيرَ مَن سبقهم، من عسكر صدام وأجهزة مخابراته وميليشياته!؟ أم تَركن في حمايتها إلى السادة الروم، دون أن تخشى من مسّ النار، في الدنيا أو في الآخرة، لأن الروم ـ في نظرها ـ ليسوا ظالمين، ولا ينطبق عليهم مدلول الآية الكريمة: (ولا تَركنوا إلى الذين ظَلموا فتَمسّكم النار)! مع أنهم يعلمون أن السادة الروم، طفقوا منذ فترة غير قصيرة، يتفاوضون مع الفرس حلفائهم ـ في إسقاط أفغانستان والعراق ـ على ترتيب شؤون المنطقة! وبالتالي، على ما يمكن تركه للفرس، من أسلاب هذه المنطقة، ممّا يصرّ ملالي طهران على انتزاعه والهيمنة عليه...! وأصواتُ خبراء الروم، تتعالى في هذا المجال، وإمبراطورهم، يشاور عقله وعقول مستشاريه، لمعرفة ما يأخذ وما يدع، بصرف النظر عن رأي الدويلات الأسلاب، ومصيرها، الذي تقرّره مصالح المتفاوضين: الفرس والروم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس