د. أسامة الملوحي - ترك برس
جاء في نصّ الرسالة التي أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، أنه قال: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ" وقيل عن الأريسيين أنهم مسيحيون موحدون استُؤصلوا قبل زمن هرقل والنبي ينذره أنه سيحمل إثم محاربتهم عند الله حتى لو لم يكن حاضرًا إن لم يُسلم وأقرب ما قيل في غير هذا المعنى في الأريسيين: "أنهم كبراء القوم وزعمائهم الذين يأتمر من دونهم بأمرهم" وقيل "هم القادرون على هداية الناس أو إضلالهم... "لأن هناك رواية أخرى تنص" فإن عليك إثم رعاياك".
وإثم الأريسيين اليوم فيما تمر به سوريا ظاهر عظيم وأصحابه كُثر مُعلَنون مُعلِنون.
وأكثر هؤلاء الكبراء المعنيون رجال دين مشايخ يترأسون كتلًا ومعاهد ومؤسسات خاصةً أو رسمية.
وبعد سقوط حلب طفا هؤلاء إلى السطح وظهروا وأظهروا الولاء والبراء... أظهروا بصورة واضحةٍ فاضحةٍ ولاءهم القوي الكامل لبشار الأسد وللميليشيات الطائفية وللروس وجددوا البراءة من المجموعات المسلحة الإرهابية وأعلنوا الفرحة والبهجة ودعوا المريدين والأتباع إليها.
ومن هؤلاء كان الحوت شيخ الكلتاوية وكبيرها وقد عاد بعد سقوط حلب إلى كلتاويته فاتحًا منتصرًا... ولكن الحوت لم يكن أشدهم وأغربهم بل كان محمد أبو الفتح البيانوني الذي أظهر الولاء لآل الأسد والبراء ممن خالفهم منذ سنوات طويلة ودعا بشدة إلى العودة إلى حضن الوطن بعد أن عاد هو إليه غانمًا تاجرًا شريكًا.
أول من خانهم هذا الرجل كان أخاه محمد غياث أبو النصر البيانوني رحمه الله الذي أنشأ جماعة دعوية في حلب وسمّاها "جماعة الهدى" وربى أفرادها على عيْنهِ تربية روحانية وأخلاقية ظاهرة، وعندما حصل الصدام مع نظام حافظ أسد لم يركن ولم يحايد واتخذ موقفًا فريدًا ووجه جماعته بأكملها إلى هذا الموقف المشرف فاستجابت له وكان له في ذلك الأجر مرتين وربما مرات على عدد أتباعه وانصاره الذين قادهم للرشد والحق على مرارة الطريق إليه.
وعندما اشتد عليه المرض وأحس بدنو الاجل في الأردن عام 1987 أوصى أخاه أبا الفتح أن يرعى جماعة الهدى وأن يترأسها وأن يحافظ على لمِّ شملها واجتماعها على الحق والذكر المبين و لكن أبو الفتح وبعد وفاة أبي النصر شجّع تفرق الأفراد في البلاد وحرص على ابعادهم عن أي نوع من المواجهة أو المعارضة لنظام آل الأسد واستطاع في وقت قصير أن يمحوَ تمامًا ذكر "جماعة الهدى" التي كانت قدوة ونموذجًا.
واليوم وبعد أن بان كل شيء وبعد أن كشفت الثورة السورية كل بشاعة العورات والسوءات وكذب الشعارات، وبعد سقوط حلب بأيدي أحقد المجموعات الطائفية يصل أبو الفتح البيانوني إلى مستوىً يقول فيه أنه فرح بما اعتبره فرج من الله عن حلب، وألقى باللوم في قتل وتهجير كثير من أهلها وهدم كثير من بنيانها وتدمير حضارتها على من أسماهم المجموعات المسلحة وأشار إلى أن الميليشيات الطائفية والروس من جنود ربك الذين هيأهم لإنقاذ حلب من محنتها، استجابة لدعاء المتضرعين الذين أكرمهم الله باجتياح الصفويين لحلب في وقت أقصر مما كانوا يتمنون...ودعا كل الأحبة أن يبتهلوا إلى الله ليكون في باقي البلاد ما كان لحلب.
كلام أبو الفتح البيانوني أيها الإخوة متوقع ولا يختلف عن كلام الشيوخ المنافقين الآخرين الذين مردوا على النفاق عبر أكثر من أربعين سنة ولكن الظرف العصيب الشديد يجعل درجات النفاق تتفاوت ولأن أهل السنة مستهدفون بعقيدتهم ووجودهم لدرجة خطيرة غير مسبوقة، ولأن الذين اجتاحوا حلب هم صفويون مصممون معلنون للاستباحة الشاملة الدائمة, ولأنهم طبقوا فعلًا هذه الاستباحة وما يزالون في حلب، ولأن أبا الفتح يتمنى وربما يشتغل على حصول ذلك في كل سورية...
من أجل كل ذلك تعلو مراتب أبي الفتح في النفاق، ولأن له أتباعًا ومريدين يُسلِّمون له وينحنون، ومن دونهم أناسٌ يبحثون عن عمامة يعلقون عليها ذرائع ركونهم إلى الذين ظلموا، وآخرون قد تفتنهم شهرة ومنبر وكلام أبي الفتح في مسجد أو صفحة أو شاشة....سيكون على أبي الفتح إثم الأريسيين... سيكون عليه وزره ووزر من اتبعه أو علّق عذره في رقبته أو افتتن بكلامه، والوزر عظيم... وزر من يؤمن بالطاغوت في الملحمة السورية عظيم، ولا أظن وزرًا في التاريخ سبقه...ولا أظن أن طاغوتًا في التاريخ ماثله.
ويبقى السؤال الكبير... لماذا خاطب علي البيانوني أخاه بهذه الطريقة الودودة عندما اعترض على مقاله فخاطبه بأخي الكريم وعاتبه على فرحه ونصحه أن لا يظهر فرحته على الأقل وتمنى عليه أن يحذف الكلام... ما هذا الخطاب؟...
هل هو من باب الحكمة و التدرج في الخطاب وعلي البيانوني يعلم أن أخاه قد أصبح مع الطاغوت ويدافع عن الطاغوت منذ سنين وسنين أم ماذا...؟
ألا تفرض الآية الكريمة معناها على علي البيانوني: "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"... أليس الذي يقف مع الطاغوت المجرم يحادّ الله ورسوله...ألا يفرض معنى الآية على أبي أنس أن ينزع عبارات الودِّ والأخوة من خطابه مع أخيه... ألا يستلزم الأمر أن يتبرأ من أخيه حتى ينأى عن وزره فمن غير براءة يطال الوزر غير صاحبه "... فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ".
وبنو إسرائيل أيام النبي خاطبهم القرآن بجرائم أجدادهم لأنهم لم يتبرؤوا منها ومنهم.
ولعلي البيانوني أنصار ومتابعون فإن لم يجدوا منه موقفًا يصل حدَّ المفاصلة فقد يرتبكون وترتبك الثوابت في حساباتهم وأفعالهم.
على الجميع أن ينأى عن إثم الأريسيين فهو إثم عظيم مديد قد يوغل في التاريخ ويمتد للمستقبل وفيه الوزر ووزر من عمل بعمل الوازر ما دام مقتديًا به.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس