لوموند ديبلوماتيك - ترجمة وتحرير ترك برس
أثارت الثورة في سوريا التي اندلعت سنة 2011، إلى جانب تدفق اللاجئين إلى أوروبا توترات عديدة بين تركيا وألمانيا وإيران. وعلى الرغم من ديناميكية التقارب في العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وطهران ونجاح المفاوضات حول وقف إطلاق النار بصفة نهائية في كامل الأراضي السورية، والتوصل لإيجاد حلول مشتركة لفض النزاع، تبقى إيران منافسا أساسيا لتركيا على مرّ التاريخ مهما كانت التطورات السياسية في المنطقة.
كانت العلاقات الثنائية بين تركيا وإيران تتسم دائما بالبراغماتية. ورغم طبيعة العلاقة التنافسية، إلا أنه جمعتهما بعض المصالح المشتركة خلال مراحل تاريخية محددة.
كشفت ثورات الربيع العربي عمق التناقضات بين البلدين. ومنذ بداية الأزمة السورية، ظهرت الخلافات العميقة بينهما. ومنذ دعوة حكومة بشار الأسد إلى التنحي، إلى قيام الثورة السورية التي طالبت بإجراء إصلاحات جذرية، وقفت أنقرة في صفّ المعارضة السورية.
وفي المقابل، اتبعت طهران سياسة مختلفة تماما بعد أن اعتمدت إستراتيجية سياسية وعسكرية تقوم على دعم النظام السوري، حيث قامت طهران بدعم دمشق، بمساعدة حلفائها اللبنانيين، وتحديدا "حزب الله"، فضلا عن المليشيات الشيعية العراقية والمتطوعين الشيعة الذين جاؤوا من مختلف البلدان، وهو ما بدا أكثر وضوحا خلال معركة حلب.
لقد أصبحت تضطلع بدور الحليف الأهم للنظام السوري، وهو ما كان جليا خلال التدخل العسكري الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015، وخاصة عندما سمحت معاهدة حلف شمال الأطلسي لتركيا بتثبيت درع صاروخي على حدودها بهدف حماية أراضيها من الهجمات المحتملة التي يمكن أن تهدد أمنها الداخلي، وبهدف الوقاية من انتهاكات الطائرات الروسية لمجالها الجوي.
بالنسبة للنظام الإيراني، فإن تركيا قد تمكنت من التخلي عن سياسة التبعية للولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة 2003، عندما رفضت تسهيل التدخل العسكري الأمريكي في العراق. إلا أن الجيش الأمريكي سمح في تموز/ يوليو 2015، بانطلاق الطائرات التركية من قاعدة إنجرليك لقصف قوات تنظيم الدولة. ورغم أن هذا القرار ساهم في الحد من تقدم تنظيم الدولة، إلا أنه أثار غضب طهران بسبب التقارب الجديد بين أنقرة وواشنطن. كما شعرت طهران بالقلق إزاء التقارب الثلاثي الذي ظهر، في بداية سنة 2015، بين تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر في خصوص القضية السورية.
وافقت تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر على التنسيق وتعزيز جهودها في دعم المعارضة السورية من أجل مواجهة النظام، إلا أن النتائج لم تكن في مستوى التوقعات. ففي نهاية آذار/ مارس 2015، تدخلت قوات التحالف الدولي في سوريا، مما دفع طهران إلى دعوة موسكو للتدخل عسكريا، وفض النزاع.
رغم إبرام الاتفاق النووي الإيراني في تموز 2015، إلا أن أنقرة وطهران خاضتا حربا كلامية حول سوريا، وواصلتا تبادل التهم، بعد أن اتهم كل طرف الطرف الآخر بدعم "الحركات الإرهابية". فقد أصرت وسائل الإعلام الإيرانية على اتهام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بشراء النفط من آبار النفط السورية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة. وفي إطار إنشاء علاقات قوية مع بعض الممالك النفطية، افتتحت أنقرة في مايو/ آيار 2016 قاعدة عسكرية على الأراضي القطرية، للمرة الأولى منذ سقوط الدولة العثمانية.
ومثلت السياسة الجديدة لتركيا مبادرة رسمية لبداية التحالف السني الذي انطلق برعاية الرياض في آذار 2016، في نفس الوقت الذي نشأ فيه تقارب بين الدوحة وأنقرة. وقد أثار تغلغل أنقرة في الخليج العربي، قلق إيران التي تعتبر الخليج العربي منطقة نفوذها الحيوية.
وفي ظل كل التناقضات والاختلافات حول القضايا الإقليمية، لا تزال تركيا وإيران ملتزمتان بكل أشكال التعاون الاقتصادي والتجاري والطاقي، حيث لا زالت تركيا تستورد النفط والغاز من إيران. بينما تستمر إيران في استيراد السلع الاستهلاكية من تركيا.
إلا أن حجم المعاملات التجارية بينهما قد تقلص بسبب الاضطرابات السياسية. كما ساهم انخفاض أسعار المحروقات في ظهور تقلبات عديدة في العلاقات التركية الإيرانية، وقد حاولت إيران تحسين علاقاتها بتركيا عندما قام الأتراك بإسقاط الطائرة الروسية إثر اختراقها للمجال الجوي التركي، وهو ما اعتبرته انتهاكا للحدود التركية من الطرف الروسي الذي تجمعه علاقات جيدة مع إيران.
حاولت إيران الحدّ من آثار الأزمة على العلاقات بين موسكو وأنقرة. والدليل الذي يبرهن على أن هذه العلاقات تحكمها المقاربة البراغماتية، هو توقيع أنقرة وطهران في ربيع سنة 2016 على اتفاق تعرضا فيه لسبل التعاون الإستراتيجي في مجال النفط والغاز الطبيعي. وعلى الرغم من الأجواء المتوترة التي تمر بها المنطقة، فقد قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة طهران في السابع من نيسان/ أبريل الماضي، لمناقشة القضية السورية.
مثلت محاولة الانقلاب في تركيا ليلة 15 تموز سنة 2016، بالنسبة لطهران فرصة مناسبة وغير منتظرة للتقارب من الجار التركي. وفي تلك الفترة، بدأت العلاقات الروسية التركية تأخذ طابع التحالف. وبينما لا يزال الانقلاب مستمرا، أرسل وزير الشؤون الخارجية الإيراني رسالة دعم لتركيا على موقع التواصل الاجتماعي تويتر. وخلال اجتماع للمجلس الأعلى للأمن القومي، أعرب الرئيس الإيراني، حسن الروحاني عن دعمه الرسمي للدولة التركية، وأقر بشرعية الحكومة التركية.
لم يكن التفاعل الإيراني سريعا نوعا مقارنة بتفاعل دول حلف الناتو وحلفاء أردوغان الرئيسيين. فقد حاول روحاني استغلال الفرصة من أجل اقتراح إطلاق مفاوضات حول بعض القضايا الإقليمية، بعد فشل الانقلاب. كما دعا السلطات التركية إلى مراجعة مواقفها حول القضية السورية.
وفي أقل من شهر، تحققت بعض أمنيات روحاني، إذ توصلت كل الأطراف إلى توافق حول ثلاثة أهداف رئيسية تمت مناقشتها فعليا خلال اجتماعات سرية، بدأت بعد ثلاث أشهر من انتخاب روحاني، وتتمثل هذه الأهداف في: الحفاظ على السلامة الإقليمية، ومكافحة جميع الحركات المتطرفة والإرهابية في المنطقة، وإنشاء حكومة وحدة وطنية بعد إجراء انتخابات تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة.
وفي الواحد والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر، تفاوضت الأطراف الثلاثة؛ أنقرة وموسكو وطهران دون إشراك واشنطن، حول وقف إطلاق النار في سوريا. ويُذكر أنّ هذا اللقاء الثلاثي جاء بعد مقتل السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة.
رغم إبرام هذا الاتفاق الرسمي، فإن الخلافات لا تزال قائمة بين تركيا وإيران، بما في ذلك الخلاف حول مصير بشار الأسد. ومن جانب آخر، تعمل الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا على تحسين العلاقات الثنائية، بعد أن أصبحت العلاقات الأمريكية التركية فاترة إثر محاولة الانقلاب الفاشلة، حيث قام باراك أوباما بزيارة نظيره التركي، رجب طيب أردوغان في أوائل أيلول/ سبتمبر الماضي.
شنت تركيا عملية "درع الفرات" في الرابع والعشرين من آب/ أغسطس في شمال سوريا، بالتشاور مع واشنطن، ودون العودة إلى طهران.
وتجدر الإشارة إلى أن طهران وصفت هذه العملية بأنها "انتهاك للسيادة السورية"، واتهمت أنقرة بتعقيد الوضع الإقليمي. إلا أن ذلك لم يمنع تركيا من توسيع عملياتها العسكرية، وإقامة مساحات آمنة للمعارضة السورية، وإسقاط معاقل المتطرفين، الأمر الذي لم تستسغه إيران.
تعمل كل من طهران وأنقرة على تهدئة التوترات بينهما، رغم اختلافهما حول العديد من النقاط السياسية فيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية، والسياسة الخارجية الإيرانية.
يقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه مدافعا عن السنّة. وخلال العملية العسكرية في العراق التي تهدف إلى استعادة مدينة الموصل القابعة تحت سيطرة تنظيم الدولة، أدان الرئيس التركي وجود الميليشيات الشيعية التي تدعمها طهران في العراق؛ معتبرا ذلك تهديدا حقيقيا للمدنيين السنّة في المنطقة. وقد حشدت تركيا قواتها على الحدود العراقية، ما يعني أن أنقرة لن تقف مكتوفة الأيدي إذا انتهكت هجمات الميليشيات الشيعية حقوق الأقليات من التركمان المتواجدين في الموصل وتلعفر.
وفقا لبعض المراقبين، يُعد هذا تحذيرا من أنقرة إلى طهران إذا ما استمرت في التقدم داخل الأراضي العراقية. ويُعتبر، بشكل غير مباشر، رفضا للسياسة الإيرانية في العراق. و يمكن أن يساهم الموقف التركي في دفع التقارب بين السلطات التركية والحكومة الجديدة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي الجديد حول إيران، ومستقبل علاقة بلاده معها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!