أسامة أسكه دلي - خاص ترك برس
تركيا مقبلة في الوقت الراهن على مرحلة جديدة، إذ بدأ البرلمان بالتصويت على مواد الدستور الجديد، الذي سيؤسس لمرحلة سياسية جديدة في البلاد، حيث سيُستبدل النظام البرلماني بالرئاسي.
أثار هذا الأمر جدلا كبيرا بين الأحزاب السياسية التركية، فحزب العدالة والتنمية إن صحّ التعبير عانى الأمرّين إلى أن أوصل المقترح إلى البرلمان، ولا سيما أن الأحزاب السياسية المعارضة حاربت المقترح بكل ما أوتيت من قوة. وعلى رأس هذه الأحزاب حزبا "الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي".
منذ بدء المباحثات وتشكيل اللجنة الدستورية لدراسة المقترح الجديد، وحزب الشعب الجمهوري يذكر في كل مناسبة مقتنصا الفرصة بأن الدستور الجديد والانتقال إلى النظام الرئاسي لا يمكن أن يتم في تركيا إلا "بسفك الدماء".
عند التفكير بماهية هذه الجملة تشعر بمدى الاحتقان الموجود لدى الحزب، وبمدى الرفض لهذا الانتقال، لأنّ النظام الرئاسي بحسب "حزب الشعب الجمهوري" سيبعد تركيا عن النهج الديمقراطي.، ولن يكون حلا لمشاكلها.
ليس كليجدار أوغلو وحده الذي هدّد بأن الانتقال لن يتم إلا بسفك الدماء، "إينغن أتلاي" نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب ذاته كرر العبارة نفسها قبيل بدء مرحلة التصويت في البرلمان، بل وذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال: "إن تركيا في حال استبدلت النظام البرلماني بالرئاسي ستشهد فوضى كبيرة، ومن ثم ستذهب إلى حرب داخلية".
ومع التوافق الذي وصل إليه حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية فيما يخص الدستور الجديد، أسرع كليجدار أوغلو إلى نعت زعيم الحركة القومية "دولت باهتشلي" بـ "خيانة الوطن".
من الجدير هنا أن نتذكر أنّه خلال الانتخابات الرئاسية التي ترشّح فيها "رجب طيب أردوغان" لرئاسة الجمهورية التركية عام 2014، أعلن حزبا "الشعب الجمهوري والحركة القومية" اسما مشتركا وهو "أكمل الدين إحسان أوغلو" ليكون منافسا لأردوغان في الانتخابات الرئاسية.
إن رئاسة الجمهورية هي لعبة سياسية، كلّ أبرز مرشحه، حزب العدالة والتنمية أبرز "أردوغان" وحزبا "الشعب الجمهوري والحركة القومية" توافقا حول اسم مشترك، والشعوب الديمقراطي رشّح آنذاك اسم زعيمه.
اقتضت اللعبة آنذاك أن يتفق حزبا "الشعب الجمهوري، والحركة القومية"، واليوم اتفق حزبا "العدالة والتنمية، والحركة القومية"، اتفاق "العدالة والتنمية والحركة القومية" حول الدستور الجديد أدى بـ كليجدار أوغلو إلى اتهام باهتشلي زعيم الحركة القومية بـ "خيانة الوطن".
ردّا على هذا الاتهام قال باهتشلي بأعصاب باردة: "لا يهمنا ما يقوله الآخرون عنّا، فنحن لا نسير إلا في المسار الذي نجده صحيحا".
تعوّدنا في مجتمعاتنا على سلطوية صاحب المقام أو القوة على الآخرين، على سبيل المثال: لا يمكننا أن نتخيل بأي شكل من الأشكال -في حال أصبح في دولنا برلمان يحظى بمشاركة نواب من أحزاب سياسية مختلفة- أن يقول أحد نواب حزب سياسي ما لزعيم الحزب الذي ينتمي إليه: "سأخالف رأيك في القرار الذي ستتم المصادقة عليه في البرلمان، وسأصوت بعكس ما تريده أنت..... على الفور يتبادر إلى أذهاننا أنه سيخاف من فعل ذلك خوفا على منصبه في الحزب أو خوفا من أمور أخرى"، باختصار لن نتوقع أبدا أن سيخالف توجّه زعيم الحزب.
على الرغم من توافق حزبا "العدالة والتنمية، والحركة القومية" حول الدستور الجديد، إلا أن النائب عن حزب الحركة القومية في ولاية "قيصري" "يوسف حلاج أوغلو" أعلن بأنه لن يصوت لصالح تغيير الدستور والنظام الرئاسي خلال عمليات التصويت.
خلال عمليات التصويت في البرلمان التركي يجلس "باهتشلي" زعيم حزب الحركة القومية لمدة ساعتين إلى نائبه في البرلمان عن ولاية "قيصري" وبعيد انتهاء الجلسة، يهرع الصحفيون إلى "حلاج أوغلو" لسؤاله: "هل طلب منك باهتشلي العدول عن رأيك؟" فيرّد قائلا: " عرضت عليه رأي، وعندما أبلغته برفضي للأمر، وبأنني سأصوت بـ لا قال لي: "أحترم رأيك، ولا يحق لنا أن نجبر أحدا على شيء ما، وبعد ذلك سألني عن أعمالي فاخبرته عنها".
من يتأمل موقف حزب الشعب الجمهوري من الدستور الجديد، يشعر أنه لن يرى كليجدار أوغلو زعيم الحزب إلى جانب مسؤول من حزب العدالة والتنمية، أي يتخيل المرء أنّ اجتماعه إلى جانب مسؤول من العدالة والتنمية سيكون ضربا من الخيال، نشعر حتى وإن اجتمعا بان الاجتماع سيكون جافا، وأن الوجوه ستكون عابسة، وأنه -الاجتماع- تم فقط من باب الدبلوماسية السياسية. إلا أنّ الامر لم يحدث على الشكل الذي نتخيل.
بعد أن أنهى يلدرم مؤتمرا صحفيا في مبنى البرلمان، وقبيل بدء أعمال التصويت، وفي أثناء توجهه إلى قاعة البرلمان يمرّ بجناح حزب الشعب الجمهوري في البرلمان، فيدعوه كليجدار أوغلو لتناول الشاي، فيلبّي يلدرم الدعوة، وبصحبته نائبه، خلال اللقاء ومن خلال الصور لا تخفى الضحكة على وجوه السياسيين، وبشكل خاص على وجوه "كليجدار أوغلو ويلدرم" حتى يخال المرء أن حزبيهما هما المتفقان حول الدستور الجديد، وليس حزبا "العدالة والتنمية والحركة القومية"، ويدور النقاش كما يلي: يقول كليجدار أوغلو لـ يلدرم: لو أنكم تتراجعون عن هذه الخطوة قاصدا مقترح الدستور الجديد، ستكون الأمور على ما يرام، فيبادر نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري بالقول: "سيد يلدرم، نحن لا نريد النظام الرئاسي لأننا نحب أن نراك رئيسا للوزراء حتى عام 2019، فيبتسم يلدرم لقولهما...... فيردّ نائب يلدرم ضاحكا ليقول: "لم نكن نعلم أن كأس الشاي الذي دعوتمونا لشربه سيكلفنا باهظا، السيد رئيس الوزراء كان يشرب الشاي على مهل ما إن قلتم له هذا حتى شرب الشاي دفعة وحدة مفكرا بالهروب من الجلسة"
إنها لعبة السياسة، واختلاف آراء السياسيين في تركيا لا يفسد للود قضية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس