جلال سلمي - خاص ترك برس
تجمع تركيا علاقات وطيدة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بزعامة مسعود بارزاني، فهو ليس مجرد عنصر موازن للحزب الكردستاني الرئيس في إقليم شمال العراق؛ الاتحاد الوطني الكردستاني المحالف لإيران والمناهض للعلاقات التركية الوثيقة مع كردستان العراق، بل هو أيضًا عنصر موازنة مهم لتحركات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الفاعل في شمال سوريا ذراع حزب العمال الكردستاني "المحارب لتركيا منذ عام 1984" السورية، ومتلقي الدعم من الولايات المتحدة، والمائل للتحالف مع إيران وروسيا والنظام السوري بأي وقت، والمهدد الأول للمصلحة التركية القومية، كونه يرمي إلى إنشاء حزام حدودي يفصل تركيا عن سوريا، إذ أن تشييد ذلك الحزام يعني تغلغل المزيد من قوات حزب العمال الكردستاني إلى سوريا، لتوسيع قواعدهم واستهداف تركيا بشكل أوسع.
ولكن، كيف يشكل الحزب الديمقراطي الكردستاني "الكردي العراقي" المتحالف مع تركيا قوة حزب الاتحاد الديمقراطي "الكردي السوري"؟
كلمة السر هنا تكمن في قوات البيشمركة الكردية السورية التي دربها البارزاني بشكل جيد وأضحت تُعرف باسم "قوات بيشمركة روج آفا"، وتصنف هذه القوات على أنها تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني السوري المنضوي في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. ذلك الائتلاف الذي يقع مقره في إسطنبول، وعلى اتصالاتٍ وتنسيقٍ جيد مع الحكومة التركية.
لقد بدا جليًّا في الآونة الأخيرة أن تركيا تحاول تكثيف مشاوراتها مع الأطراف الفاعلة وذات الصلة بالقضية السورية، لإقناعها بإحراز تعاون مشترك حول عملية تحرير الرقة، فبعد الانتهاء من الجولة الخليجية والتأكيد على أجوائها الإيجابية التي قد ترتقي إلى تأسيس صندوق تمويل خاص بإنشاء المناطق الآمنة وتمويل القوات العربية التي قد تشارك في عملية تحرير الرقة، مضت تركيا في تحشيد الدعم لرؤيتها عبر لقائها مع بريطانيا التي تسعى على الأرجح للعودة إلى الساحة الدولية بسياسة مستقلة عبر تنسيق مواقفها مع تركيا ذات التأثير الجلي في القضية السورية، ومن ثم ألمانيا الممثل الأكبر للاتحاد الأوروبي، والتي تهدف من خلال محاربة "داعش" إلى تخفيف حدة أزمتي الإرهاب واللاجئين.
وفي ضوء زيارة بارزاني إلى أنقرة، يصبح التساؤل المطروح حولها؛ ما هي أهم الأمور التي تتصدر قائمة جدول أعمال الزيارة التي تأتي بالتزامن مع المشاورات التركية المكثفة الجارية بخصوص كسب مواقف القوى الفاعلة لصالحها فيما يتعلق بعملية تحرير الرقة من هيمنة "داعش"؟
ـ النظر في قضية إشراك البيشمركة "الكردية السورية المتوافقة أيدولوجيًا واستراتيجيًا مع الطموحات التركية في عملية تحرير الرقة، لإقناع الولايات المتحدة بنجاعة القوة التي تعمل تركيا على تشكيلها لمحاربة "داعش"، لا سيما وأن البيشمركة سبق الحديث عن تجهيزها بالتعاون مع الولايات المتحدة للمشاركة في عملية تحرير المناطق المسيطر عليها من قبل "داعش" في شمال سوريا. فتركيا تلمس من ذلك تحقيق توازن للقوى على صعيد القوات الداخلية، بشكل يفتح لها الفرصة لزرع قوات كردية محالفة لها مقابل القوات الكردية غير المحالفة لها بل والمحاربة.
ـ مناقشة إمكانيات احتواء العناصر الشيعية المتسقة بإيران وعناصر حزب العمال الكردستاني المتوغلة عسكريًا واجتماعيًا في بعض المناطق المحررة في الموصل وكركوك: تعلم تركيا أن رفع حدة التوتر الإعلامي مع إيران قد ينعكس عليها سلبًا في العراق الذي بات بمثابة منطقة خاضعة شبه كليًا للسيطرة الإيرانية، حيث قد تتجه إيران للإيعاز للقوات الشيعية المتسقة بها، وعناصر حزب العمال الكردستاني المتواجدين في الإقليم، والذين توفر لهم الدعم، لزيادة مستوى نشاطهم السياسي والعسكري المخيف لجانب الحس الأمني والسياسي لدى الحكومة التركية، لذا فالزيارة تحمل أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا، فموازنة هذه القوات ميدانيًا لا بد أن يكون من خلال قوات ميدانية مشابهة لها في القوة والعتاد.
ـ جانب اقتصادي: باتفاق إيران مع العراق على تحويل خط إمدادات النفط العابر لإقليم شمال العراق صوب تركيا نحو أراضيها، أضحت عوامل الضغط الاقتصادية التي ترتكز إليها حكومة الإقليم للضغط على حكومة بغداد المركزية شبه مندثرة، كما ازدادت تبعية الإقليم الاقتصادية للحكومة المركزية، ذلك العنصر الذي ترمي إيران إلى تحقيقه لإضعاف تحرك حكومة الإقليم مع تركيا. أيضًا قد تفقد تركيا بذلك إحدى أدوات الحفاظ على الترابط الاقتصادي الذي يجمعها بحكومة بغداد المركزية، والذي يحافظ على الترابط الدبلوماسي بين الطرفين مهما بلغت حدة الخلافات، لذلك، رأت تركيا، على ما يبدو، ضرورةً في دعوة البارزاني لأنقرة، للنظر في مسألة توثيق العلاقات الاقتصادية مع حكومة الإقليم لإنقاذها من أي ضعف اقتصادي قد يفاقم أزمتها الاقتصادية، والإبقاء على تشكيل ضغط اقتصادي على الحكومة المركزية من خلال النظر في إمكانيات عقد اتفاقيات اقتصادية لنقل نفط الإقليم بمعزل عن الحكومة المركزية.
إذًا هناك عوامل عدة تدفع تركيا في هذا التوقيت بالذات لاستقبال البارزاني "الحليف التاريخي الاستراتيجي" في أنقرة، فتركيا ماضية نحو المناورة الساعية لحشد توافق إقليمي دولي للقيام بمعركة تحرير الرقة عبر عناصر عربية أو عربية كردية محالفة لها، ويشكل البارزاني بقوات البيشمركة العراقية والسورية الخاضعة لقيادته البديل العسكري والفكري لقوات سوريا الديمقراطية التي ترنو تركيا إلى إيقاف تقدمها نحو الرقة، وكبح توافقها مع الولايات المتحدة عبر عرض قوات بديلة تقنع الولايات المتحدة في دعمها كعنصر متفق عليه من قبل الساحة الإقليمية والدولية ولديه قبول على صعيد اجتماعي محلي، الأمر الذي جعل زيارة بارزاني لأنقرة في هذا التوقيت ضرورةً حتمية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس