د. زبير خلف الله - خاص ترك برس
عقدت وزيرة العائلة في الحكومة التركية فاطمة صايان ندوة صحفية بينت فيها أن السلطات الهولندية منعتها من المشاركة في المهرجان الانتخابي للجالية التركية في هولندا وأجبرتها على مغادرة الأراضي الهولندية برا بعد إهانتها وتهديدها.
تحدثت الوزيرة عن المعاملة السيئة التي تعرض لها المواطنون الأتراك من قبل الشرطة الهولندية التي كانت تهاجم المواطنين الأتراك بالكلاب وتضربهم بالهروات...
صايان قالت إن السلطات الهولندية عاملتنا معاملة وحشية تفتقد إلى أبسط حقوق الانسان وإلى أي سلوك ديمقرطي.
وقالت إن ما قامت به السلطات الهولندية هو فضيحة بكل المقاييس ويطرح أسئلة عديدة حول حقيقة الديمقراطية في هولندا وفي أوروبا بشكل عام.
هذا وقد أجبرت السلطات الهولندية الوزيرة التركية على مغادرة هولندا برا وليس جوا وبأسلوب همجي يعكس مدى الحقد العميق للسلطات الهولندية التي رمت بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية عرض الحائط.
نذكر أن هولندا منعت وزير الخارجية التركية من دخول الأراضي الهولندية ومنعت نزول طائرته على الأراضي الهولندية.
وإلى حد الآن ما زالت السلطات الهولندية لم تبين السبب الحقيقي من منعها للوزراء الأتراك من المشاركة في الحملات الانتخابية مع جاليتهم في هولندا.
يبدو أن هولندا غير موافقة على مسألة الاستفتاء حول النظام السياسي في تركيا مما يطرح تساؤلات عديدة حول ما الذي يخيف هولندا من هذا الموضوع وهل يحق لهولندا التدخل في الشأن الداخلي لتركيا التي باتت تلعب دورا بارزا في المنطقة وفي العالم؟
هل ما قامت به هولندا يعكس الموقف الأوروبي ككل تجاه مسألة الاستفتاء في تركيا وبات الأوروبيون يخافون من تركيا القوية الموحدة وينظرون إليها على أنها كابوس مخيف.
نذكر أن السلطات الهولندية منعت فقط أنصار حزب العدالة التنمية من القيام بحملته الانتخابية الداعمة لتغيير النظام الرئاسي، في حين سمحت هولندا لأنصار حزب الشعب الجنهوري العلماني بالقيام بحملاتهم الانتخابية الرافضة لتغيير النظام السياسي في تركيا.
هذا يطرح أسئلة عديدة حول الموقف الأوروبي من تركيا ومستقبل العلاقات التركية الأوروبية ومستقبل عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
مستقبل العلاقات الأوروبية التركية شهد تغيرات كبيرة بسبب التحولات الكبرى التي تشهدها تركيا على كافة المستويات، مما جعلها لاعبا مهما في طبيعة التوازنات الإقليمية والدولية بما فيها الساحة الأوروبية التي تشهد هي نفسها تغيرات عميقة وعودة لليمين المتطرف الذي ضرب بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية عرض الحائط.
الإعلام الألماني يعرض مقطعا إشهاريا باللغة التركية يحرض فيه بشكل صريح على رفض النظام الرئاسي ويدعو إلى الوقوف ضد الديكتاتورية في تركيا.
ما قامت به وسائل الإعلام الألمانية يعكس تماما حقيقة الموقف الأوروبي من مسألة الاستفتاء على النظام السياسي الذي بينت فبه أن نسبة تفوق 65% ستقول نعم للنظام الرئاسي.
الغريب أن القضاء الألماني أصدر حكما بإلغاء قرار منع الجالية التركية من القيام بحملاتها الانتخابية للاستفتاء القادم.
ومهما يكن الموقف الأوروبي وأبعاده وخلفياته إلا أنه يستبطن في داخله عدة خلفيات أهمها:
- تخوف أوروبا من قوة تركيا ما بعد الاستفتاء والتي سيحولها النظام الرئاسي إلى دولة موحدة على المستوى السياسي والشعبي والجغرافي.
أوروبا ما زالت مسكونة بهاجس الدولة العثمانية التي تخشى أوروبا من عودتها على الساحة الدولية من جديد بفضل النظام الرئاسي.
- حجم المشاريع العملاقة التي تقوم بإنجازها تركيا وتطور اقتصادها أثار تخوف الدول الأوروبية التي تعيش أزمات اقتصادية باتت تهدد مستقبل الاتحاد الأوروبي خصوصا بعد انسحاب إنجلترا منه وإفلاس اليونان وبعض الدول الأوروبية الأخرى.
- تخوف أوروبا من السياسة الخارجية لتركيا التي صارت تلعب دورا فعالا في طبيعة التوازنات الإقليمية والدولية وصارت تمثل رقما صعبا في معادلة الخارطة الحيوستراتيجية في العالم.
- تخوف أوروبا من طبيعة التحالفات والمحاور الاستراتيجية الجديدة التي دخلت فيها تركيا خصوصا تقاربها مع روسيا واقترابها أكثر من العالم العربي.
هناك عدة أسباب أخرى، ولكن يمكن القول إن أوروبا باتت تتخوف بشكل جدي من تركيا ومنزعجة إلى درجة أنهم داسوا على حقوق الإنسان والديمقراطية.
أوروبا نفد صبرها ففقدت ضبط أعصابها تجاه تركيا مما يعكس فعلا أن هذه الأخيرة لم تعد تركيا القديمة المطيعة للقرار الأوروبي بل أن تركيا الجديدة صارت من بين الدول العشر الأوائل في العالم.
أوروبا فقدت أعصابها لأنها تدرك تماما أن قوة تركيا سترسم خارطة حضارية قد تلملم شتات الحضارة الإسلامية التي تآمرت عليها أوروبا خلال القرنين الماضيين.
أوروبا تدرك تماما أن توحد تركيا وقوتها سيمكنها من قيادة العالم السني الذي يذكرها بالدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني الذي كانت ترتعد أوروبا عند ذكر اسمه.
أوروبا تتخوف من تركيا لأنها بوابة لعملاق إسلامي بدأ يستفيق من حالة التخدير التي أجرتها له أوروبا قبل قرن ونصف من الزمن.
أوروبا تفقد أعصابها وتتنازل عن شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية التعبير وتكشف عن وجهها الحقيقي القبيح وعن فاشيتها ونازيتها مثلما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
أوروبا تصعد همجيتها ضد تركيا بعد أن فشلت في توتير الأوضاع في تركيا من خلال دعم الجماعات الإرهابية وفشلها في إنجاح انقلاب 15 تموز/ يوليو الذي دعمت فيه جماعة فتح الله غولن الإرهابية.
عموما يمكننا أن نقول إن العلاقات التركية الأوروبية ستزداد توترا في المرحلة القادمة وإن كانت الماكينة السياسية ستعمل من جديد لتخفيف حدة التوتر بين الطرفين، غير أن تركيا مابعد الاستفتاء ستكون مصدر إزعاج كبير لأوروبا التي يسكنها قرابة ستة أو سبعة ملايين تركي، وربما يمثلون قوة ضغط في قلب أوروبا في المرحلة القادمة إضافة إلى الجاليات الإسلامية المقيمة فيها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس