رايدا أسيموفيتش أكيول - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
في الرابع عشر من مارس/ آذار أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكما مثيرا للجدل ينص على أنه يحق للمؤسسات منع الموظفين من ارتداء رموز لدينية مرئية بما في ذلك الحجاب. وجاء قرار المحكمة بعد فصل موظفتين بسبب رفضهما خلع الحجاب في مكان العمل في فرنسا وبلجيكا.
وقد أشادت العديد من دوائر اليمين السياسي بقرار المحكمة، بينما انتقدته جماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الليبرالية. وفي حين ادعت المحكمة الأوروبية الحياد بعدم إشاراتها إلى المسلمين أو إلى التمييز المباشر ضدهم، فمن المستحيل تقييم قرار المحكمة بمعزل عن الأجواء المعادية للمسلمين في أوروبا، وحقيقة أن الحكم صدر بعد أن تقدمت موظفتان مسلمتان بشكوى ضد فصلهما.
في تركيا أدانت وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة قرار المحكمة الأوروبية، واصفة إياه بأنه فضيحة ويعيد نكأ جرح قديم.
تعد قضية الحجاب من أكثر القضايا حساسية وتسييسا في التاريخ التركي الحديث، وتمثل واحدا من أقوى رموز الديكتاتورية العلمانية السابقة، والتمييز ضد المحافظين المتدينيين.
يتذكر المحافظون المتدينون في تركيا حكما آخر يتعلق بالحجاب أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 2005 بشأن دعوى رفعتها طالبة الطب ليلى شاهين ضد الدولة التركية، وطعنت في القانون التركي الذي كان يحظر في ذلك الوقت ارتداء الحجاب الإسلامي في الجامعات وغيرها من المؤسسات التعليمية ومؤسسات الدولة. بيد أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان انحازت إلى العلمانية المتشددة ضد مخاوف المتدينيين في تركيا.
وصفت ليلى شاهين التي أصبحت الآن عضوا في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية قرار المحكمة الأوروبية بالسياسي الخاطئ وغير المقبول، وقالت: "هذه هي أوروبا في 28 فبراير/ شباط" في إشارة إلى تركيا في 28 فبراير عام 1997 عندما صدرت قرارات مماثلة.
وبعد صدور حكم المحكمة الأوروبية بمدة وجيزة توالت ردود الأفعال الحادة والرافضة له من قبل كثير من المسؤولين الحكوميين الأتراك. وقال وزير العدل بكير بوزداغ في اليوم التالي لصدور الحكم: "إن إكراه الناس على الاختيار بين إيمانهم وعملهم لا يتناسب مع كرامة دولة القانون. إن تبني المحاكم التي هي رمز إحياء وحماية الحقوق لسياسات تتصف بالعنصرية والتطرف والإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام، هو وصمة عار للعدالة لا يمكن مغفرتها".
وقد أصدرت عدة وزارات وهيئات برلمانية ونواب بيانات في وسائل الإعلام تدين فيها ما وصفته بالقرار غير المقبول الذي يستهدف المسلمين في المقام الأول، وتراه حلقة من تصاعد العداء للإسلام، ونفاق المعايير المزدوجة للديمقراطية في أوروبا.
وكان من بين المنتقدين وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية فاطمة بتول سايان كايا التي كانت محل الاهتمام في الآونة الأخيرة بعد منعها من دخول القنصلية التركية في روتردام في الحادي عشر من مارس/ آذار، وإبعادها من هولندا. قالت فاطمة بتول: "إن أوروبا التي تخبرنا أنها المدافعة عن حقوق المرأة، والتي كثيرا ما تثير نقاشا معنا حول هذا الموضوع، تجبر النساء المسلمات في أوروبا على الاختيار بين حياتهن المهنية ومعتقداتهن".
وانضمت جمعية المرأة والديمقراطية "كاديم" وهي منظمة غير حكومية معروفة بقربها من الحكومة إلى موجة الانتقادات، بإصدار بيان قالت فيه إن "أوروبا استسلمت لكراهية الأجانب، والإسلاموفوبيا، والعنصرية، والفاشية والعداء عندما يتعلق الأمر بالأتراك". وأضافت الجمعية أن "أصحاب العمل والحكومة ومحكمة العدل الاوروبية يجب أن لا يبثوا في القضية، فينبغي للنساء سواء كن محجبات أو غير محجبات اتخاذ قرارتهن الخاصة حول كيفية عملهن".
لم تكن تركيا حازمة في إدانة القرار فحسب، بل قررت تقديم المساعدة للمتضررين منه.
وخلال إدانته لقرار المحكمة الأوروبية قال نائب رئيس الوزراء، نعمان كورتولموش، إن تركيا ستدعم من يتضرر من هذا الحكم، وتقدم له المساعدة القانونية. وبحسب المعلومات التى نشرت فى 16 مارس ستقدم تركيا الدعم القانونى للمواطنين الأتراك الذين يعيشون فى فرنسا وبلجيكا بتعيين محام مجانا، إذا أقيلت موظفة بسبب ارتداء الحجاب. وعلاوة على ذلك، قالت وزارة العدل إن المواطنين المعنيين سيكونون قادرين على الاستفادة من المساعدة القانونية عبر القنصليات التركية في مثل هذه الحالات.
وكان الرئيس رجب طيب اردوغان قد بدأ بالفعل استخدام قرار حظر الحجاب ذخيرة لحملته للاستفتاء على تغيير الدستور فى 16 أبريل/ نيسان. وكما كتب عبد القادر سلفي، وهو كاتب مقال في صحيفة حريت اليومية: "إن أردوغان زعيم ولد من رماد 28 فبراير. هل بمقدور الناخب المحافظ نسيان قمع الحجاب في 28 فبراير؟".
خلال تجمع في مدينة سقاريا في ال16 من مارس/ آذار اتهم الرئيس أردوغان المحكمة العليا في الاتحاد الأوروبي بعدم حماية الحقوق الدينية، وأضاف بحدّة: "لقد بدؤوا صراعا بين الصليب والهلال ، وليس هناك تفسير آخر غير هذا. أقول بوضوح إن أوروبا تعود رويدا رويدا إلى أيام ما قبل الحرب العالمية الثانية".
وبعد ويوم واحد وفي اجتماع آخر في مدينة إسكي شهير، كرر الرئيس أردوغان انتقاده لقرار المحكمة الأوروبية، وقال: "تقولون إن لديكم حرية دينية وحرية عقيدة، مستطردا: "هل أجرؤ على حظر القبعة اليهودية؟".
ومن غير الواضح ما إذا كان الرئيس الرئيس على علم أم لا بأن قرار المحكمة الأوروبية يعطي أرباب العمل الحق في منع كافة الرموز الدينية المرئية، لكن الرئيس أكد عن وعي أن قرار المحكمة يستهدف النساء المسلمات في أوروبا، الأمر الذي يزيد معاناة كثير من المحافظين المتدينيين الأتراك ما يدفعهم إلى الانتقام بالتصويت بنعم في الاستفتاء.
من وجهة النظر القانونية، يتناقض قرار المحكمة الأوروبية تناقضا صارخا مع القرارات التي أصدرتها المحكمة العليا في الولايات المتحدة بشأن قضايا مماثلة، حيث أيدت المحكمة الحرية الدينية في مواجهة العلمانية المتعصبة، وبعبارة أخرى فإن قرار محكمة العدل الأوروبية لا يمثل العالم الغربي كله بله عالم الصليب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس