د. سمير صالحة - خاص ترك برس
وسط الصمت الرسمي والحكومي على موقف أقل ما يقال فيه إنه يخالف الدستور والقوانين اللبنانية وكذلك الأعراف وأسس العلاقات الدولية ويطال مباشرة التحول الإيجابي في مسار العلاقات التركية اللبنانية في السنوات الأخيرة ويعكس كمية الحقد ضد تركيا والأتراك، نتابع جميعا ما ستؤول إليه القنبلة التي فجرها وزير السياحة اللبناني من أصل أرمني وأهم وأبرز قيادات حزب الطاشناق افاديس كيدانيان قبل أيام.
هو قال:
"في فترة من الفترات هناك بلاد استفادت من ركودنا وتراجعنا، اليوم نحن نستفيد إذ أنّ تركيا في مكان ما لديها مشاكل الآن هذا لسوء حظهم ولحسن حظنا وأنا شخصيًا سعيد بهذا الموضوع فأنا لا أحبهم". ليضيف "لا أشجع أي شيء يرتبط في تركيا لا من قريب ولا من بعيد، لا بدي زورهم ولا أريد تشجيع منتجاتهم". "أنا لن أمنع الأفراد الأتراك من زيارة لبنان ولكن لن أستقبلهم في المطار". وعن مفاضلته بين أرمينيا ولبنان، قال إن الأولوية لأرمينيا.
الوزير كيدانيان يقول بشكل آخر:
"لا أحب أن أتعامل معهم" ويقصد هنا الأتراك.
"لا أرحب أبدًا بوفود تركية سياحية تزور لبنان، فأنا أكره تركيا بمن فيها".
"هذا النظام لا أحبه، ولا أحب التعامل معه، أين المشكلة؟".
"لن أتعامل مع منتجات هذا البلد أو سياحته".
"موقف الحكومة اللبنانية قد يكون مختلفًا لكن العالم العربي والغربي عرف كيف ينبغي أن يتعامل مع النظام التركي".
اللوبي الأرمني في لبنان قوي ونافذ وفاعل إلى درجة أن الصحف اللبنانية الكبرى والصغرى تجاهلت خبر وزير السياحة الأرمني اللبناني الجنسية والأرميني الولاء وهو يهاجم ويهين تركيا والأتراك رغم مرور 3 أيام على الحادثة.
تعرفنا لاحقا إلى الوزير كيدانيان أكثر. هو أبرز وأهم قيادات حزب الطاشناق الأرمني، وهو من مواليد برج حمود، وخريج الجامعة اللبنانية، ويدير إذاعة "صوت فان" بلبنان.
لبنان هي دولة القانون والمدعي العام اللبناني تلقى رسالة الوزير الأرمني الذي يتحدى من عنده مشكلة أو اعتراض على كلامه أن يذهب إلى القضاء. لكن القناعة هي أنه موقف شخصي ولا يمكن أن يكون حلقة لأي موقف سياسي أو حزبي أو طائفي، والدليل أن حزب الطاشناق سيكون له موقفه في الساعات المقبلة حيال تصرفات الوزير المحسوب عليه وسلوكه السياسي.
جوانب قانونية دستورية ستأخذ مجراها حتما وهي تعني اللبنانيين وليس من حق الأتراك أو غيرهم التدخل بها. كذلك التزام الوزير كيدانيان بما يقوله أو قد لا يقوله الدستور اللبناني، وموقف مجلس الوزراء، وعدم الخروج عن التوجه العام لسياسات الحكومة في الداخل والخارج للحكومة، مسألة مفروغ منها. نقاش الانتماء الأصلي أم الفرعي ومن هو الوطن الأم شأن لبناني أيضا. ولبنان بلد الاغتراب الذي أوفد ضعف عدد سكانه إلى بقاع الأرض دون أن يسألهم يوما عن أولويات الولاء احتراما لبلدان الاستضافة وإسهاما في فتح الطريق أمام الاندماج واللاذوبان هو النموذج العالمي الأول في هذا المضمار.
هو ربما كما يعتقد يمارس حقه الديمقراطي في إطار حرية الرأي والتعبير وفي تقديم ولائه لدولة أخرى غير الدولة التي يحمل جنسيتها والتي فتحت الأبواب له ومنحته الجنسية وعلمته ووفرت له الحياة الكريمة. لكنه سيترك حكومة بلاده أقصد الحكومة اللبنانية في وضع صعب حتما وهي تشرح الموقف لأنقرة.
رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري سيجد نفسه على رأس المطالبين بتوضيحات عاجلة وبموقف سريع وحاسم حيال ما قاله الوزير كيدانيان حول تركيا والأتراك. والرئيس الحريري سيتصل حتما بالقيادات السياسية التركية في محاولة لإزالة ارتدادات الحادثة على مسار العلاقات اللبنانية التركية وقد يقول مثلا "امسحوها بدقني" أنتم تعرفون طبيعة النظام اللبناني وتركيبته السياسية والطائفية والمذهبية، لكن الرد التركي مهم أيضا ليس لناحية المطالبة باعتذار رسمي بل من أجل حماية الصداقة والعلاقات خصوصا وأن الوحدات التركية ما زالت في جنوب لبنان تقدم خدماتها الاجتماعية والإنسانية والصحية هناك ورفع التأشيرات بين البلدين كان إنجازا سياسيا وسياحيا وانفتاحا ثقافيا تضامنيا كبيرا في مستقبل العلاقات التي يحاول البعض ندميرها بسبب حسابات شخصية.
قد يصغي الأتراك إلى ما قاله البعض في لبنان حول أن كلام وزير السياحة الارمني "مبني على حقد تاريخي" وأنه أراد أن يستغل منصبه وموقعه لقول مثل هذا الكلام للأتراك وبهذه الطريقة التي لم نتعود علىيها في أصعب المحن. لكن ما جرى يتعارض كليا عما عاشه البلدان في منتصف آب/ أغسطس 2013 وفي أصعب أيام التوتر في العلاقات التركية اللبنانية بعد احتجاز الطيارين التركيين من قبل بعض المسلحين في لبنان. كنا من هنا في إسطنبول نتبادل الرسائل الكلامية والإعلامية العلنية مع الشيخ عباس زغيب كما أتذكر وقتها. كان يقول لنا لا تقلقوا الأتراك هم ضيوف عندنا ولن نقصر معهم في واجب الضيافة والعلاقات التركية اللبنانية محمية.
أصعب تغريدة قرأها الوزير الأرمني على مواقع التواصل الاجتماعي ربما قد تكون "تفضيل وزير السياحة لأرمينيا على لبنان هو انعكاس لفشل هذا النظام الرجعي في زرع الشعور بالمواطنة.. أمّا فيما يتعلق بتركيا، التي تسمح لنا بزيارتها والسياحة فيها دون ڤيزا، فيجب على الوزير الاعتذار العلني من الشعب والحكومة التركيتين لأنه كوزير يمثّل سياسة الحكومة ويخضع لها، وهو مجرّد (خادم عام) لنا كمواطنين.. وليس مقبولًا أن يضر بمصالحنا كشعب أو كدولة لأجل أحقاده الشخصية أو العقائدية أو أي حقد آخر".
المنتجات والسلع والخدمات التركية في لبنان والعشرات من الشباب اللبنانيين هم طلابنا اليوم في الجامعات التركية بإسطنبول وأنقرة نستقبلهم بكل سرور وفرح ولهم دائما الموقع المميز. استخدام "المعاناة" كمأرب سياسي يلزم اللبنانيين هو الموجع هذه المرة.
قبل أسابيع فقط كان شباب الجالية التركية في لبنان ينظمون رحلتهم السنوية إلى قمم الثلوج بمشاركة السفير التركي الجديد شاغتاي ارجياس. الأعلام اللبنانية والتركية هي التي كنا نشاهدها ترفرف طيلة ساعات الرحلة. هل يعرف الوزير كيدانيان حجم الأضرار التي ألحقها متعمدا بمسار العلاقات التركية اللبنانية وما هي الورطة التي حاصر حكومة سعد الحريري بها؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس