فاروق ابو سراج الذهب طيفور
المدخل السياسي أصبح يصنع الشعور بالفرح والحزن وصار يؤثر في معنويات الأمة صعودا وهبوطا. فتتوقف الأنظار كلها مع أي مشهد للانتصار أو الانكسار.. والمشهد التركي واحد من المشاهد التي أصبحت الأمة متعلقة به تعلقا عاطفيا عميقا.. لكن هذا التعلق ينتمي إلى منطق عاطفي منخرط في تطلعات العصر الصناعي البائد. أي نعم نفرح بفرحة المؤمنين ونحزن لحزنهم لكن يجب أن ننتبه...
نحن اليوم في عصر المعرفة وهو عصر مختلف تماما عن العصر الصناعي.. ومن لم يستوعب معطيات ومعايير ومقتضيات العصر الجديد سيتقادم ولا يتقدم... أعتقد أن الأتراك بما فيهم قيادة العدالة والتنمية يعبرون باستمرار عن هوية تركية مطموسة عبر سنوات العصر الصناعي البائد.. وهي مقاومة صارمة مستمرة قد لا يستمر معها منطق الاختيار الواحد والتحالفات التقليدية... فما أنجزه حزب العدالة والتنمية كبير وعملاق لكن المجتمع التركي بمكوناته الحالية التي تبرز مع كل انتخاب يؤشر إلى حقيقة وتحدي.. أما الحقيقة فهي أن المجتمع من الناحية السياسية منقسم اإلى فريقين ولا يمكن تجاهل تلك الحقيقة بل يجب التعامل معها كما هي بمنطق الحرية والمسؤولية ودولة القانون والتوافق على الحدود الدنيا لتعايش المجتمعات...
أما التحدي فهو كم ستبذل قيادة العدالة والتنمية على المستوى السياسي والاقتصادي لتضمن نصاب البقاء المتوازن بنسب انتخابية غير مقلقة ولا مهددة للاستقرار الداخلي الذي يعتبر المدخل الأول لتحقيق التقدم والازدهار... وكم سيبقى الشعب التركي المناصر للعدالة والتنمية ينتخبه.. فنحن في العهدة الثالثة وقد تصل إلى خمس عهدات إذا استمر مؤشر التصويت يتزايد ولا يتناقص (النموذج الماليزي المهاتيري).
على اعتبار أن الشعوب مهما كانت حريصة على أمنها وقيمها وخياراتها ستقع بلا شك في الملل من الحاكم الواحد الأوحد وسيأتي اليوم الذي تغير فيه رأيها بلا ريب... فإذا ما حدث ذلك ورجعت العلمانية المدعمة من الغرب باستمرار فإن مكتسبات المرحلة الحالية ستكون في خطر ولذلك فإن من ضمانات استمرار التجربة والنموذج هو الاستثمار في تأهيل المجتمع المتعدد لتمكين جيل وحزب جديد من نفس المدرسة يأخذ المبادرة بقيادات جديدة ورؤية متميزة تصنع الفرق وتحافظ على المكتسبات وتضمن الانتقال الأمن للنموذج والتجربة... فالخطر الحقيقي اليوم ليس فقط من موقف الغرب من النموذج التركي والتحول من الجمهورية إلى السلطنة أو الخلافة كما يحلو للبعض التسويق له من خلال التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي وكان تركيا هي الدولة الوحيدة التي اختارت الرئاسي على البرلماني. ولا يقال هذا الكلام على أمريكا مثلا.. رغم الضمانات التي يوفرها الدستور الجديد للتفاعل الديمقراطي وضمان الحريات وحقوق الإنسان والفصل بين السلطات...
الخطر الحقيقي إذن ليس في كل ذلك إنما يأتي الخطر من التحول الذي قد يحدث في المجتمع في لحظة تاريخية ما يسودها الغرور والأثرة ووضع النموذج في عين عصفور.. هنيئا لتركيا دستورها، ولكن بِعَينٍ على الحاضر وأُخرى على المستقبل يتحقق الهدف الكبير...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس