محمد بارلاص – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس
اعتاد الانجليز على القيام بأعمال سبق لهم أن جربوها ويقومون بتكرارها مجددا، كما اعتاد الأمريكان على القيام بأمور لم يسبق لهم تجربتها، كلٌ بما يتكيّف وبما يتلاءم مع طبيعة مجتمعهم، لكن السؤال هنا، هل نحن الأتراك عندما نقوم بشيء، نسأل أنفسنا هل هو تكرار لفعل سابق، أم شيء جديد لم يسبق لنا القيام به؟
عملية السلام والمصالحة الوطنية مع أشقائنا الأكراد، التي تهدف إلى نشر الحق والحرية بين جميع مواطني الدولة التركية، دون تفريق أو تمييز، هي أمرٌ لم يسبق تجربته، وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية.
لكن هناك بعض الناس ينظرون إلى هذا التطوّر، على أنه سلوك لفعل مكرر لمرات عديدة في الماضي، وكأنّ عملية السلام لا تهدف إلى سلامة الأرواح والممتلكات، وكأنها لا تهدف إلى تحقيق إرادة دائمة وخالدة للعيش سويا، ولتحقيق الوحدة المتكاملة.
لن نقول بعض الناس، بل هو نائب في مجلس الأمة يقول :"لماذا على حزب العمال الكردستاني أنْ يتخلى عن سلاحه؟"، والبعض الآخر يصف أنّ عملية حل القضية الكردية ستؤدي إلى نشوء أحداث داخل الجمهورية التركية تشبه تلك المتواجدة في سوريا.
تصريحات غريبة
أحد المسئولين في حزب العمال الكردستاني، ويُدعى "جميل باييك"، يقول في تصريح خصّ به صحيفة "الإندبندت" الإنجليزية :"إذا سقطت كوباني، وإذا هاجمت جبهة النصرة عفرين، فإنّ الاستمرار بعملية السلام سيصبح مستحيلا".
بينما يقول النائب عن حزب الشعوب الديمقراطية عن مدينة "فان" السيد "أيسال توغلوك" عن نفس الموضوع، وذلك في تصريح لراديو صوت أمريكا، يقول :"نستطيع القول أنّ عملية السلام أصبحت مُنتهية".
على الأغلب علينا أنْ نتصرّف بصورة طبيعية تجاه هذا الوضع، لأنّ وجود "تركيا الجديدة" لا يعني تبخّر تركيا القديمة بكل أفعالها وعقليتها في لحظة واحدة.
نعم، هناك بعض الناس لا يهمهم على الإطلاق أنْ يعيش ملايين الناس في أمن واستقرار، وفي أجواء تسودها الوحدة والإخوة والمحبة، هؤلاء لا يريدون سوى إبقاء سكان تلك المناطق في "ديار بكر" و"بتلس" و"يوكسكوفا"، تحت تأثير التفجيرات وإطلاق الرصاص، وكأنّ قدرهم أنْ يعيشوا كذلك.
نعم، ربما يشعر هؤلاء بالعار، لأنّ تلك المحافظات الجنوبية لا تعيش أجواءً كالتي تعيشها حلب والموصل، يشعرون بالعار لأنهم يعتقدون أنّ الدولة موجودة لتقضي على مواطنيها، يشعرون بالعار لأنّ ما يحدث في سوريا لا يحدث الآن في تركيا، هكذا يعتقدون، وهكذا يؤمنون، وهكذا يفكرون.
عندنا "بركة" في الديمقراطية
على الدولة وعلى الشعب أنْ لا يصغوا إلى تلك التصريحات الخارجة عن إطار العقل والمنطق، وخصوصا أنّ سكان المناطق الجنوبية الشرقية يدركون جيدا كيف أنّ عملية السلام ساهمت في التخفيف عنهم وجعلتهم يأخذون نفسا عميقا بعد ويلات عاشوها وذاقوها، وقد اقتنعوا تماما أنّ الإرهاب لا يمكن له حل المشاكل، فعلى مدار سنين عديدة ذاق الشعب هناك خلالها الويلات لم يحققوا أي شيء.
الأمهات هناك يردن لأبنائهن الذهاب إلى المدارس، وليس الصعود إلى الجبال، والآباء يريدون لأبنائهم مستقبلا آمنا تسوده الحرية، وليس الذهاب بأقدامهم إلى الموت البطيء، وهنا لا بد أنّ نثمّن الجهود التي يبذلها نواب البرلمان عن تلك المناطق من أجل تحقيق السلام والأمن والاستقرار، ومن أجل حل القضية الكردية حلا عادلا.
لا شكّ أنّ رياح تركيا الجديدة، ستقضي على جميع مَن يحاول الوقوف في وجهها، وستقضي على الذين يتأخرون باللحاق بركبها، لأن في تركيا ديمقراطية، والغالبية الساحقة من الشعب تريد عملية السلام، ومهما وقف في وجهها مثل هؤلاء، لن يكون لذلك معنى، سوى أنهم سيذهبون سحقا تحت أقدام الشعب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس