بونيامين كيسين - ذا نيو آراب - ترجمة وتحرير ترك برس
منذ يونيو/ حزيران 2015، تكافح تركيا على جبهات مختلفة ضد تهديدات داخلية وخارجية، مثل حزب العمال الكردستاني أو أتباع تنظيم فتح الله غولن الإرهابي "فيتو" الذين دبروا الانقلاب العسكري الساقط في يوليو/ تموز 2016 .
إن التصور المشترك في تركيا وبين الأتراك في الخارج هو أنه كلما مرت تركيا بمرحلة من التقدم الإيجابي والاستقرار السياسي، يطل الإرهاب بوجهه مرة أخرى، كما أن الديناميات المتغيرة باستمرار في المنطقة تؤثر في الأمن القومي التركي بطرق مختلفة.
تواجه تركيا منظمات إرهابية بأشكال وأسماء مختلفة، وتحاول الدفاع عن سيادتها على طول الحدود مع سوريا والعراق. وكان من المتوقع أن يكون عام 2017 عاما مليئا بالتحديات، ولكن انقضى النصف الأول من هذا العام تقريبا وها قد اتخذت تركيا قرارات مختلفة.
محاولة الانقلاب في 15 يوليو - تغير اللعبة
مع محاولة الانقلاب الساقط في 15 يوليو/ تموز 2016، أدرك الشعب التركي مرة أخرى مدى أهمية الوقوف أمة موحدة ضد الإرهاب، وضد أي لون آخر من العنف يستهدف المدنيين واستقرار الأمة. قتل قرابة 250 مدنيا فى ليلة الانقلاب وجرح كثيرون، الأمر الذي دفع الدولة التركية إلى محاربة العنف بكل الوسائل الممكنة والمبررة.
أدت محاولة الانقلاب إلى استنتاج مفاده أنه لا ينبغي فصل السياسة الأمنية والدفاع الوطني عن السياسة الخارجية لتركيا. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب تحتاج إلى دراسة منفصلة، ولكن أبرزها رصد حركة الإرهابيين الذين يستهدفون تركيا في الدول الأجنبية.
ولم تمض سوى مدة قصيرة بعد محاولة الانقلاب حتى قررت تركيا أن تتدخل مباشرة في الأزمة السورية، وبدأت عمليات عسكرية ضد مواقع تنظيم داعش في سوريا، أطلق عليها درع الفرات.
عملية درع الفرات وقضية الموصل
من الواضح أن حدود تركيا مع سوريا والعراق التي يبلغ طولها نحو ألف كيلومتر تشكل قضية صعبة لتركيا وأمنها القومي، ذلك أن الاضطرابات وعدم الاستقرار، والإرهاب، والحرب على داعش تخلق مخاطر ضخمة للمنطقة.
هذه العملية التي بدأت بعد أسابيع قليلة فقط من محاولة الانقلاب، أظهرت للجهات الفاعلة في المجتمع الدولي المعنية بسوريا والعراق أن قدرات القوات المسلحة التركية وأجهزة السياسة الخارجية في تركيا قادرة على المشاركة في المعركة لا بوصفها شريكا فحسب، بل لاعبا رئيسا لا مناص عنه.
من ناحية أخرى شهدت سوريا والعراق ظهور داعش، والصراعات الكبرى من أجل إضفاء الشرعية على حزب العمال الكردستاني وفروعه في سوريا. وتجري تركيا من حين لآخر عمليات تكتيكية واستراتيجية ضد أهداف لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
توسطت تركيا أيضا في الاشتباكات بين الجماعات الكردية داخل العراق، حيث أقامت قواعد عسكرية لمهاجمة حزب العمال الكردستاني المتمركز في جبال قنديل. وقد دفع تهديد داعش للشعب العراقي وسيادة العراق وتهديده للحدود التركية، دفع الحكومة التركية لاتخاذ خطوات مهمة.
وفي ظل هذه المعطيات كان بناء القاعدة العسكرية، الذي استرعى الانتباه خلال العملية العراقية لتحرير الموصل، يهدف خصوصا إلى تدريب القوات المحلية التي يجب أن تحارب داعش وتساعد القوات العراقية.
وما أن اتخذت تركيا هذه الخطوات، حتى طالبت وحدات الحماية الأيزيدية "شنكال" الموجودة في سنجار والتابعة لحزب العمال الكردستاني بالمشاركة في عملية الموصل. وقد عارضت تركيا بشدة هذا الأمر وسعت إلى إجراء حوار استراتيجي وبنّاء مع بغداد، انتهى بإبرام اتفاق ناجح جزئيا بشأن مستقبل قاعدة بعشيقة العسكرية.
غير أن التطورات أظهرت أن وحدات الحماية الأيزيدية صارت جزءا من بنية الحشد الشعبي الشيعي المثير للجدل.
وكان موقف تركيا من الموصل والعمليات المحيطة بها واضحا: أولا، كان الحفاظ على الهيكل الديموغرافي للمنطقة وتأمينه هو الأولوية. ثانيا، منع عناصر حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الأيزيدية من الانضمام إلى العملية كان له أيضا أهمية كبيرة، لأن معركة تركيا ضد حزب العمال الكردستاني كانت في الواقع متوافقة مع الجهات الفاعلة المشروعة في المنطقة.
وينطبق الشيء نفسه على سوريا، حيث ترى تركيا أن محاربة تنظيم إرهابي بتنظيم إرهابي آخر قد يكون فعالا، لكنه سيكون له تأثير في وقت لاحق في مستقبل المنطقة يتمثل في حدوث انهيار كبير، وقد يتسبب في ظهور أشباه دول فاشلة.
ولسوء الطالع،ل م تنجح جهود تركيا الدبلوماسية، ومن ثم لم يكن لديها خيار سوى القيام بعملياتها العسكرية.
أحدث التطورات وتوقعات أخرى
شنت تركيا غارات جوية على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وسوريا ليلة 25 أبريل/ نيسان. وقالت بيانات صحفية للقوات المسلحة التركية إنه تم تحييد 70 إرهابيا في كراتشوك وسنجار. وأشارت البيانات أيضا إلى أن هذه الغارات الجوية قد نفذت ردا على الهجمات على وحدات الحدود التركية ومن أجل منع المزيد من الاعتداءات التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني.
قدمت تركيا بهذه الخطوة الاستراتيجية رسالتين متشابهتين جدا في معركتها الشاملة ضد حزب العمال الكردستاني: الأولى أنه لا ينبغي أن تؤخذ وحدات الحماية الأيزيدية شريكا في مكافحة داعش في العراق، والثانية أنه لم يعد من الممكن قبول اعتداء حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني على تركيا، وأن على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في شراكتها الإقليمية.
وبعد قصف مواقع وحدات حماية الشعب في سوريا مباشرة ،انتشر عسكريون أمريكيون إلى جانب إرهابيين من حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب لفحص الأضرار. نفذت هذه الضربات قبل اجتماع أردوغان وترامب في الأسابيع المقبلة. وينبغي أن تفهم هذه الضربات أيضا على أنها دعوة إلى الولايات المتحدة لاتخاذ قرار نهائي، فإما أن تقاتل إلى جانب تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي أو إلى جانب وحدات حماية الشعب التي تتبع منظمة إرهابية كما تصنفها الولايات المتحدة.
وكما قال الرئيس أردوغان في مؤتمر نظمته أكاديمية الشرطة الوطنية التركية حول "مفهوم الأمن الجديد في تركيا" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، فإن تركيا مصممة على "عدم انتظار التهديدات التي تطرق بابها"، بل ستذهب إلى أوكارهم وتحل المشكلة من جذورها، وكرر السيد أردوغان العبارة نفسها عندما عاد إلى حزب العدالة والتنمية بعد الاستفتاء في 16 أبريل.
تسير القوات الأمريكية والروسية حاليا دوريات إلى جانب وحدات حماية الشعب على الحدود السورية التركية، ومن ثم فإن حدوث اشتباك بينها وبين القوات التركية هو أمر مستبعد، لكن يمكن وصف العقيدة الأمنية الجديدة لتركيا بأنها اندماج جديد وفعال بين الدبلوماسية المتعددة الأبعاد وسياسة الدفاع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس