طه أوزهان - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس
منذ مارس / آذار 2011، كان حل الصراع السوري على رأس جدول أعمال الأمن العالمي. ومن الصعب أن نتذكر، فضلا عن أن نحصي، مجموعة المبادرات متعددة الأبعاد ومتعددة الجنسيات لهذا الصراع، بدءا من "خطة عنان" و"أصدقاء سوريا" إلى محادثات أستانا ومبادرات الأمم المتحدة الأخرى. وقد أخفقت كل هذه المبادرات.
وعلى الرغم من أن هذا الإخفاق يمكن تفسيره بعدد من الطرق، فإن هناك تفسيرا بسيطا إلى حد ما لدينامية العمل الرئيسية في هذه المبادرات، هو غياب حل شامل يتجاوز التحركات التكتيكية والحروب بالوكالة. والأسوأ من ذلك أنه في كل مرة نوقشت فيها الأزمة السورية، لم يكن النقاش يدور حول سوريا تماما.
إن استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية، وقتل أكثر من نصف مليون سوري من جميع الأطراف لم يغير ذلك. استبُدلت التكتيكات بالجغرافيا السياسية، وحلت المخاوف الشعبوية محل الحلول السياسية.
ومع ظهور مثل هذا العدو المفيد والمريح كجماعة داعش، أعلن أيضا عن وفاة الجغرافيا السياسية في سوريا. سرق تنظيم الدولة الأضواء من المأساة السورية والأزمة في الشرق الأوسط، وأصبحت محاربة الجماعة منتجا في السوق الحرة يمكن لأي شخص شراؤه. إنه التحول الذي شرعن وموه على جميع أنواع الجرائم والوحشية.
خطأ تسليح الوحدات الكردية ضد داعش
لم تتمكن روسيا والولايات المتحدة وإيران ونظام الأسد ودول الخليج وفرنسا وجيران سوريا وكندا والاتحاد الأوروبي وأستراليا، على مدى أربع سنوات من القتال، من تطهير سوريا والعراق من داعش، بينما هزم التنظيم وأبيد في كل مكان آخر.
سحقت تركيا التنظيم خلال أربعة أشهر. غير أن تحالفا كبيرا وغير محتمل من الدول التي حاربت بعضها بعضا في القرن العشرين أخفق حتى الآن في القضاء على داعش في أراضي تلك الدول.
كيف يمكن أن يعيش التنظيم على الرغم من أنه يستقطب إيران وإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا والخليج والعراق ويحيي أطروحة "نهاية التاريخ"؟ كيف يمكن لهذا التحالف الذي لا يمكن تخيله في القرن العشرين أن يخفق في هزيمة منظمة إرهابية؟
لا يمكن أن يكون هناك سوى احتمالان: فإما أن تنظيم الدولة أقوى عسكريا من التحالف، أو أن هناك مشكلة في الطريقة التي يقاتل بها التحالف.
ومن العناصر الخارقة التي يضمها هذا التحالف حزب الاتحاد الديمقراطي. وهو منظمة ماركسية بالية الأفكار ظهرت في أواخر عام 2011، أي في العام نفسه الذي ظهر فيه تنظيم الدولة. وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الإرهابي الذي قتل عشرات الآلاف في تركيا.
وفي حين يعترف حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه بأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تعده تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، فإن العاصمة الوحيدة التي تنكر الروابط بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني هي واشنطن. وبعبارة أخرى، تخبر واشنطن العالم بأن يتجاهل مجموعة مدرجة في قائمتها للتنظيمات الإرهابية.
ولجعل الأمور أسوأ، يقال لنا إن علينا تصديق أن حزب الاتحاد الديمقراطي يمثل جميع السكان الأكراد في سوريا. تصرف الأنظار العمياء والأذن الصماء للعمل مع حزب الاتحاد الديمقراطي، ولا يستخدم هذا التكتيك إلا لأن الولايات المتحدة لم تتمكن من تطوير سياستها لسوريا. وهذا اتجاه يستمر في ظل الإدارة الجديدة.
عين واحدة لا ترى الحقيقة
من أهم الأعذار التي قدمت لعدم اتخاذ إجراء بشأن الأزمة السورية في عامي 2012 و2013 مسألة ماذا سيحدث إذا ذهب الأسد. وكان هذا سؤالا مهما ينبغي طرحه، بيد أنه تجاوز مجرد الفضول والقلق وأصبح في نهاية المطاف عذرا لعدم التدخل.
وفي الوقت نفسه تجنب أولئك الذين طرحوا السؤال عن مستقبل سوريا بعد ذهاب الأسد، طرح السؤال نفسه حول تنظيم الدولة: ماذا سيحدث إذا تم القضاء على داعش؟ لقد مضوا قدما باستخدام حزب الاتحاد الديمقراطي لقتال داعش دون التفكير في عواقب ماذا يعني للأكراد والعرب والتركمان استئصال داعش من سوريا.
ماذا ستصنع الجهات الإقليمية الفاعلة وكردستان العراق بحزب الاتحاد الديمقراطي في حقبة ما بعد تنظيم الدولة؟ ليست لديهم إجابة عن هذا السؤال.
إن استراتيجيتهم لمحاربة منظمة إرهابية بمنظمة إرهابية أخرى ليست خطيرة بالنسبة لاستقرار سوريا على المدى البعيد ولا لاستقرار المنطقة. وهكذا فقد صرنا أمام التكتيكات العسكرية، وليس الحلول.
إذا كان كل ما لديك هو مطرقة، فكل شيء يبدو وكأنه مسمار: تستمر المعركة ضد داعش دون أي حسبان للعواقب السياسية والأمنية الإقليمية المحتملة للنهج العسكري الحالي.
هل تتكرر تجربة العراق؟
إن حقيقة أن هذا النهج يمكن أن ينتهي بكارثة أخرى، وإلى عراق آخر يتم تجاهله. وفي الوقت نفسه، فإن قصر النظر الذي بدا قبل 15 عاما في المعركة ضد القاعدة، من خلال النهج البدائي الذي أدى إلى الانتشار القوي للقاعدة، يتكرر الآن.
واليوم وفي الحرب على داعش يتجاهل النهج العسكري البحت مرة أخرى السياسة المتطورة للنضال والعواقب الجيوسياسية المحتملة.
تركيا من الدول التي دفعت أبهظ الأثمان اجتماعيا واقتصاديا ومن حيث الأرواح التي أزهقها الإرهاب نتيجة للأزمة السورية. إن تسليح منظمة إرهابية ماركسية وذات دوافع عرقية ضد تركيا سيكون له عواقب إقليمية كبيرة. والشيء الوحيد الذي سينتج عن دعم منظمة إرهابية، شنت هجمات انتحارية في المدن التركية، سيكون مزيدا من الفوضى.
قررت الولايات المتحدة تسليح وحدات حماية الشعب على الرغم من أن تركيا نجحت في محاربة تنظيم الدولة داخل سوريا منذ عدة أشهر، وأعربت صراحة عن دعمها واستعدادها للمساعدة في تحرير الرقة.
وبالنظر إلى النتائج السلبية المترتبة على مساعدة منظمة إرهابية تكرس نفسها لشن هجمات في تركيا، فإن حقنا المشروع ومن المهم للأمن والاستقرار الإقليميين أن نحارب جميع المنظمات الإرهابية في سوريا التي تهدد أمننا القومي، حتى لو أدى ذلك إلى توتر يمكن أن يمزق العلاقات الأمريكية التركية تماما.
خطوة جيدة لهوليوود وليس لسوريا
إن تحویل حزب الاتحاد الديمقراطي الکردي إلى لاعب نشط في الساحة سيكون له عواقب وخيمة علی سوریا والعراق وإيران، إلا أن الاستراتیجیة العسکریة الحالیة في سوریا تخلو تماما من أي تفھم لسوریا أو الشرق الأوسط.
ومن المستبعد جدا أن تكون هذه الاستراتيجية العسكرية، التي نشأت من اليأس خلال إدارة أوباما، فعالة بعد أن مرت الأزمة السورية بمزيد من التقلبات والمنعطفات.
ينتاب الجميع الفضول لمعرفة رد فعل تركيا إذا زُوّد حزب الاتحاد الديمقراطي بأسلحة ثقيلة. ولكن هذا ليس السؤال الذي تحتاج تركيا للرد عليه. ستحارب تركيا الإرهاب إذا زود تجهيز حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني بأسلحة ثقيلة بنفس الطريقة التي حاربت بها من قبل.
ويظل السؤال الحقيقي هو هل يقدم وهم مكافحة الإرهاب باستخدام مجموعة أخرى من الإرهابيين أي شكل من أشكال الحل. بطبيعة الحال، بالنسبة لأتباع النهج العسكري، قد تبدو هذه الأسئلة لا قيمة لها.
على أن ترك ھذه الأسئلة الوجودية دون إجابة لها في سوريا، حيث يزداد عنف المنظمات الإرھابیة، قد يعني تکاثر تنظیم الدولة واستنساخه في سوریا وخارجھا.
وفي حين أن فكرة أن ينقذ التنظيم الماركسي المفرط في العلمانية مدينة الرقة، وهي مركز سني تاريخي، من داعش يمكن أن تكون سيناريو كبير لفيلم هوليوودي، فإنها لن تؤدي على أرض الواقع، إلا إلى تصعيد الأزمة الحالية.
إن كل خطوة اتخذت حتى الآن في سوريا، وتجاهلت العواقب السياسية والإقليمية لم تخلق سوى فوضى أكثر مما حلّت.
حتى وإن لم تعارض تركيا تسليح وحدات حماية الشعب، فهي خطة يجب التخلي عنها، حيث ما يزال هناك وقت لتجنب الأضرار الجانبية الضخمة التي ستخلقها هذه الخطة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس