ترك برس
تناول الأكاديمي الكوسوفي السوري "محمد م. الأرناؤوط"، مكانة السلطانة "كوسم" في القصر العثماني "طوب قابي" الذي جاءت إليه كجارية تُدعى "أنستازيا" وتمتعت لاحقًا بنفوذ كبير حوالي نصف قرن (1605-1651م)، بعد أن تزوجها السلطان "أحمد الأول"، لتموت مخنوقة في نهاية الأمر.
جاء ذلك في تقرير نشره موقع "العربي الجديد"، حيث أشار في بدايته إلى المسلسلات التركية التي طغت خلال السنوات الأخيرة في القنوات التلفزيونية، سواء التاريخية منها أو الاجتماعية، وأصبحت لها شعبية حتى في الدول التي تحتضن ثقافة تاريخية معادية للأتراك مثل صربيا واليونان، ولذلك أصبحت تعتبر من أدوات "القوة الناعمة" لتركيا في السنوات الأخيرة.
ومن هذه المسلسلات التي حظيت بمشاهدة كبيرة مسلسل "حريم السلطان" عن السلطانة خُرّم زوجة السلطان سليمان القانوني، و"السلطانة كوسم" عن السلطانة كوسَم التي فاقت الأولى بنفوذها المتواصل خلال نصف قرن تقريباً (1605-1651م) كانت فيه زوجة ووالدة وجدّة لعدة سلاطين حكموا الدولة العثمانية آنذاك.
ويقول الكاتب إن في المسلسلات المذكورة، هناك جاذبية لمختلف الأعمار تتمحور حول فخامة القصور العثمانية وجمال النساء والملابس والمكائد المتواصلة حتى أن التاريخ العثماني يبدو فيه مسلسل مكائد لا ينتهي.
وهذا يعيدنا، كما في المسلسلات التاريخية العربية في موسم رمضان، إلى العلاقة بين التاريخ والدراما أو بين ما هو تاريخي بالفعل أو ما يمثل قراءة درامية لكاتب السيناريو التي يضيف إليها المخرج شيئاً من عنده أيضاً ليكون الحاصل خليطاً بين الواقع التاريخي وخيال الكاتب/ المخرج بما يناسب واقع الحال في حاضرنا المشحون.
ويرى الكاتب أن في حالة المسلسلات التركية عن "حريم السلطان" لا يحتاج كاتب السيناريو إلى خيال لأن النظام العثماني كان كذلك، كان يسمح للجارية أن تصبح فجأة زوجة للسلطان ثم والدة السلطان وتتمتع بنفوذ كبير يصل أحياناً إلى ممارسة الحكم في دولة مترامية الأطراف تمتد من البوسنة إلى اليمن ومن العراق إلى المغرب.
ولكن هذا لم يكن يتم دون جمال وذكاء ومكائد حتى تحتفظ الجارية/ زوجة السلطان بمكانتها في القصر الضخم "طوب قابي" لأن الفشل في ذلك يأخذها إلى "قصر الدموع"، حيث تستذكر مكانتها التي فشلت في الحفاظ عليها أو يجعلها ضحية لطموحاتها التي تتضارب مع الأخريات.
وبحسب الأرناؤوط، فإن هذا ينطبق على الجارية "انستازيا" التي أصبحت السلطانة كوسَم وتمتعت بنفوذ كبير حوالى نصف قرن (1605-1651م) لتموت مخنوقة في نهاية الأمر.
يُشير الأرناؤوط إلى أن المصادر تختلف حول أصل "انستازيا" من بولونيا إلى اليونان ولكن تتفق على جمالها وعلى أن والي البوسنة قدّمها هدية للسلطان أحمد الأول (1603-1617 م).
فقد كان الصراع في القصر محتدماً بين السلطانة الجدة صفية والسلطانة الوالدة خندان، وهو الذي انتهى لمصلحة الثانية في 1604 م، أي في الوقت الذي جاءت فيه "أنستازيا" إلى القصر بعد أن أسلمت ومُنحت اسم مه بيكر (وجه القمر). ومع وفاة السلطانة الوالدة في 1605م فُسح المجال لبروز زوجة السلطان التي جذبه جمالها وأطلق عليها اسم كوسَم.
ويقول الكاتب إن ما يميز كوسَم لم يكن جمالها بل ذكاؤها وإدراكها لعبة القصر والسياسة في الدولة العثمانية بالإضافة إلى الظروف التي خدمتها. فقد مات زوجها شاباً في السابعة والعشرين ولذلك كان من المستحيل أن يكون طفلها سلطاناً، كما أن زوجها قبل وفاته غيّر قانون وراثة العرش ليسمح لأكبر أفراد آل عثمان بوراثة العرش.
وبذلك آل العرش إلى أخيه مصطفى الأول الذي عزل بعد عدة شهور (1717-1618م) بسبب عدم اتزانه ليفسح المجال بذلك لعثمان الثاني (ابن السلطان أحمد من زوجة أخرى) أن يتولى العرش خلال 1618- 1622م وقتل على يد الانكشارية.
وفي هذه الفوضى أعيد مصطفى الأول لعدة شهور أخرى (1622-1623م) ليعزل بعدها بتهمة الجنون مما فسح المجال لابن كوسَم أن يصل إلى العرش باسم مراد الرابع (1623-1640م)، وهو ما كان بداية لعبة السياسة بين السلطانة كوسم والصدور العظام وشيوخ الإسلام والانكشارية، بحسب التقرير.
ويضيف الكاتب: كان من مصلحة كوسَم أن يتولى ابنها الطفل مراد العرش لكي تكون هي الوصية أو "نائبة السلطان" حتى يبلغ سن الرشد في 1623م. وحتى بعد أن تولى السلطة بقي نفوذ السلطانة الوالدة كوسَم قوياً في السنوات الباقية من حياته التي لم تستمر كثيراً إذ إنه توفي في السابعة والعشرين.
ونظراً لأنه لم يخلف ولداً فقد آل العرش إلى أخيه إبراهيم (1640-1648م ) وهو ما كان يناسب السلطانة كوسَم. وحتى حين حاول حينها الصدر الأعظم مصطفى باشا وضع حد لتدخلها في الحكم قامت بتحريض ولدها على قتله. ولكن زعماء الانكشارية ثاروا عليه وتمكنوا من قتله أيضاً أسوة بأخيه عثمان الثاني.
ومع مقتله تولى العرش ابنه محمد الرابع (1648-1687م) الذي كان في السابعة من عمره، وهو ما فسح المجال لكوسَم للاحتفاظ بنفوذها مع لقب جديد هو "السلطانة الجدّة". ولكن في هذه الحالة وجدت نفسها في صدام مصالح مع أمه السلطانة الوالدة خديجة ترخان، التي تولّت الوصاية أو نيابة السلطنة، وانتهى هذا الصدام بين المرأتين القوتين إلى ترتيب مقتل السلطانة الجدة كوسَم خنقاً في 1651م لتنفرد السلطانة الوالدة خديجة بالسيطرة على الوضع في البلاط.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!